الانتخابات الرئاسية في ليبيا.. ماراثون التهافت!

الانتخابات الرئاسية في ليبيا.. ماراثون التهافت!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

حيث أن أعلى منصب في الدولة هو منصب الرئيس، يكون حجم مسئوليته أكبر وأعظم، منطقيا يفترض أن لا يتقدم لهذا المنصب الرفيع إلا من يجد في نفسه الكفاءة والقدرة والخبرة اللازمة التي تُؤهله لحمل أمانة تنوء من حملها الجبال الراسخات، ومنطقيا أيضا أن يتمتع من يتصدى لهذه المسئولية الجسيمة بموهبة القيادة والقدرة على تحمل ثقل الأمانة، بمعنى أن من يتقدم للمنصب يفترض أن يكون مميزا في الكفاءة والقدرة والخبرة وحسن التدبير،  لكن بالنظر الى المشهد الليبي حاليا، نجد الأمر مغايرا للمنطق، ويعتريه غرابة وعجب من الكم الكبير من المتقدمين للترشح لمنصب الرئيس.

قد يحتار البعض في تفسير ذلك، لكن المتأمل في الواقع الليبي يمكنه إدراك علة ذلك التهافت الغريب، على أرفع منصب في ليبيا، ويدرك أن للثقافة السائدة دورا محوريا في ذلك، فالليبيون صاروا لا يقيمون وزنا للكفاءة والخبرة التي توفر القدرة والأهلية، بعد أن طغت عليها مؤثرات أخرى اجتماعية وثقافية ومادية، يتم تسخيرها في إطار من العلاقات النفعية المتبادلة، ويمكن القول إن من أهم أسباب ذلك التهافت من قِبل الليبيين على منصب الرئيس، يكمن في سببين ـساسيين، أنتجتهما في الواقع تأثيرات ثقافة سائدة منذ عقود وتعود عليها الليبيون.

السبب الأول: يتعلق بمدى الاستهتار بالمسئولية لدى أغلب الليبيين، والذي مرده نوعية من تقلد المناصب في ليبيا خلال هذه العشرية الكئيبة وما قبلها إلى حد ما،  حيث لا وجود لمعايير ولا مواصفات قيادية تُؤهل أغلبية من يتقلدون المناصب، الذين عادة ما يكونوا من الأغرار الذين لا سابق تجربة أو خبرة لهم بالعمل المكلفين به، بل أن بعضهم يفتقدون لأبسط أبجديات علم الإدارة وضوابطها، وأكثر من ذلك قد يكون من بينهم من كان يُمارس أفعالا خارجة على القانون وله سوابق جنائية، وأتت بهم صدف مرتكزها علاقات اجتماعية شخصية.

السبب الثاني: يتعلق بسيادة ثقافة الغنيمة لدى الليبيين في تولي كل المناصب الحكومية، حيث يعتبرون المنصب مجرد مغنم يتنفع به شاغله شخصيا طيلة وجوده فيه، من خلال استغلال المنصب للتنفع الشخصي أو العائلي أو القبلي، ويشجع على ذلك عدم وجود من يحاسب مهما كان حجم الفساد، الأمر الذي جعل البعض ممن يتولون المناصب يعتبرون المؤسسة العامة التي يديرونها بمثابة الملك الشخصي للمسئول، فيحق له التصرف فيها كيفما شاء ومتى شاء، دون رقيب أو حسيب.

هذا الوضع شكل مفهوما لدى العامة ببساطة شغل المناصب العليا، حتى فقدت قيمتها مما ولّد استهتارا بالمسئولية وتتفيها لحجمها، الأمر الذي شجع كل من هب ودب على التفكير في خوض غمار التجربة، دون تردد أو حسابات!، والأمر المحوري في ذلك هو غياب عنصر المساءلة والمحاسبة طيلة العقود السابقة حيث لم يتم محاسبة ومعاقبة أي مسئول برغم حجم التجاوزات الكبير والخطير مما شكل بيئة دافعة إلى استسهال كل المناصب وبالتالي الاستهانة والعبث بها وما يترتب عن ذلك من عواقب وخيمة تضر بمركز الدولة المالي والاقتصادي والسياسي.

إن محاولة مجلس النواب في اشتراط أن يتحصّل المرشح الرئاسي على تزكية من (5000) مواطن ليبي، قد تحدّ فعلا من أعداد المترشحين للرئاسة، إلا أن هذا الإجراء قياسا على الثقافة الليبية السائدة، قد يأتي بتأثيرات سلبية، حيث يمكن أن يكون عاملا يكرّس القبلية والجهوية، فيكبّل المزكّى بقيود اجتماعية قد لا يمكنه الفكاك منها لو نجح في الفوز بمنصب الرئيس، مما يعني توجيها وتحكما في الرئيس الذي ينبغي أن يكون مستقلا وبعيدا عن أية ضغوط، وهنا يكون هذا الشرط قد أتى بما لا يُؤمل.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً