الحرب الأوكرانية وسياسة حافة الهاوية

الحرب الأوكرانية وسياسة حافة الهاوية

فاضل بن عاشور

دبلوماسي ليبي متقاعد

تصعيد الترسانة العسكرية الروسية هجماتها الشرسة ضد المدن الرئيسية والأهداف الحيوية والتجمعات السكانية في أنحاء أوكرانيا واللجوء إلى كل الوسائل المتاحة بما في ذلك التلويح بأسلحة الدمار الشامل إنما هو أداة من أدوات سياسة حافة الهاوية التي لجأ إليها بوتين لممارسة أقصى قدر من الضغوط على الرئيس بايدن وعلى الناتو، وقد استغل في ذلك تردد ومخاوف بايدن والناتو من المواجهة المباشرة التي قد تفضي إلى حرب عالمية ثالثة.  

سياسة حافة الهاوية سلاح ذو حدين، فقد تنجح روسيا من خلالها في الحصول على تنازلات سياسية تضمن لها تحقيق بعض أهدافها السياسية لاسيما ما يتعلق بحياد أوكرانيا وعدم انضمامها للناتو وقد تصل إلى نزع بعض أسلحتها الاستراتيجية، ولكن المخاوف تظل قائمة من عدم التحكم الروسي في ضبط إيقاع تلك السياسة أو التهور في استخدامها باللجوء إلى السلاح البيولوجي أو الكيماوي، فإن قواعد اللعبة ستتغير، وطبقا للتصريحات الأمريكية فإن الناتو والحلفاء لن يقفوا مكتوفي الأيدي.

ديناميكية حلف الناتو

يتسم حلف الناتو بالديناميكية فقد تمدد في ثلاثة قارات، ولا يزال دائم التمدد وقابل للتوسع، ومنذ نهاية الحرب الباردة لم يتوقف عن التمدد ليضم في عضويته غالبية دول أوروبا، وقد شكل ذلك ضمن عقيدة بوتين، تهديدا للأمن القومي الروسي خاصة عندما تعلق الأمر بما سمي سياسة توسع الناتو شرقا ليلامس الجوار الإقليمي والمجال الحيوي لروسيا الاتحادية، ولقد تعرض حلف الناتو خلال تاريخه إلى تحديات خطيرة، أبرزها الانسحاب العسكري لفرنسا بزعامة الرئيس ديغول من الحلف، وآخرها تقليل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أهمية الحلف والتهديد بوقف الدعم الأمريكي عنه في حالة عدم زيادة مساهمات الدول الأعضاء، وتهديدات الرئيس الفرنسي ماكرون الذي وصف الحلف بأنه في حالة موت دماغي ودعوته إلى تشكيل جيش أوروبي.

حائط برلين الجديد

رغم أن طلب انضمام أوكرانيا للناتو لقى معارضة شديدة داخل الحلف، وأن قبول عضويتها فيه يكاد يكون من المستحيلات على المديين القريب والمتوسط، إلا أن تطلع النخبة السياسية في أوكرانيا نحو الغرب الأوروبي والأطلسي قد اعتبرت من جانب بوتين سياسة عدائية تحمل في طياتها  تهديدا خطيرا للأمن القومي الروسي.

يعتبر بوتين أوكرانيا في قلب المجال الحيوي التاريخي والعمق الثقافي والديني لروسيا، وقد جعل على رأس سلم أولوياته الاستراتيجية ضمان عدم تحولها إلى قاعدة لحلف الناتو أو ساحة للنفوذ الغربي، ويمكن القول إن بوتين في سبيل تحقيق أهدافه وأطماعه التوسعية في أوكرانيا التي يعتبرها كيان مصطنع وشعبها جزء من الأمة الروسية، فإنه تلاعب بحقائق التاريخ والجغرافيا والقانون الدولي من أجل جعل أوكرانيا إقليم محايد منزوع السلاح يفصل بين روسيا وحدود الناتو.

سلاح الغاز والنفط

استخدام الغاز والنفط كسلاح برز بشكل غير مسبوق في الحرب الأوكرانية، منذ استخدام النفط العربي كسلاح في سبعينيات القرن الماضي، مع الفارق.

محاولات الدبلوماسية الأمريكية فرض حظر أوروبي على صادرات روسيا من النفط والغاز على غرار الحظر الذي فرضته، وقفت في طريقه تحديات فنية وجيوسياسية، أولها مخاوف أوروبا من عدم توفر بدائل لإمدادات النفط والغاز الروسي التي يتراوح اعتمادها على الإمدادات الروسية بنسب متفاوتة قد تصل إلى أكثر من 50% لدى بعضها، وعدم قدرة السوق العالمي لتغطية العجز في حالة الاستغناء عن الإمددات الروسية، كما أن مساعي الولايات المتحدة لزيادة إنتاج النفط في السوق العالمية بإغراق السوق للتقليل من ارتفاع أسعار النفط لمنع استفادة الاقتصاد الروسي من عائدات ارتفاع أسعاره، باءت بالفشل.

لقد أخفقت في الضغط على السعودية والإمارات وفنزويلا لزيادة الإنتاج، فقد تحججت السعودية والإمارات بارتباطها بعقود طويلة الأجل، وارتباط السعودية والإمارات بحصص الإنتاج طبقا لاتفاق منظمة أوبك بلاس، فيما يبدو أنه بوادر توجه جديد للسياسة الخارجية للدولتين النفطيتين نحو الدب الروسي قد يكون نتيجة رد فعل لسياسة بايدن نحو المنطقة لاسيما عودته إلى الاتفاق النووي الإيراني ومنحه قطر صفة الحليف الرئيسي، وباعتبار أن روسيا حليف يمكن الاعتماد عليه.

تسهيل وتيرة التقدم في مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني قد تم تفسيرها ضمن سياق المساعي الأمريكية للحصول على مصادر بديلة للنفط والغاز الروسي، والتي من شأنها المساهمة في زيادة الإنتاج في السوق العالمي بما يُحقق تخفيضا في الاسعار.

الأوليغارشية الروسية

مصادرة أصول وممتلكات وتجميد أرصدة وحسابات مليارديرات الأوليغارشية الروسية المقربين للرئيس بوتين وأعضاء في مجلس الدوما المنتشرين خاصة في أوروبا والأمريكتين والذين هم بمثابة الصندوق المالي الأسود للرئيس بوتين، يعد من الإجراءات الجديدة الجريئة التي شملتها سياسة المقاطعة والحصار الاقتصادي إلى جانب كيانات روسية أخرى مثل شركات الطيران والبنوك وغيرها.

من بين أهداف الحظر والمقاطعة:

  • إلحاق أكبر قدر من الضرر بالاقتصاد الروسي وبقدرات روسيا العسكرية
  • عزلة روسيا وتراجع دورها الجيوسياسي في العالم
  • وقف التمدد الروسي العسكري خارج حدود روسيا الاتحادية
  • انكفاء روسيا على الداخل لترميم الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الروسي والقطاع العسكري

المرتزقة والمقاتلون الأجانب

دخول المقاتلون الأجانب المرتزقة في الحرب إلى جانب القوات الروسية يعد مؤشرا على حجم الخسائر البشرية التي تكبدتها  القوات الروسية.

إمكانية استعانة روسيا بـ16 الف مقاتل “متطوع شرق اوسطي” كما صرح بوتن – من سوريا ودول اخرى قد يكون من بينها ليبيا – قد تكون له آثار عسكرية وجيوسياسية محتملة من أهمها تخفيف الضغط على الجبهة الداخلية وتقليل الخسائر البشرية للقوات الروسية، وتوسيع النطاق الجغرافي للمشاركين في غزو أوكرانيا، وقد تجعل من ليبيا مركزا لتجميع مرتزقة روسيا من الفاغنر وغيرهم المتواجدين في إفريقيا، ومن ثم اعادة نشرهم ونقلهم إلى أوكرانيا، وطبقا لوزارة الدفاع الأوكرانية في خبر نقلته فضائية الحرة (صوت أميركا) فقد تعهد الجنرال الليبي حفتر في زيارة لموسكو بتزويد موسكو بمتطوعين ليبيين.

موقف الصين، ودول أخرى

رغم أن الصين لم تتخد حتى الآن موقفا مؤيدا أو معارضا بشكل علني ورسمي للحرب إلا أن احتمالات انحياز الصين إلى روسيا الذي يشكل فارقا كبيرا، يظل قائما إلى حين اثبات عكس ذلك.

إلى جانب الصين تظل مواقف بعض الدول مثل الهند وكوريا الشمالية مصدر قلق للولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بحظر استيراد النفط والغاز الروسي والمساعدات العسكرية واللوجستية، وقد دفعت تلك المخاوف الرئيس بايدن إلى محاولة تحييد الصين في مباحثات مباشرة مع الرئيس الصيني، وإبداء قلقه من موقف الهند المحايد.

متغيرات إقليمية ودولية محتملة:

  • إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية لأوكرانيا فيما بعد الحرب
  • تراجع موسكو عن تحقيق كامل أهدافها من الحرب
  • تعزيز الوجود العسكري للناتو ودوره على حدوده الشرقية وتقوية جناحه الشرقي
  • تقليل الاعتماد على واردات النفط والغاز الروسي ضمن إستراتيجية الطاقة للاتحاد الأوروبي
  • تعزيز قدرات الاتحاد الاوروبي العسكرية الدفاعية

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

فاضل بن عاشور

دبلوماسي ليبي متقاعد

اترك تعليقاً