التقارب التركي المصري وانعكاساته على مشهد الصراع في ليبيا

التقارب التركي المصري وانعكاساته على مشهد الصراع في ليبيا

في بيان للرئاسة المصرية صدر الاثنين 29 مايو 2023م جاء فيه: “إن الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان اتفقا على  البدء الفوري في ترفيع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وتبادل السفراء، جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه السيسي مع أردوغان لتهنئته بالفوز في انتخابات الرئاسة التركية”، هذا التقارب وصفه مسؤول بالخارجية المصرية بقوله: “سعيا نحو مصالحات إقليمية شاملة كان لا بد من إعادة ترتيب الأوراق، إنه تقارب الضرورة”.

نحن في ليبيا معنيين بأي تقارب يحدث بين الدول المتدخلة في الصراع الليبي، خاصة تلك الدول التي تتعارض اجنداتها وسياساتها في دعم هذا الطرف او ذاك من اطراف الصراع، وندرك بأن أي تقارب قد ينعكس إيجابيا او سلبيا على المشهد السياسي في ليبيا، بل هناك ما هو اخطر وهو حدوث تفاهمات وتوافقات بين الدول المتدخلة في الصراع الليبي على حساب مصالح الدولة الليبية، ودون أي اعتبار لحلفاء تلك الدول من القوى السياسية الليبية سواء في شرق البلاد حيث حفتر حليف مصر، أو غربها حيث حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وقوى الثورة الداعمة له وهي حليفة تركيا، هذا التقارب التركي – المصري اليوم جاء بعد بعد توتر لسنوات طويلة في العلاقات التركية – المصرية، وكانت بداية التوتر عندما قام الجيش المصري بالإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في عام 2013م.

وقد ظهرت وفي كثير من المناسبات مؤشرات على التقارب التركي – المصري، قبل هذا الاتصال في مايو 2023م ما بين الرئيسين التركي والمصري، فقد صافح السيسي أردوغان خلال افتتاح مونديال كأس العالم لكرة القدم في قطر في نوفمبر عام 2022م، واتصل السيسي بالرئيس التركي أردوغان في أثناء زلازل تركيا في شهر فبراير 2023م  ، وفي ابريل 2023م زار  وزير الخارجية المصري سامح شكري تركيا في والتقى بوزير الخارجية  التركي مولود تشاووش أوغلو، وتم في تلك الزيارة الاتفاق إطار زمني محدد لرفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتحضير لقمة بين السيسي وأرودغان، كما صرح  تشاووش أوغلو في أبريل 2023م بأن الرئيسين ربما يلتقيان بشكل مباشر بعد الانتخابات التركية.

لا شك بأنه لكل طرف تركيا ومصر دوافعه من وراء هذا التقارب، سواء كانت دوافع سياسية أم اقتصادية، وما يهمنا نحن في ليبيا هو انعكاسات هذا التقارب على المشهد السياسي الليبي، هل ستكون انعكاسات إيجابية تدفع باتجاه الاستقرار ودعم العملية السياسية، أم ستكون سلبية؟، هل سيؤدي هذا التقارب إلى تفاهمات وتوافقات تدعم الحل السياسي في ليبيا وتدفع الفرقاء الليبيين إلى إجراء الانتخابات، أم سيكون هدف الدولتين تركيا ومصر هو التفاهم على تحقيق مصالحهما، ورسم مناطق وخرائط النفوذ على الأرض؟، بحيث تعترف تركيا لمصر بمصالحها ونفوذها في شرق ليبيا، مقابل اعتراف مصر لتركيا بمصالحها ونفوذها في غرب ليبيا، وهذا ليس مستغرباً في العلاقات بين الدول المتصارعة على المصالح والنفوذ، خاصة حين تكون القوى السياسية الوطنية في الدولة المتصارع عليها في حالة من الضعف والصراعات والانقسامات فلا تملك أن تقرر مصير وطن يتكالب عليه الأقوياء، في هذه الحالة نحن الليبيين الخاسر الأكبر نتيجة هذا التقارب.

يقول الخبير والباحث في الشأن التركي بمركز دراسات الشرق الأوسط حسام حامد معلقاً على هذا التقارب التركي – المصري، يقول: “إن هناك العديد من الملفات الساخنة التي يتعين فتحها بحرص والتوصل إلى مقاربات وحلول وسط، قائلا إن العلاقات ليست وردية كما يتصور البعض، وأشار حامد إلى أن الوضع في ليبيا والوجود التركي هناك يضيف تعقيدات إلى المشهد، معتبرا أن التوصل إلى تسويات بهذا الشأن سيأخذ وقتا طويلا، مع اشتراط توافر ما سماها نوايا حسنة حقيقية لإعادة ترتيب الأوراق على الأرض الليبية التي تشهد تجاذبات وتوترات متزايدة”.

في حين يرى الخبير في مركز المستقبل للأبحاث هاني عبد السيد: “بأن تركيا لن تحقق ما تصبو إليه في ملف العلاقات الخارجية، خاصة مع مصر، إن قدرة أنقرة على زيادة نفوذها في العالم العربي خلال الولاية الجديدة للرئيس أردوغان قد تكون محدودة، إن الدول العربية الكبرى لن تمنح تركيا هذه الفرصة، لكنه قال إن تعظيم المنافع الاقتصادية المتبادلة سيكون هو محور أي تقدم على هذا الصعيد”.

لا شك بأن الاقتصاد والمصالح الاقتصادية من أهم أسباب هذا التقارب، خاصة مع المشاكل التي يعاني الاقتصاد المصري والتي من أهمها ارتفاع ديون مصر إلى مستويات قياسية حيث تجاوز الدين العام 150 مليار دولار، وتركيا أيضا تكبدت خسائر كبيرة من جراء الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة من البلاد خاصة بعض المناطق والمدن الصناعية الهامة.

في مقالة بعنوان: “ما آفاق التعاون الاقتصادي بين مصر وتركيا بعد عودة العلاقات” تحدث الباحث المصري عبد الحافظ الصاوي عن العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا، وسلط الضوء على حقائق مهمة، يقول الصاوي: “في عام 2019م كانت قيمة التبادل التجاري بين البلدين بحدود 5.4 مليار دولار، وذلك وفق بيانات معهد الإحصاء التركي، ولكن بنهاية عام 2022م بلغت قيمة التبادل التجاري 7.1 مليار دولار، وفي الفترة من 2019م إلى 2022م كان ميزان التجارة في صالح تركيا، إذ بلغ فائض التجارة التركي مع مصر 1.6 مليار دولار في عام 2019م، ولكنه قفز إلى 2.3 مليار دولار وإلى ملياري دولار في عامي 2021م و2022م على التوالي”.

ويضيف الصاوي: “تأتي مصر في قائمة أكبر 20 دولة مستوردة للسلع التركية في عام 2022م، وقد احتلت مصر المرتبة الـ16 في هذه القائمة، بينما لا تأتي مصر ضمن قائمة أكبر 20 دولة تستورد منها تركيا، وإذا كانت قيمة التبادل التجاري بين البلدين تزيد على 7 مليارات دولار في عام 2022م فإن ذلك لا يمثل سوى ما يزيد بقليل على 5% من إجمالي تجارة مصر الخارجية التي تقترب من 130 مليار دولار في العام المالي 2021م /2022م، أما بالنسبة لتركيا، فقيمة التجارة السلعية لها مع مصر لا تمثل سوى 1.13% من إجمالي تجارتها السلعية مع دول العالم والتي بلغت 617 مليار دولار بنهاية 2022م”.

وفي تصريح لوسائل الإعلام، قال القائم بأعمال السفير التركي بالقاهرة صالح موطلو: “إن بلاده  تأمل  أن تصل قيمة التبادل التجاري مع مصر إلى 20 مليار دولار خلال السنوات المقبلة”، وقدر رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك نهاد أكينجي عدد الشركات التركية التي تعمل في النشاط الاقتصادي بمصر بحوالي 200 شركة، وباستثمارات تصل إلى ملياري دولار، وتوفر هذه الشركات آلاف فرص العمل”.

ووفق بيانات البنك المركزي المصري حول الاستثمارات التركية المباشرة في مصر، تظهر النشرة الإحصائية الشهرية: “بأن الاستثمارات التركية المباشرة بمصر بلغت 179.9 مليون دولار في عامي 2021م/2022م، مقارنة بـ137.1 مليون دولار في عامي 2020م/2021م، وهو ما يعكس زيادة قيمتها 42.8 مليون دولار بين العامين، وبنسبة زيادة تصل إلى 32% تقريبا.

ويبقى السؤال المهم هو: هل سيصمد هذا التقارب التركي – المصري أمام الاجندات السياسية المتعارضة للبلدين في ليبيا، وملفات أخرى في المنطقة العربية؟، أم إننا سنرى عودة التصعيد وتوتر العلاقات بين البلدين؟، هل سيكون الساسة الأتراك والمصريين أكثر تحرراً من تأثير خلفيات وتراكمات التاريخ وذلك الصراع على النفوذ والمصالح وقيادة المنطقة بين مصر في عهد محمد علي باشا والدولة العثمانية؟.

من المتوقع بأن هذا التقارب التركي – المصري لن يصمد طويلاً، ولا يمكن للساسة في مصر وأصحاب القرار، والخبراء الاستراتيجيين، أن ينظروا إلى الدور والنفوذ التركي في المنطقة العربية خاصة في ليبيا بعين الرضا، والأدلة على ذلك كثيرة، في يونيو عام 2019م قال الفريق محمود حجازي مسؤول اللجنة المصرية المعنية بمتابعة الملف الليبي في تصريحات صحفية: “إن تركيا تهدد المصالح المصرية في ليبيا”، كما شعر المصريون بالامتعاض وبأن مصالحهم مهددة في أثناء زيارة أردوغان إلى الخرطوم في 24  ديسمبر عام 2017م، وفي خطوة تصعيدية بث التلفزيون الرسمي المصري وقائع صلاة الجمعة وخطبة لوزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة من مسجد التوبة في مثلث حلايب المتنازع عليه بين مصر والسودان بعد أيام قليلة من زيارة أردوغان للسودان.

ويرى الكاتب محمد منصور بأن هناك مواجهة إقليمية جيوسياسية بين القاهرة وإسطنبول، تمتد ما بين جزيرة سواكن السودانية، وقاعدتي مصر البحرية والجوية في برنيس، وصولاً إلى التخوم التركية في اليونان وقبرص، لكنها مواجهة ردع وتهديد لا تتطلب مواجهة مباشرة بالنيران الحية، المواجهة الحقيقية والحاسمة ستكون غالباً على أرض ليبيا.

وتابع منصور قائلا: “الصبغة الإقليمية للصراع حول مصر لم تقتصر على التطورات الميدانية على أرضها، بل تعدتها لتصبح دول أخرى مسرحاً لهذه المبارزة التي تؤدي فيها تركيا دور البطولة، وتريد فيها حصار دور مصر الإقليمي، ولعل آخر إرهاصات هذه المبارزة، زيارة الرئيس التركي إلى السودان، وتوقيعه عشرات الاتفاقات مع حكومتها وعلى رأسها اتفاقية إستراتيجية تسمح لدولته بالتمركز في جزيرة سواكن السودانية، التي تقع على بعد نحو 350 كم من الحدود بين السودان ومصر، لتأهيلها خلال مدة زمنية غير محددة، وهو ما يسمح للأسطول التركي بالتحرك في هذه المنطقة بشكل شبه دائم، ومن ثم من الممكن اعتبار هذه الجزيرة قاعدة جديدة للجيش التركي تضاف إلى قاعدته الموجودة في العاصمة الصومالية مقديشو وقواته التي تم تعزيزها خلال الأيام الماضية في قطر”.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

محمد عمران كشادة

صحفي وباحث ليبي

اترك تعليقاً