أزمة إنهيار سعر صرف الدينار الليبي

أزمة إنهيار سعر صرف الدينار الليبي

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

في خضم المعناة اليومية للمواطن الليبي من فشل تام في كافة الخدمات والمرافق  وانقسام بين شرق وغرب في المؤسسات السيادية كالبنك المركزي ومؤسسة النفط وغيرها، اصيب المواطن الليبي بالهلع والشعور بان كل شي ارتفع سعره بين عشية وضحاها فالاسعار ارتفعت حتي الخضروات التي ليس لها علاقة مباشرة بسعر الدولار ناهيك عن السلع الغذائية والتي اغلبها يتم استيرادها  و المشكلة ان الارتفاع اصبح متصاعد في السماء بلا سقف او حدود  لاول مره في تاريخه . الجميع يتسال عن السبب، واجتهد الكثير في خلق المبررات وتحميل الاطراف المتصارعة المسؤلية في ضياع الوطن وضنك العيش الذي صار مغمس بالدم بدلا من العرق والكفاح والامل والتطور.

الخوف والجزع يسيطر علي رجال الاعمال والتجار كما ان  البنك المركزي يحاول عبر اصدر  جملة من القرارات والتوصيات  لحل وفك الحبل الذي اصبح يلف رقبة الاقتصاد الوطني الليبي ، والذي  يشير الي ان المنقذ هو حل مشكلة تصدير النفط وعودة الانتاج الي سابق عهده وانا اتفق ان هذا جزء من الحل و  ليس الامر الوحيد  وقد يستغرق وقت طويل نسبيا والبعض الاخر يشير الي ضرورة تقليص النفقات الحكومية وخصوصا ان عجز الموازة بلغ حتي الان خلال السنتين  2014-2015  الي 40 مليار دينار اضف اليه ما قام البنك المركزي في البيضاء بانفاقه والذي اشار اليه محافظ البنك المركزي  في حدود 4 مليار ، اي ان اجمالي العجز هو 45  مليار دينار . طبعا التوسع في الانفاق بشكل مبالغ فيه وتضخم الميزانية العامة بنفقات كبيرة جدا مقارنة مع ما كان قبل فبراير 2011 بالتاكيد خلق فائض في السيولة اكبر من الطاقة الاستيعابية للاقتصاد  الليبي ناهيك عن وجود اكثر من من ثلث النقود خارج الاطار المصرفي فالناس والتجار يفضلون الاحتفاض بالنقود خارج المصارف خصوصا مع صعوبة الحصول علي النقد من المصارف ربما ليس بسبب النقص ، فالسيولة المحلية  متوفرة ولكن بسب الخوف من عمليات الاختطاف وصعوبة ايصال النقد لبعض الفروع المصرفية   وبسبب ان المصارف ليست لديها الحافز لاستقبال النقود والايداعات من الناس بسبب قانون منع التعامل بالفائدة المصرفية الذي قيد المصارف وجاء في ضروف غير مواتية من حيث توافر المقومات والبيئة المناسبة لتطبيقه ، فالمصارف كانت تقوم بالاستفادة من الايداعات عبر شراء شهادات الاستثمار من المصرف المركزي ، ولا عجب ان نري احد البنوك الليبية المرموقة يدير عملياته من خارج البلاد ويعتمد علي اساليب قد توصف بانها غير قانونية ولكنها بغية حماية كبار الموظفين وعدم تعرض البنك الي عمليات سرقة واختطاف.

هذا الوضع المتصدع والمتردي اقتصاديا يدفع بالجميع الي استبدال الدينار بالدولار خوفا من مسلسل الانهيار للدينار وبالتالي يرتفع الطلب علي العملة الاجنبية  وتتراجع قيمة الدينار المحلي ما قد يزيد الطين بلة هو ما اقره المؤتمر الوطني في طرابلس بالمباشرة في اعتماد البديل النقدي للدعم السلعي منفرداوتكليف البنك المركزي بتحويل المخصصات الي حسابات المواطنيين عبر منظومة مخصصة لذلك ، والذي اعتقد وان كان امر محمود لمعالجة تشوهات الاقتصاد الوطني ، الا انه جاء في ظروف شديدة القسوي  وسيودي الي ارتفاع اسعار السلع الاساسية  ويفتح الباب لاحتكار السوق من قبل بعض التجار ، فبدل من ان المؤسسة الوطنية للسلع التموينية او صندوق موازنة الاسعار سيكون لدينا تاجر او شركة وحيدة تتحكم في الاسعار وتوافر السلع، ولكن هذا الامر يمكن معالجته عبر منع الاحتكار واقرار آلية للمنافسة عبر انشاء مجلس المنافسة بحيث يكون للسلعة الواحدة العديد من الموردين وان يفعل قانون المنافسة ومنع الاحتكار. ولكنه لم يري النور حتي الان وتفاقمت ديون المطاحن الوطنية علي التي توفر سلعة الدقيق وترتب علي ذلك تاثر المواطن الذي اصبح يعاني للحصول علي الخبز وباسعار اعلي من السابق.

بالتاكيد ان ما يطرحه البنك المركزي الان من آليات لمعالجة تدهور سعر صرف الدينار بالسوق السوداء عبر تحديد اسعار مختلفة لبيع العملة حسب الغرض منها ووضع سقف لعمليات الشراء من الدولار قد تكون لها اثار جيدة علي مستوي تحسن اسعار الصرف ولكنها لن تكون كافية علي الاطلاق ، فلامر يحتاج اولا الي توافق ووحدة القرار الاقتصادي والنقدي في ليبيا وثانيا يحتاج الي مراجعة شاملة ووضع اطار زمني لتقليص الفارق بين السعرين مع وجود حزمة اقتصادية للنهوض بالاقتصاد الوطني وتنظيم عمليات الاستيراد واحكام السيطرة علي منافذ الدولة ، كما ان  المراقبة الفاعلة لعمليات التحويل والاعتمادات المستندية والبطاقات الالكترونية تحتاج الي جهد لتصحيح الخلل الواضح في استخدامها والتي تعتبر احد الادوات التي تستخدم للتحايل للحصول علي النقد الاجنبي واعادة طرحه في السوق السوداء.

هناك  رائي  يري ان يقوم  البنك المركزي بتفعيل نشاط مكاتب الصرافة وان تقوم بشراء العملة عبر عمليات مزايدة يومية وتتولي هذه المكاتب بيعها للمواطنين والتجار ولكن هذا الطرح سيزيد من صعوبة الامر وقد يفلت العقال من بين يدي السلطات النقدية خصوصا في هذه الظروف التي تحتاج الي حزم ودقة واتخاذ خطوات
شمولية لمعالجة الشرخ الموجود بدلا من فتح ابواب لاقبل الان للبنك المركزي بمتابعتها.

كما يطرح البعض ان يقوم البنك المركزي بضخ كمية كبيرة من العملة الاجنبية بالسوق سوف تعمل علي امتصاص فائض السيولة ويخفظ السعر في السوق السوداء ، وان كان هذا الامر نظريا صحيح الا انه سيصتدم بمحدودية البنك المركزي علي الاستمرار في هذا الامر لفترة بسبب عدم وجود ايرادات جديدة تغذي حسابات البنك المركزي بسبب توقف بيع النفط وايضا ضعف القدرة علي توريد العملة الاجنبية من الخارج بسبب المخاطر المحدقة بعملية الاستيراد وعدم قدرة شركات التأمين علي تحمل المخاطر الناتجة عن عمليات السطو علي شحنات العملة الاجنبية المستوردة ناهيك عن عمليات السطو التي تتم علي عمليات نقل العملة المحلية في ليبيا.

السؤال الكبير هل يمكن للمصرف المركزي وبشكل عاجل معالجة الخلل؟ وهل  الامر لايعدو كونه وسيلة يقوم بها بعض المتحكمين في السوق السوداء للوصول. الي مكاسب سياسية علي حساب الطرف الاخر وهل حكومة الوفاق القادمة سيكون لها دور  في حلحلة هذه المعضلة؟

المشكلة اكثر عمقا مما يعتقد البعض، فالعديد من تجار الذهب يقومون بشراء الذهب المستعمل بأسعار رخيصة ثم يقومون بتحويله الي سبائك وشحنه الي دبي وتركيا وبيعه بالسعر العالمي ثم توريد الدولار للسوق المحلي وبيعه بأسعار السوق وبالتالي يساهمون في ارباك وممارسة مزيد من الضغط علي العملة المحلية ناهيك عن ضياع مدخرات المواطنين من الذهب.

في تصوري ان البنك المركزي والحكومة القادمة لها دور هام في معالجة الامر ولكن نحتاج الي وضع سياسة اقتصادية تشمل السياسة النقدية والسياسة التجارية والسياسة المالية لمعالجة الوضع الاقتصادي المتردي في ليبيا علي المدي المتوسط والطويل تعالج وتضع البرامج الممنهجة للنهوض بالاقتصاد فكل مكونات السياسة الاقتصادية توثر في سعر صرف الدولار وليست السياسة النقدية فقط.

اما ما يمكن عمله بشكل عاجل فهو سياسة الصدمة والتي علي البنك المركزي ووزارة المالية ان يتخذانها عبر استيعاب فائض السيولة المحلية اولا بطرح ادوات نقدية ذات عائد مناسب في شكل صكوك او سندات  تكون ذات عائد  مغري للمواطنين  والجهات الاستثمارية  والمصارف المختلفة لجذب السيولة الزائدة في السوق  علي ان يعاد استثمارها في تمويل برامج التحول والبني التحتية وايظا طرح كميات كبيرة من  العملة الصعبة   بسعر اقل من السعر بالسوق السوداء وينخفظ بشكل متدرج من مستواه الحالي في السوق الموازي حتي يصل الي المستوي المقبول في ضوء الظروف الاقتصادية الحالية والذي يمكن ان يكون في حدود الدولار بسعر 2 دينار علي مدي شهر من الآن و بشكل سريع  لامتصاص فائض السيولة المحلية.

ثانياً: اصدار موازنة للنقد الاجنبي تحدد بدقة اوجه الانفاق بالعملة الصعبة بالسعر الرسمي مع اعطاء التجار الراغبين في التوريد خارج بنود الموازنة التوريد بسعر مختلف مرتفع عن السعر الرسمي مثلا يمكن يكون بزيادة 30% عن السعر الرسمي.

ثالثاً: ايجاد آلية منظمة للرقابة علي عمليات بيع وشراء العملة الاجنبية للمواطنين تضمن العدالة والشفافية وتمنع عمليات التحايل.

رابعاً: الاسراع في وضع تصورات لجذب السيولة خارج المصارف عبر سحب الاصدارات القديمة من العملة.

علي الجميع توحيد الجهود و ان يكون هناك برنامج  واضح للمعالجة السريعة وان لا يقفا موقف المتفرج من هذه الازمة التي تعصف بالاقتصاد الوطني  وان يتخذا خطوات ملموسة  تضمن تحسين الاوضاع المعيشية للمواطن و تقضي علي التدهور في قيمة العملة الوطنية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

التعليقات: 2

  • صالح محمد

    توفبر كرت الصرف الالي بهذا الكرت لا احد يريد السيوله بحكم الوضع الامني وتوفير منظومات في الاسواق وامام المصارف حت يستعمله المواطن في
    الاستهلاك اليومي

  • طرابلسي

    السبب الرئيسي لكل المشاكل اللتي نعاني منها اليوم هو انعدام الامن , فبدون امن لن تستطيعوا حل اي مشكلة , توفير الامن يكون قبل توفير الغذاء , الشعب طالب اكثر من مرة بتفعيل الجيش والشرطة وبان تخرج كل التنظيمات المسلحة خارج المدن , بهذا فقط ستنعم ليبيا بالامن . وبالمناسبة فالبنوك عندنا لم تعد بنوك بل مجرد خزينة صرف رواتب , واي شخص عاقل اليوم مستحيل ان يترك نقوده في البنوك في هذه الظروف . فعّلوا الجيش والشرطة واخرجوا المجموعات المسلحة “كل المجموعات المسلحة ” ووفروا لها اماكن تتمركز فيها بعيدا عن المدن عندها فقط يمكنكم ان تعملوا على حل المشاكل .

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً