الحرية الأكاديمية في الجامعات الليبية: قضية منسية

الحرية الأكاديمية في الجامعات الليبية: قضية منسية

يلاحظ المتتبع للبحوث العلمية التي تتم في مستوى الدراسات العليا للماجستير والدكتوراه وكذلك المؤتمرات العلمية في الجامعات الليبية عدم وجود بحث واحد يتناول مسألة الحرية الاكاديمية للأستاذ الجامعي الليبي وتأثير ذلك على إبداعه الفكري والعلمي، وحرية أدائه المهني. ودرجة إسهامه في الحراك الاجتماعي سواء قبل ثورة 17 فبراير وما بعدها.  هذا في الوقت الذي يجد فيه المرء عددا كبيرا من بحوث الماجستير والدكتوراه والمؤتمرات العلمية تتناول موضوعات أشبعت بحثا لدرجة التكرار الممل.

وقبل الخوض في مسألة العزوف عن دراسة ظاهرة الحرية الاكاديمية في الجامعات الليبية وأبعادها يلزم التوضيح بأن الحرية الاكاديمية للأستاذ الجامعي هي من الأمور التي تتصل بحرية الفكر، والاعتقاد، والتعبير عن الرأي، والممارسة غير المقيدة في التفاعل الاجتماعي والتي تضمنتها القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الانسان.  وهذا يعني أن الحرية الأكاديمية في الجامعات هي جزء من كل يتصل بمستوى تمتع المواطنين بهذه الحريات في الحياة العامة. أي أن هناك علاقة طردية بين الحرية العامة للمواطنين والحرية الأكاديمية في الابداع والبحث العلمي في الجامعات.  فكلما زادت الحرية الفردية للمواطنين من حيث المشاركة بالفكر والرأي في مجالات الشأن العام السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية زادت الحرية الأكاديمية للأستاذ الجامعي والعكس كذلك.

وبناء على هذه المعطيات فإنه يمكن القول بأن المجتمع الليبي الذي عاش 42 عاما (1969-2011م) تحت حكم معمر القذافي والذي قمع حرية المواطنين في المشاركة والتعبير والاعتقاد في الشأن العام قد قيّدت معها الحرية الاكاديمية للأستاذ الجامعي الليبي.  وهكذا صار الاستاذ الجامعي مجرد حرفي يقوم بتوصيل المعلومات المنهجية التي يحتويها المقرر الدراسي الذي تم تكليفه بتعليمه للطلاب.  ولما كانت فترة هيمنة النظام السياسي القذافي على الفكر والتعبير والاعتقاد والممارسة في الحياة الاجتماعية طويلة زمنيا فقد تماهى الاساتذة الجامعيون مع ذلك بالتدريج حتى أنهم نسوا حقهم في الحرية الأكاديمية بكل أبعادها الابداعية العلمية والانسانية والثقافية الى درجة أنهم لم يعودوا يشعرون بهذا الحق حتى بعد ثورة 17 فبراير.

وقد أدّت سيادة هذه النفسية السلبية لدى الأساتذة الليبيين الجامعيين في العهد القذافي إلى جعلهم راضين دائما بأن يكونوا تابعين لا متبوعين، متأثرين لا مؤثرين، مقلدين غير مبادرين، مستمعين غير محدثين، ومتفرجين غير مشاركين. وهو ما ظهر واضحا جليا اثناء ثورة 17 فبراير 2011م وما بعدها حيث أنك تكاد لا تجد لهم في الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي داخل البلاد ذكرا.  وربما تكون هي نفس السلبية التي جعلت أساتذة وطلبة الدراسات العليا في الجامعات الليبية حتى بعد نجاح ثورة 17 فبراير لا يتناولون موضوع الحرية الأكاديمية للأستاذ الجامعي الليبي وإخضاعها للبحث والتحليل العلمي كظاهرة حياتية ومهنية وحقوقية وانسانية تؤثر على عمل وانتاجية شريحة يعتبرها الشعب الليبي من بين أهم قطاعاته الرائدة لإنجاز تحولاته الديموقراطية والاجتماعية والتنموية.

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عثمان زوبي

كاتب ليبي.

اترك تعليقاً