الجزيرة، بعد اخفاق مشروعها، تلجأ للفتنة القبلية في ليبيا

الجزيرة، بعد اخفاق مشروعها، تلجأ للفتنة القبلية في ليبيا

كنا نتوقع رد الفعل الهستيري حول النتائج الأولية للإنتخابات من الجانب القطري عبر “قناتها الجزيرة”، ولكن، ما لم يكن في الحسبان هو أن تنجر “قطر” لإثارة الفتنة القبلية وفتح النار على القبائل الليبية، سواء المشاركة في الانتخابات أو ما اعتبرتها بأنها مكونة “لتحالف القوى الوطنية” والذي وصفته اجحافاً بـ “التحالف القبلي” واعتبارها قبائل مؤيدة للقذافي, وقبائل مدعومة من الغرب ويعلم الليبيون كما تعلم قطر جيداً عدم صحة ما تدعيه وبأن هذه الثورة أبدا لم تكن ثورة قبلية ولم تتحرك على أساس جهوي أو قبلي..! ولم تكن القبائل الليبية يوما عميلة للغرب وغيره..!

وان كان ثمة خلاف لا يزال قائماً هو الخلاف حول “التدخل الأجنبي” فكثيرون ممن تراجعوا ليس ولاءا للقذافي وانما رفضاً “للتدخل الأجنبي”. وصحيح أن من بين الليبيين من كان موالياً للنظام السابق وهم بالطبع من المستفيدين ولكنهم أبدا ليسوا قبائل بأسرها بل أفراد… ويعلم الليبيون جيدا بأن كثير من الأشقاء في العائلة الواحدة انقسموا ما بين مؤيد ومعارض، بل هناك كثير من العائلات توفي أبنائهم في الجانبين منهم من كان في صفوف الثوار ومنهم من قاتل في صفوف كتائب القذافي. ولن ينسى الليبيون حوادث الانتحار رفضاً للالتحاق الاجباري بكتائب القذافي في بعض المدن التي يروق لشمام وصفها بـ (المهزومة)… ولا نعتقد بأن هناك مهزوماً غير من يتبنى مثل هذا الخطاب المبتدل..!

وتلك تفاصيل مؤلمة في “البيت الليبي” لا يمكن أن تعيها قطر وجزيرتها ولا “شمامها”، انه ثمن باهض دفعه الليبيون ثمنا لحريتهم وكرامتهم ولا زالوا يعانون من آثاره المفزعة..!

وأن تتهم “الجزيرة” القبائل التي دعمت التحالف بأنها “قبائل مدعومة من الغرب” .! فهذا أسخف ما يذهب إليه العقل القطري والذي يستظل بأكبر قاعدة أمريكية في عاصمته ويتهم الليبيين بأنهم عملاء للغرب ولا يتهم أشخاصاً بل قبائل ليبية بأسرها..! وهذا آخر ما تجود به قريحة الجزيرة القطرية أما أن تكونوا اتباعاً لقطر أو أنكم خونة وتابعون للغرب..!

واننا بالطبع نتفهم أن يكون لقطر “موقف عدائي” من شخص السيد محمود جبريل أو من (تحالف القوى الوطنية الليبية) ككيان سياسي ليبي فهذا أمر طبيعي ضمن سعيها لبسط النفود السياسي والاقتصادي والايديولوجي في المنطقة ولكن لم نتوقع أن تتجرأ “قناة الجزيرة” على التهجم على مكونات المجتمع الليبي أو أي من القبائل الليبية.

والأنكى من ذلك ان تهاجم قبيلة ورفلة بأسرها مثلاً وما من سبب إلا لأن “محمود جبريل” ينتمي لتلك القبيلة وأن تدعي بأن فوز (تحالف القوى الوطنية) كان نتيجة لتعداد قبيلة “ورفلة” والتي حسب قولها تفوق المليون نسمة وبالتالي هم من كان سبب ترشح التحالف الوطني الذي يترأسه جبريل…! في الوقت الذي يعلم فيه الليبيون جيداً بأن الدوائر التي فاز فيها التحالف هي بعيدة كل البعد عن هذه القبيلة وأن اختيارات الليبيين أبدا لم تكن اختيارات قبلية وجهوية ولو كانت كذلك لكان التحالف في ذيل القائمة.

أي اسفاف تنجر إليه قطر عبر قناتها، وأي طريقة في التحليل تنتهجها هذه القناة، والتي أقل ما يقال عنها انها “سخيفة” و”هستيرية” وافلاس حقيقي نتيجة للمقامرة الانتخابية التي اقحمت انفها فيها..! وسعي محموم لاثارة النزعة القبلية والجهوية والفتنة بين ابناء الشعب الليبي الواحد.

إما أن تكون موالياً لقطر وإلا فأنت علماني ليبرالي كافر:

أرادوه ربيع عربي (اسلامي- قطري) رغم أنفه…! فإما أن تكون من بين مرشحي قطر أو تكون خارجاً عن ملة الاسلام الأمريكي-القطري الجديد الذي توزع صكوكه وتعتمده الدوحة. وأصبحت (الجزيرة) هي من يقرر صحة اسلامك من عدمه..! فكل محاولات (تحالف القوى الوطنية) واعلانهم أكثر من مرة على الملأ بأنهم ليسوا (ليبراليون) ولا ينتمون للتيار (العلماني) واعلانهم بأن الشريعة الاسلامية هي المصدر الاساسي للتشريع… ولكن، دون جدوى ..!

وتُصر الجزيرة وقطر على وصف التحالف بـ (التحالف الليبرالي والعلماني “الملحد والكافر” بتعاليم الاسلام وشرع الله) .. وسواء اضطررت لأعلان اسلامك على الملأ وأثبت براءتك من تهمة الالحاد أو لم تفعل فإن اسلامك لا تعترف به قطر طالما لم تنحني لتقبيل قدمي أمير الأمراء ويباركك شيخ القاعدة الامريكية الأب الروحي للفتح الاسلامي-القطري الجديد “يوسف القرضاوي”.. وتقبل رأسه كما فعل الغنوشي وإلا فلا اعتراف بإسلامك!

ولم نستغرب غضب بلحاج في المناضرة على القناة القطرية “ليبيا الأحرار” وتوجيهه النقد لمرشح قوى التحالف الوطني بقوله: (ليس من حقكم أن تقولوا بأن مرجعيتنا هي الاسلام) وكأن الاسلام قد أصبح ورقة انتخابية محتكرة على مرشحي الموالاة لقطر. وكل من خالف قطر فهو علماني “فاجر” وليبرالي “كافر” يسعى لإشاعة الفحشاء والمنكر بين المسلمين.

انها معايير يفرضها التغول الاعلامي القطري … قطر التي أدركت مبكراً قبل غيرها القبض على قرون الاعلام واستخدامه للنطاح والانقلابات وقيادة الملايين للشوارع كالقطعان الهائجة على غير هدى إلا “الهدي القطري”..!

وندرك بأن الذئب الاعلامي القطري الجريح لن يهدأ حتى يعد العدة للإنتقام .. فكما أطاح بجبريل ابان قيادته للمكتب التنفيذي فلن يخذله مرتزقته “من بعض النخبة الليبية المأجورة” للإطاحة بتحالفه في هذه المرة أيضاً… خصوصاً وكلنا يذكر جيدا ذلك الهجوم الشرس الذي قاده “علي الصلابي” –ونرجو ان يكون قد عاد الى رشده اليوم- على منبر الجزيرة ابان قيادة جبريل للمكتب التنفيذي وقد قدم “الصلابي” لائحة من التهم الجنائية والسياسية ضد جبريل ليس أقلها ادعاؤه حينها بأن جبريل قد عين العشرات من أقاربه سفراء في دول العالم وبأنه سرق أموال الليبيين وقد ثبت بطلان كل تلك الادعاءات فيما بعد … ولكن، بعد أن سبق السيف العدل وأسقِطَت حكومة جبريل …! ولا ندري أين غيرة الصلابي اليوم من نهب ثروات ليبيا وتنصيب اعضاء الانتقالي أنفسهم سفراء في دول العالم وكأنهم يقتسمون غنيمة بلد خلا من أهله وشعبه ولم يبقى مناضلون غيرهم وبحجة أنهم قد دفعوا ثمن بقائهم على سدة الحكم الانتقالي..!

ويبدوا أننا نعود للمربع الأول وجولة جديدة من المواجهة والحرب الاعلامية الشرسة .. والتي نرجوا أن لا تتحول الى صدام مسلح إذا ما حركت قطر القوى المسلحة التابعة لها على الأرض الليبية أو إذا ماحشرت السعودية أنفها كذلك وحركت مليشياتها الموالية لها أيضا والمؤتمرة بأمر مشائخ بلاطها..!

قطر وهستيريا الانقلابات التلفزيونية:

لماذا الجزيرة ولماذا “ليبيا الأحرار” الموجهة للشارع الليبي من الدوحة؟ وما سر الهوس القطري التلفزيوني وسر علاقة الأمير الحميمة بالتلفزيون؟ وتحويله الى قاعدة حربية لقيادة الانقلابات الناعمة..!

لعل هناك من يقفز في ذهنه التساؤل: كيف كان للأمير القطري الطموح ما لم يكن لغيره من حكام العرب من هيمنة على أقوى سلطة اعلامية في المنطقة تصول وتجول تهد عرش من تشاء وتحمي من تشاء… بل وأخيرا تدس أنفها حتى في القبور بعد أن علمنا مؤخرا بأن الجزيرة تشرف على التحقيق في مقتل “ياسر عرفات” وتود الكشف عن رفاته..!
لقد بدأت الحكاية في صيف عام 1995، وكان الشيخ خليفة قد غادر قطر الى اوروبا ولم يكن الشيخ يعلم ان حفل الوداع الذي اجري له في مطار الدوحة سيكون الاخير وان الابن حمد الذي قبل يد والده امام عدسات التلفزيون كان قد انتهى من وضع خطته للإطاحة بابيه واستلام الحكم. وفي صبيحة يوم الثلاثاء 27 يونيو عام 1995 قطع تلفزيون قطر إرساله لاعلان البيان رقم واحد وعرض التلفزيون صورا لوجهاء المشيخة وهم يقدمون البيعة للشيخ حمد خلفا لابيه وقد ثبت فيما بعد ان المشاهد التي عرضت دون صوت كانت ممنتجة ومزورة وقالت مصادر مقربة من الشيخ خليفة ان ابنه حمد وجه الدعوة الى وجهاء المشيخة وقام التلفزيون بتصويرهم وهم يسلمون عليه دون ان يكونوا على علم بما يجري ولذلك وصف ذلك الانقلاب بانه (انقلاب تلفزيوني) الفريد من نوعه تاريخيا.

لذلك فاللعبة بدت سلسة بلا عسكر ولا طائرات ولا خطط حربية .. انها الشاشة السحرية التي توصلك للعرش دون عناء..! ولذلك تنبه هذا الأمير الطموح قبل غيره من الحكام العرب أن يضع كل ثقله المالي والسياسي في هذا الوسيط السحري “التلفزيون” حتى أصبحت “قناة الجزيرة” مصباحه السحري والمارد الذي ينحني امامه أعتى الطغاة الذين تتهاوى عروشهم امامها وما لهم عليها من سبيل..!

وفي الوقت الذي يستهين فيه الجميع بسلاح الاعلام ويعتبرونه من سقط المتاع بل ومن المحرمات الموبقات يمتطي الأمير صهوة الجزيرة من أقصى المحيط إلى اقصى الخليج، ويحقق الفتوحات الواحدة بعد الأخرى ..! بينما يتشبث (ثوارنا) ببنادقهم ومدافعهم الباردة والصدئة في زمن سلاحه الاعلام (الصورة والكلمة) .. أما الرصاص فلا يجدي الآن إلا ليستقر في صدور بعضنا بعضا…! وما تشبثهم بالسلاح إلا جزء من الفوضى ومناخ عدم الثقة التي أشاعها الاعلام بين الليبيين وبين حملة السلاح وبين أية حكومة مستقبلة للبلاد لا تدين بالولاء والطاعة لقطر وجوارها.

كيف أصبح الشيخ حمد “روبسبير” الربيع العربي:

روبسبير هو الشخصية الفرنسية المعروفة الذي استطاع أن يوجه جموع الثورة الفرنسية الهائجة إلى سجن الباستيل واستطاع أن ينتزع منصب القيادة .. وبالطبع لابد لكل جموع ثائرة من أن يقفز أحد ما للمقدمة وإلا فلن تفضي الثورة إلى شيء وتظل الجموع هائمة على غير هدى… وفي “الربيع العربي” قفز حمد على صهوة جزيرته ليعلن بأنها ثورات فتح اسلامي جديد تخيل الأمير بأنه سيكون أمير أمرائها، ولم يكن غريباً بأن تستلم كل القيادات الجديدة صك اعتمادها من الدوحة، ومن بينهم مجلسنا وحكومتنا المؤقتة وكل من يخرج عن طوع الأمير فمصيره النفي والعزل أو تجريده من الصلاحيات…!

شئنا أم أبينا … لقد كان “ربيعا تلفزيونياً” بإمتياز وجد ضالته في جثة “البوعزيزي” المحترقة أمام العدسات. في الوقت الذي يرى فيه الكثيرون “عفوية” هذا الربيع – ولا سبيل بالطبع الى تحييد هذه القناعة المحفورة بأذهانهم-. ولكن، المدرك لصناعة الاعلام يعلم جيداً كيف بإمكانك أن “تصنع العفوية” وكيف أن الاعلام يُظهر ما يشاء ويتجاهل ما يشاء …! ولا أحد يستطيع أن ينكر اقدام العشرات من الشباب العربي في دول أخرى بحرق أنفسهم أمام العدسات ومنهم في المغرب والجزائر على سبيل المثال ولكن، لماذا لم يأبه بهم أحد؟

وكذلك اندلاع المظاهرات في كثير من الدول العربية ولا زالت دولهم تقوم بقمعهم وقتلهم في الشوارع مثل ما يحدث في السعودية والبحرين مثلاً ولكن لم يتطور الأمر لينظم إلى ركب ما يسمى بـ “الربيع العربي” وانتفاضة الشعوب … لأنه لا الجزيرة ولا العربية ولا القنوات البريطانية والأمريكية أعارتهم أدنى اهتمام .. فأين العفوية وحتمية ارادة الشعوب؟

الحقيقة أنه بدون الاعلام لامعنى لمليونيات التحرير … وبالاعلام أيضاً يمكن أن تعلن حتمية تقسيم ليبيا بمظاهرة من خمسة أشخاص..!

وكلنا يعلم بأن انتفاضة 17 فبراير 2011 لم تكن هي الأولى من نوعها في ليبيا أو الانتفاضة اليتيمة في ليبيا طيلة الأربعة عقود من حكم القذافي ويعلم الليبيون جميعاً كم من الشباب قد أعدموا وتم التنكيل بأهلهم وذويهم من قبل نظام القذافي وقد استكثر عليهم حتى عقوبة السجن المؤبد –والتي يعتبر محظوظاً من يحظى بها- بل كانوا يساقون الى المشانق أو رمياً بالرصاص على مرأى ومسمع كل الليبيين..! أين كانت وسائل الاعلام الحرة والمحايدة ونصيرة الشعوب المقهورة حينذاك..؟

الجزيرة والـBBC والسكاي نيوز والعربية ورفيقتهم القناة “الشيعية” الجديدة “الميادين” وغيرهم يؤدون مهام موكلة اليهم لا أكثر ولا أقل..! والمستهلك العربي ما عليه إلا أن يتربع أمام هذه الشاشات ويبتلع صاغراً كل ما تطبخه له هذه الوسائط وأن يتحرك للشارع كلما أعطوه الإشارة للنزول للشارع واحتلال الميادين وأن يحفظ جيدا كل ما يتم تلقينه من هتافات وشعارات ..! ولعل مختصي الاعلام يذكرون جيدا نظريات صناعة الرأي العام مثل نظرية “دوامة الصمت” (The spiral of silence ) للباحثة اليزابيث نويله-نويمان، ومؤلفات نعوم تشومسكي في (صناعة الاجماع) ودور وسائل الاعلام في اعادة رسم خارطة العالم.

والجزيرة بالطبع ليست وحدها من تعمل على تأجيج الفتنة القبلية في ليبيا … بل وأخيراً تسللت قناتي فرانس 24 وقناة الميادين الشيعية إلى أحياء قبائل التبو ولتقدم كل منهما شريطاً وثائقياً يستعرضان فيه ذات الموضوع وذات المحتوى وهو معاناة قبائل التبو من العنصرية العربية، وجرائم الإبادة التي يتعرضون لها وكيف أنهم هم السكان الأصليون لليبيا ويتعرضون لكل هذا الظلم والتهميش والاقصاء ..! وبغض النظر عن مدى صحة هذا الخطاب الاعلامي ومدى صحة هذه الادعاءات ولكن أليس من الاحرى أن يكون اعلامنا الليبي المحلي هو من يتطرق لمثل هذه القضايا؟ ألا يوجد في ليبيا مسؤولون اعلاميون يوقفون هذه القنوات عند حدها وأن لا يسمحوا لهم بإثارة هذه الفتن بين أهل ليبيا الواحدة؟ أليس هناك من حكومة تطرد هؤلاء الجواسيس الذين يريدون أن يشعلوها حرباً أهلية بين أبناء ليبيا بكل مكوناتهم ..!

أليس هناك من سلطة توقف هذه الذئاب الاعلامية الشرسة التي تنهش جسد ليبيا .. وتمزقه ارباً أمام أنظارنا؟

مرة أخرى .. انها دعوة لمراقبة ما نبتلعه من الجزيرة أو غيرها من قنوات الخليج الموجهة بلا استثناء وأيضاً كثير من قنواتنا ممن يديرها اعلاميون “مرتزقة” من أبناء وطننا… ولكن مصالحهم واطماعهم الشخصية أعمتهم عن مصلحة ليبيا وأمنها واستقرارها.. والله أحياناً نشعر بأن الشعب الليبي بات وحيداً ومحاصراً أمام آلة الحرب الاعلامية العربية والاجنبية وحتى المحلية توزعت ما بين قنوات جهوية وعنصرية لا تحكمها إلا النزعة (الشوفينية) المناطقية أو قنوات لا تهما إلا شؤون جماعتها الحزبية والوصول الى سدة الحكم بأي ثمن …!

ولكن، نظل نعوّل على الاعلاميين الشرفاء وعلى المواطن ووعيه ولا ننتظر الكثير من النخبة المنشغلة بالغنائم وشؤونها…!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً