على ماذا يُراهن حكام العرب؟

على ماذا يُراهن حكام العرب؟

فاضل بن عاشور

دبلوماسي ليبي متقاعد

يمثل موقف دول الخليج خاصة السعودية والإمارات من حرب روسيا على أوكرانيا نقلة نوعية في سياستها الخارجية ونقطة تحول في توجهات هذه السياسة التي اتسمت طيلة العقود الماضية بارتباطها الوثيق بالسياسة الخارجية والاستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة الامريكية.

هذا، ويرى العديد من الكتاب والمؤرخين أن منطقة الخليج وشبه الجزيرة قد انتقلت من سياسة التبعية الكاملة لبريطانيا العظمى التي عاشتها المنطقة لعقود طويلة وتواصلت حتى العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، إلى سياسة التبعية الكاملة للولايات المتحدة الامريكية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث الاكتشافات والصادرات النفطية بكميات تجارية، وقد أصبحت كبريات الشركات الامريكية والغربية اللاعب الرئيس في المنطقة، وأصبحت شركة أرامكو من أقوى الاحتكارات النفطية في العالم، وقد تغلبت الشركات الاحتكارية الأمريكية بمساندة من الحكومة الأمريكية على نفوذ الاحتكارات النفطية البريطانية، وأصبحت المنطقة شبه مستعمرة اقتصادية أمريكية بعد أن كانت مجموعة محميات بريطانية.

كما يرى هؤلاء أن التبعية الأمنية للولايات المتحدة الامريكية قد عبر عنها الرئيس الأمريكي روزفلت عام 1943 في رسالة إلى الكونجرس بالقول “الدفاع عن السعودية ذو أهمية حيوية للولايات المتحدة “، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت المملكة السعودية مشمولة بحماية المظلة الامريكية. وتكاد تكون قاعدة الظهران الجوية العسكرية الأمريكية أول قاعدة أمريكية في منطقة الخليج وشبه الجزيرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتبعتها قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية وغيرها في أنحاء أخرى من المنطقة، مبدأ ايزنهاور عام 1957 الذي نص ضمن جملة أهداف، على حق ارسال القوات المسلحة الامريكية لرد العدوان المسلح من قبل الشيوعية العالمية، قد شمل المنطقة وخاصة السعودية ضمن الحكومات الموالية لواشنطن في الشرق الأوسط.

السؤال: كيف ينسجم هذا التحول المفاجئ، مع التاريخ الطويل من العلاقات الوثيقة التي وصفت بانها علاقات شراكة استراتيجية بين دول المنطقة مع الولايات المتحدة الامريكية والغرب؟ وهل يمكن بسهولة ان يتم تفكيك عقود من الشراكة الاستراتيجية والمصالح المتشابكة بين الطرفين؟.

قد يقول قائل إن هذا التحول قد جاء بناء على (المصالح المتبادلة والمشتركة التي ربطت دول الخليج مؤخرا مع روسيا واعتبارها شريك موثوق يدافع عن حلفائه ويقف معهم وقت الازمات كما حدث لسوريا وغيرها، بعكس الولايات المتحدة التي تخلت عن حلفائها وشركائها في مناسبات عديدة على مر العقود الماضية)، ولم يكن هذا التحول وليد اللحظة الراهنة وإنما هو تغير تدريجي وليد جملة تطورات في العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة الامريكية، وإن بدا واضحا للعيان في الحرب الأوكرانية وتداعياتها على أمن الطاقة بالدرجة الأولى.

لقد اتصفت العلاقات الخليجية الأمريكية طيلة العقود الماضية وحتى وقتنا الراهن بانها شراكة استراتيجية ولكنها وصفت من جانب اخر بانها علاقة تبعية وهيمنة أمريكية على الموارد النفطية والسياسات النفطية لدول الخليج بما في ذلك تحديد أسعار برميل البترول وكميات الإنتاج، كما انعكست هذه العلاقة في مرحلة سابقة على مواقف هذه الدول داخل منظمة الدول المصدرة للنفط بما يخدم المصالح الأمريكية.

وكانت دول الخليج قد حافظت طيلة مرحلة الحرب الباردة على الالتزام بكل السياسات والمواقف الصادرة عن المعسكر الرأسمالي الغربي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية وحلف شمال الأطلسي في مواجهة المعسكر الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، وتزعمت دعوة الجهاد في حرب أفغانستان لتحريرها من الاحتلال الشيوعي السوفيتي.

وتواصلت علاقة دول الخليج وشبه الجزيرة بالولايات المتحدة الأمريكية من خلال اشراك هذه الدول في حروب الخليج خاصة ضد العراق التي جلبت التواجد العسكري الغربي إلى شبه الجزيرة، والاحتلال الأمريكي للعراق، والاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين، وجعل العراق ساحة للنفوذ الإيراني، وصولا الى التحالف الدولي العربي ضد النظام السوري الذي جعل من سوريا تابعا لإيران، وكذلك التحالف الدولي بقيادة السعودية في اليمن الذي شكل مصدر استنزاف رئيسي للعائدات النفطية الخليجية وخاصة السعودية وفتح باب اليمن على مصراعيه للنفوذ والتدخل الإيراني.

لقد شهدت العلاقات الخليجية أوج قمتها أثناء فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي حظيت بزخم غير مسبوق من خلال ما يمكن وصفه بتزاوج صفقات البترودولار الخليجي والسلاح الأمريكي، والتي تمخضت عن “المعاهدة التاريخية” معاهدة إبراهام التي عبدت طريق الكيان الصهيوني الى منطقة الخليج وما حولها.

لكن الرئيس الأمريكي بايدن الذي تعهد في حملته الانتخابية بمراجعة العلاقات الخارجية لبلاده مع حكام الخليج ووضع حد للتجاوزات السابقة بما في ذلك انتهاكات حقوق الانسان، لم يجعل المنطقة ضمن أولوياته ولم يف بتعهداته الانتخابية، وقد يكون ذلك نتيجة انخراط بعض حكامها في معاهدة ابراهام وضغوطات اللوبي الإسرائيلي والخليجي في واشنطن وتل ابيب، ورغم ذلك فقد شهدت الشهور الأولى من فترة رئاسة بايدن حالة من القلق والترقب والرعب لدى حكام المنطقة ومخاوف من توجهات السياسية الخارجية الجديدة حيال عرب الخليج وباقي حكام المنطقة خاصة وأن الرئيس بايدن قد أبدى عدم ترحيبه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على خلفية جريمة اغتيال الصحفي المعارض السعودي خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا.

وجهت للرئيس بايدن من بعض أعضاء الحزب الجمهوري في الكونجرس ومن بعض مراكز الفكر في واشنطن انتقادات حادة بأنه ضعيف وأن ضعف الرئيس الأمريكي قد شجع الرئيس بوتين على غزو أوكرانيا، هذا القول قد ينطبق أيضا على دول الخليج وبعض الحكومات الأخرى في المنطقة وعلى رأسها مصر والسودان التي شجعها ضعف الرئيس بايدن على اتخاذ مواقف تتعارض مع المصالح الأمريكية والغربية رغم ارتباطات هذه الحكومات بالغرب.

يبدو أن كثيرا من الدول التي لم تعارض الغزو الروسي لأوكرانيا في المنطقة تقيم علاقات بشكل او باخر مع شركة المرتزقة الروسية فاغنر مثل السودان والامارات وسوريا وبعض الدول الافريقية التي تستعين بالمرتزقة الروس في صراعاتها وحروبها الاهلية.

ارتباط بعض حكام الخليج بعلاقات مميزة مع الكيان الصهيوني من خلال سلسلة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الثنائية والزيارات المتبادلة قد اعتبرت من جانيهم بمثابة مظلة الحماية الضامن لهم ضد أي ردود فعل أمريكية.

رغم ذلك فقد لعبت هذه الدول خاصة الامارات وقطر دورا بارزا في كسب ثقة إدارة الرئيس بايدن أثناء الانسحاب الكارثي للقوات الأمريكية من أفغانستان، وقد شكل هذا الدور عاملا رئيسيا في إضفاء موجة جديدة من الدفء على العلاقات الأمريكية الخليجية.

عودة الاتفاق النووي الإيراني الى سطح الاحداث الدولية من خلال طاولة مفاوضات فيينا، وقد حظي لدى إدارة بايدن بأولوية قصوى، يعد الشغل الشاغل المشترك لدى حكام الخليج وحكام تل ابيب وهو ما دفعهم الى مزيد من تكثيف الجهود المشتركة للضغط على إدارة الرئيس الأمريكي بهدف افشال مفاوضات فيينا ( اجتماع النقب وزراء خارجية دول الخليج ومصر مع وزير الخارجية الإسرائيلي).

في هذا السياق يمكن الإشارة إلى أن محورا جيوسياسيا قد بدأ يتشكل في الشرق الأوسط على شكل مثلث راسه مصر وقاعدته دول الخليج وقلبه إسرائيل، ويجمع السودان وشرق ليبيا وبعض الأطراف الأخرى، يهدف إلى إعادة النظر في خارطة تحالفاته الإقليمية والدولية يستبدل المظلة الأمنية الإسرائيلية الروسية بالمظلة الامريكية غير الموثوقة في مواجهة التحديات الإقليمية وعلى رأسها الخطر الإيراني، ومن جانب آخر فقد يفهم من ذلك أن قراءة جديدة للمتغيرات الإقليمية والدولية قد دفعت بحكام هذه الدول إلى إعادة صياغة مفهوم جديد أو التوصل الى صيغة مشتركة لأمنهم الوطني و”للأمن القومي العربي” بما يخدم مصالح هؤلاء الحكام ويُحقق طموحاتهم.

إلى جانب ذلك يمكن القول إن عدم إدانة العدوان والاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا وعدم الاستجابة للطلب الأمريكي والغربي بتعويض إمدادات الغاز الروسي لأوروبا وزيادة ضخ النفط في السوق العالمي لتخفيض أسعاره، إنما هو رسالة قوية وورقة ضغط على الإدارة الأمريكية من جهة وكسب ود ورضا روسيا من جهة أخرى.

محاولة إضفاء الطابع الإقليمي على موقف السعودية والإمارات ومصر من خلال جر مجموعة الدول العربية والإيعاز إلى الجامعة العربية بتبني موقف الحياد بشان العدوان العسكري على أوكرانيا إنما هو خطوة في نفس الاتجاه.

السؤال : هل تحالفات الحكام العرب ورهاناتهم تخدم مصلحة شعوبنا؟.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

فاضل بن عاشور

دبلوماسي ليبي متقاعد

اترك تعليقاً