الانفلات الأمني في ليبيا …. هل تقصير من الحكومة او فهم خطئ لثورة 17 فبراير؟

الانفلات الأمني في ليبيا …. هل تقصير من الحكومة او فهم خطئ لثورة 17 فبراير؟

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

من يزور ليبيا هذه الايام ولا يعرف ما يدور خلف الجدران وبعيد عن الساسة وأعين الناس، سيقول ان الامور طبيعية وان الثورة فعللا حققت رغبات الناس. لكن هذا عكس ما يحدث وعكس ما حققته الثورة من القضاء علي حكم الفرد وحكم العشيرة وحكم فئة وطبقة معينة. لقد صار الانفلات الأمني واضح ويزداد يوم بعد يوم والليبيون يموتون نتيجة هذا الانفلات في غياب حكومة قوية ووجود فهم خاطئ لنيل الحريات. الشعب الليبي عاش 42 سنة تحت هذا الحكم وممنوع عليه ان يمارس اي نوع من الحرية السياسية او الفكرية غير فكر الطاغية ولجانه الثورية. لقد تربي عقل كل ليبي علي هذا ولم يكن المواطن قادر علي التغير الذي حدث بليبيا بعد ثورة 17 فبراير. لم يكن الناس قادرين في السابق عن التعبير حتى عن انفسهم وأمام من يحكمون هذه البلاد ويسيرونها حسب شهواتهم. لقد كانت الناس تخاف الجلادين من اعوان النظام وكل حديث الناس عنهم. الناس لا تستطيع ان تخالف وتطبق وهي ساكته وغير مبالية بما يحدث. نتيجة هذا كله وبعد نجاح ثورة 17 فبراير، اصبح معنى الحريات يأخذ مفهوم خاطئ عند بعض الناس واشباه الثوار والمتسلقين والخونة وقناصي الفرص.

بعد نجاح ثورة 17 فبراير ووجود بعض الظواهر الأخرى مثل القبلية والجهوية ووجود فئة من عناصر النظام المندسين، صارت الاحداث تتولي يوم بعد يوم ووجدت الجماعات الدنية وغيرها مرتعها واخدت تسن اللوائح وتقترح الأشياء بغية السيطرة علي الشارع وجعل الدين مدخل لها لغرض اقناع الناس بأنهم حماة الاسرة والمرأة والطفل وانفسهم ولا يهمهم الوطن. ولكن يستعملون كلمة الوطن فقط اذا أرادوا كسب شعور الناس اكثر وخاصة اذا فشلوا بأقناع الناس ان غيرهم علمانيون وكفار ولا يريدون خيرا لهذا الوطن. لقد تكونت جماعات مسلحة كنا لا نقول انها ميلشيات ولكن فعلا تطورت ويصح ان نطلق عليهم ميلشيات لأن تصرفاتهم اصبحت لا تنطبق مع اهداف هذه الثورة واصبحت أهدافهم الشخصية او الجهوية او القبلية اكثر بكثير من اهداف حماية هذه الثورة ووحدة ليبيا والعمل من اجل استقرار ليبيا. تغلب علي هذه الميلشيات الطابع الجهوي والقبلي اكثر من الوطني ووجدت بعض التيارات مرتع خصب لها في هذه الميلشيات وخاصة عندما وجدت الدعم من بعض الدول الصديقة للثورة اثناء الثورة. لقد اصبح بعض قادة هذه الجماعات علي اتصال مباشر ومستمر مع هذه الدول حيث يدعمونهم بالمال والسلاح في سبيل وصول هذه المجموعة وبالأغلبية اذا امكن، الي دفة الحكم ولو على حساب القوي الوطنية الشريفة وثوار ليبيا الحقيقيون.

الانفلات الأمني اخد طابع الاستيلاء علي بعض مباني الدولة ومطاراتها وشوارعها. لقد وضعت هذه الميلشيات قوانين لها ولتصرفاتها وفرضتها علي تلك المنطقة. لقد ضاعت هيبة الدولة من خلال هذا كله ولا احد يحترم الدولة ولا يكن أي نوع من الاحترام للحكومة او المجلس. ربما يحترمون الشيخ مصطفي عبدالجليل ولكن لا يحترمون المجلس بعد ابتعاده عن الناس وتركه للحكومة الفاشلة بإدارة البلاد وايصالنا الي ما فيه الأن من انفلات امني وعدم شعور المواطن بالأمان وخاصة دخل المدن الكبيرة. لقد تكونت دوليات داخل ليبيا ولها قوة كبيرة وتفرض في نفسها بالقوة. لقد شعرت بعض المناطق الأخرى بأنها حرمت من هذا كما يزعمون وحاولت فرض نفسها كما حدث اخيرا بمطار طرابلس ومحاولة ترهونة السيطرة علي المطار بحجة اختفاء قائد لهم. بروز من ينادون بالفدرالية بشرق ليبيا بحجة التهميش والمركزية. لكن اغراضهم ليست مصلحة اهل شرق ليبيا ولكن مدفوعين من قبل جماعات او دول تريد زعزعت امن واستقرار ليبيا. ضعف الحكومة وضعف صناع القرار في بعض الوزارات جعل من هذا الانفلات الامني حقيقة واقعية من الصعب علاجها وستأخذ وقت كبير وجهد كثير حتي نصل الي بر الأمان يوما ما. كل يوم يزداد الموقف سوء وكل يوم نخسر فيه ارواح وكل يوم اعوان النظام يتقوون، واذا لم نوقف هذا فأننا سنندم يوما لآننا نمنا وتركنا هذه الميلشيات تكبر وتكبر. هذه مسؤولية الحكومة وهي لم تفعل ذلك مند البداية وكذلك مسؤولية المجلس والذي ترك الحكومة تربط حبلا حول عنقها وصار هذا الحبل لا يخنقها وانما يجعلها عمياء وغير قادرة علي اخد قرارات حاسمة ولا تري الناس او تسمع لهم.

لقد تكون حول الشيخ مصطفي عبدالجليل طوق من الأشخاص وكلهم من الإخوان وغير الإخوان. هم فئة معينة توشوش له كل يوم وتغرقه في حفرة اشر من الأخرى واخرها اعطاء الصلابي الآذن بالتفاوض مع اعوان النظام وانا متأكد انها مكيدة من مكايدات المفتنين حول الشيخ مصطفي عبدالجليل لإظهاره ضعيف امام الليبيين والليبيات وانه لا يصلح ان يكون قائد ويبعدونه عن الساحة كما يحاولون ابعاد الوطنيين والشرفاء من الليبيين والليبيات. اذا تغيب هذا الرجل فأن الانفلات الأمني سيكون اكبر وخاصة في غياب الحكومة القوية. هذه الهجمة الشرسة والتي موجهة ضد هذا الشخص انما الغرض منها هو النيل منه كما نالوا من كل الوطنيين ومن قادوا هذه الثورة ايام التحرير. هذا الرجل وطينته جعلته يضحي بكل شيء من اجل انجاح هذه الثورة ولكن البطانة والتي حوله غير بطانة صالحة حتي صار يأخذ في قرارات عشوائية وبدون الرجوع للمجلس وكذلك عدم اخد القرار الحاسم لتغير بعض وزارات هذه الحكومة.

نتمنى ان تنجح الانتخابات وتتكون حكومة من خبرات جيدة وكفاءات ممتازة مشهود لهم بالوطنية وحب خدمة هذا الوطن والشعب وايقاف هذا الانفلات الأمني. كذلك نتمنى من البطانة السيئة ان تبتعد عن الشيخ وتبتعد عن المؤتمر الوطني وعن الحكومة. هم الآن موجودون ويحاولون ايصال منتسيبهم ومن معهم الي كراسي الحكم حتي يمرروا كل اللوائح والقوانين قبل الانتخابات المقبلة. كذلك وجود الكثير من انصار النظام وهم يبثون الإشاعات وكذلك الفتن بين الناس وهم كثيرون ويجب ابعادهم لأنهم سبب كبير في دعم من يقمون ويوجهون هذا الانفلات الأمني.. علي الليبيين والليبيات الوقوف يد واحدة لأبعاد كل من يريد لليبيا شرا وخاصة ممن يلهثون ورا الكراسي ومحاولة الوصول للكراسي باي طريقة كانت وهم مفضوحين ايام الثورة والأن انفضحوا اكثر. انهم يجتهدون اشد الجهد للوصول بأكثر مجموعة للمؤتمر الوطني ولكن الناس والحمدوا لله تعرفهم وستفضحهم وهم لهم دور كبير في هذا الانفلات الامني والذي سيتغلب عليه الليبيين اذا ما اختاروا الكفاءات الجيدة والخبرات ومن لهم حرص علي امن واستقرار ووحدة ليبيا ولا يتسترون وراء الدين او ايدولوجيات اخري وخاصة القبلية والجهوية ، وذلك بتسميم الناس بهذه الافكار حتي يصلوا الي كراسي الحكم.

أمن ليبيا مهم جدا وهي في اكبر خطر الأن ولكن نجاح الانتخابات واختيار رجالات ليبيا الوطنيين ومن مشهود لهم بالنزاهة والأمانة، سيزول هذا الخطر وهم سيأخذون قرارات شجاعة وقوية تهدف الي حماية ليبيا ووضع حد لهذا الانفلات الامني. هذا يتطلب الكثير من العمل مع بعض والوقوف يد واحدة وعدم السماح لكل الأفاقين والمتسلقين والخونة من المساس بأمن واستقرار ووحدة ليبيا.

اذا وجدنا ان فهم الثورة قد اخطئ فيه من بعض الفئات ، فيجب ان يصحح هذا الفهم وهذا لن يكون سهل ويمكن تحقيقه من خلال حكومة قوية ومؤتمر وطني قوي يستطيع مع الحكومة الحفاظ علي وحدة ليبيا وامنها ووضع حد لهذا الانفلات الأمني. ليبيا ستبقي حرة وسنتغلب علي كل هذه العراقيل ومن يراهن علي الشعب الليبي ، فأنه حتما سيربح وخاصة لدينا ثوارنا الحقيقيون وهم مازالوا موجودين وهم من سيضع حد لهذه المليشيات اذا تطلب الأمر.

والله الموفق

د ناجى جمعه بركات

وزير الصحة- سابقا
المكتب التنفيذي
المجلس الوطني الانتقالي
ليبيا

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً