الإعلام والسلطة الحاكمة

الإعلام والسلطة الحاكمة

د. محمود المعلول

كاتب وباحث ليبي

هناك علاقة وثيقة جداً بين الإعلام والسلطة الحاكمة، فمنذ زمن بعيد ارتبط الحاكم بالشاعر الذي كان وسيلة إعلام في السابق، فالحاكم كان يحتاج إلى الدعاية والتمجيد له، ولذلك ارتبط معظم الشعراء بالحكام والأمراء والولاة، وغيرهم من أصحاب وسائل الدعاية، وعرف في التاريخ الإسلامي ظاهرة التكسب بالشعر بمعنى أن الشاعر كان ينظم القصيدة في مدح الحاكم ثم يقصد هذا الحاكم ليمدحه، وأحياناً لينافقه ويتزلفه، وينال العطاء والمال منه، وكان هذا الحاكم يهدف من وراء ذلك الدعاية له ولحكمه ولسياسته.

ويحكى أنه في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي (375 ـ 411 هـ / 985 ـ 1021 م)، وكان حاكماً غريب الأطوار تزلزلت الأرض بمصر في عهده فأصيب بالرعب والخوف، واستدعى العلماء والفقهاء والشعراء يسألهم عن سبب ذلك، فقال له بعض العلماء: إن الزلازل بسبب الظلم والجور، وعليه أن ينشر العدل ويرفع الظلم عن الناس ويحكم بينهم بالحق، ولكن أحد الشعراء الحاضرين أنشد له قائلاً:

ما زلزلت مصر لخطب ألم بها …………. لكنها رقصت من عدلكم طرباً

وكان الحاكم بأمر الله هذا من أسوء الحكام عبر التاريخ يقول عنه المؤرخ شمس الدين الذهبي (673 ـ 748 هـ / 1274 ـ 1348 م): “أنه كان شيطاناً مريداً، وجباراً عنيداً، كثير التلون، سفاكاً للدماء، خبيث النحلة، عظيم المكر… تسمى زوراً وبهتاناً بالحاكم بأمر الله، وكان غريب الأطوار متناقض القرار“، أحمق سفيه حيث كان يأمر بالأمر وعكسه، أمر بفتح الأسواق ليلاً وغلقها نهاراً، وألزم الناس إذا ذكر الخطيب اسمه أن يقوموا إعظاماً لذكره، واحتراماً لاسمه، وقد أدعى الألوهية وألزم الناس بالسجود له.

ومنذ القدم فهم اليهود أهمية الإعلام فقالوا قولتهم المشهورة في بروتوكولات حكماء صهيون: ” إذا كان الذهب هو قوتنا الأولى في السيطرة على العالم فيجب أن يكون الإعلام هو رقم 2 “، وقد نجحوا في ذلك أكبر نجاح.

ومن أقوالهم الأخرى ” أكذب دائماً فإنك يوماً من الأيام ستصدق ” بمعنى أن تكرار الكذبة سيجعلها بعد مرور فترة من الزمن كأنها حقيقة.

فأشهر المحطات والإذاعات والصحف والسينما في العالم يسيطر عليها يهود، وكان من أهدافهم أنه لن يصل أي خبر إلى المجتمع دون أن يمر علينا، ويجب علينا أن نكون قادرين على إثارة وتهدئة عقول الشعوب عندما نريد ذلك.

وهكذا تتضح أهمية الإعلام ودوره في بلوره عقلية الشعوب وتوجيهها، وأن الكلمة لها تأثير كبير جداً خاصة أجهزة التلفزيون اليوم لأن أكثر الناس يتابعونها.

وحتى في المثل المصري والأمثال هي حصيلة تجربة الشعوب الذي يقول : ” كثرة الزن على الوذان أمر من السحر ” ، والمثل العربي الآخر كذلك ” كثرة الضرب على الحديد يفله ” ، و ” كثرة الدق يفك اللحام ” ، وكلها تؤكد خطر الدعاية والتكرار ، وأن الدعاية هي صناعة منذ القدم لخدمة أهداف السياسيين والحكام ، وللتأثير في الرأي العام ، وتؤدي إلى الاستقطاب والإقناع عن طريق سلب الإرادة بسبب ضعف الثقافة ، والجهل والتخلف نتيجة للظروف المحيطة التي صنعها الحاكم المستبد ، وجعل الناس يعيشون فيها ، وكل تلك الأمور تؤدي إلى تغيير وتبديل الآراء والقناعات لدى كثير من الناس .

وفي زمن فرعون الذي استخدم السحرة ـ والسحر نوع من أنواع الفن ـ سحر التخييل قال تعالى ” فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين، قال نعم وإنكم إذاً لمن المقربين ” الآية 42 صورة الشعراء.

وفي الآية السابقة تتضح العلاقة القوية بين أهل الفن والسلطة الحاكمة هو الحصول على الأجر سواء كان مالاً أو غيره، والتقريب وهو حصولهم على النفوذ والجاه وقضاء الحوائج عن طريق الحاكم لأنهم من أتباعه..

وكما هو معروف فإن الرأي العام يصنعه الإعلام، هذا في الشعوب الواعية المثقفة المتعلمة فما بالك بالشعوب الجاهلة والمتخلفة المسماة بالدهماء والغوغاء والهمج الرعاع، الذين يصفهم الحسن البصري (21 ـ 110 هـ / 642 ـ 728 م) بأنهم قتلة الأنبياء والصالحين والدعاة، ويصفهم الإمام علي بن أبي طالب بأنهم يسيرون وراء كل ناعق، ويسيرون مع الريح حيث سارت، بمعنى أنهم يتبعون صاحب كل دعاية، وكل دعوة دون النظر إليها أو تفسيرها.

وفي الأنظمة الحديثة خاصة الأنظمة العربية الديكتاتورية كان الفنانون والصحفيون والكتاب لا يعملون في هذا المجال إلا بعد مرورهم على الأجهزة الأمنية هذا أولاً، وثانياً يجب أن يكون بينهم وبين السلطة الحاكمة توافق فكري وأيديولوجي بمعنى أن الفنان والكاتب والصحفي يجب أن يمثل وجه نظر السلطة الحاكمة، وأن يكون بوقاً ووسيلة دعاية لها.

وحتى في الأنظمة الغربية يؤكد المفكر العالمي نعوم تشومسكي أن كثيراً من المؤسسات الإعلامية الكبرى تديرها مخابرات، وعلى علاقة كبيرة بالسلطة الحاكمة.

والله الموفق…

[su_note note_color=”#ecebc8″ text_color=”#000000″]هذا المقال لا يعبر سوى عن رأي كاتبه[/su_note]

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. محمود المعلول

كاتب وباحث ليبي

اترك تعليقاً