الخروج المتفق عليه.. ضمان للحل السياسي في ليبيا

الخروج المتفق عليه.. ضمان للحل السياسي في ليبيا

حالة الجمود السياسي التي تعيشها ليبيا لاشك أنها من صنع الأجسام الحاكمة نظرياً، والمتصارعة في واقع الحال، ظاهره صراع حول السلطة والصلاحيات، وباطنه تطاحن من أجل المقدرات والنفود والبقاء، ونتائجه أوصلت البلاد إلى حالة إنعدام للإستقرار السياسي والأمني، وأضاعت المصالح واستنزفت المقدرات، وترعرعت في كنفه مظاهر الفساد والفوضى وفشل المؤسسات.

كل هذه الأجسام أضحت منقوصة المشروعية، وصار لزاماً العودة لأصحاب المصلحة مرة أخرى، واتاحة الفرصة للشعب  ليختار من يمثله في الأجسام التشريعية والتنفيذية.

لكن أزمة انعدام الثقة بين كل هذه الأطراف المتصارعة خلقت معضلة حقيقية في من يخرج أولاً وكيف يخرج؟ وما الضمانات لمن يخرج أولاً ولمن ينتظر؟ وما هي شروط انتظاره؟.

مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي والحكومة حتماً لا تريد الخروج من المشهد السياسي، ولو قدر وقبلت الخروج فلن تخرج إلا بضمانات قوية على باقي الأطراف.

وضاعت أحلام الشعب – الطامح في التغيير – بسبب تعنت هذه الأطراف، وتاهت الناس في خضم تتناحر فيه رؤى وتوجهات أجسام عاجزة عن إيجاد توافق كافي على آلية واضحة تسلم فيها السلطة. وتخرج بنا من نفق هذه الأزمة والانسداد السياسي، إلى حل مقبول، وواقع أفضل.

بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برئاسة السيد عبد الله باتيلي اقترحت عقد اجتماع بين الأطراف السياسية حول طاولة مستديرة، بهدف التوصل إلى توافق حول القوانين الانتخابية، وإبداء حسن النية لبدء حوار سياسي جديد، يفضي لانتخابات تشريعية ورئاسية، وهذا ما لا أتصور أنه سيحصل، وإن حصل فسيكون نتيجته ذات نتائج المحاولات السابقة التي أضاعت فيها رئاستي النواب والدولة الوقت بلا طائل على أمل توافق لم ينجز بعد.

إن أي حديث أو جهد لا ينصب على خروج كافة هذه الأطراف هو مضيعة للوقت وجري وراء حلم لن يتحقق.

لذا قد يكون من الأفضل والأكثر فعالية لحل الأزمة السياسية في ليبيا، تبني بعثة الأمم للدعم مبدأ “الخروج المتفق عليه”، وصياغة مبادرة  محددة الآجال ومرتبة بشكل توافقي وبشروط واضحة وضمانات موثوقة ورعاية أممية، مبادرة حقيقية تستند إلى فكرة أن الأطراف السياسية لن تخرج من المشهد السياسي إلا تحت الضغط وبضمانات، ومنها ضمان تأكدها من كف يد كافة الأطراف وخروجها بلا استثناء، وأن التفاوض مع هذه الأطراف في أي أمور لها علاقة بمستقبل ليبيا أو بالأطراف الأخرى هو استمرار للدوران في حلقة مفرغة دون اي نتيجة، إذ أن التفاوض الآن يجب أن يتركز فقط على تصور كل طرف على حدة لآلية خروجه من المشهد وفق مبدأ “الخروج المتفق عليه”، وترك الأمر لليبيين لاستكمال التوافق – في مسار واسع المشاركة – من أجل المرور إلى مرحلة سياسية جديدة، تخلف هذه الأجسام.

إن الحل السياسي الحقيقي للأزمة الليبية يجب أن:

•  يأخذ في الاعتبار مخاوف الأطراف السياسية، مما يجعلها أكثر استعداداً للتعاون.

• يصاغ في اتفاق سياسي، يتضمن الشروط والظروف والضمانات التي تناسب كل طرف.

•  يضمن الاستقرار السياسي في ليبيا بعد خروج الأطراف السياسية من المشهد.

ولكي يكون “الخروج المتفق عليه” حلاً فعالاً للأزمة السياسية في ليبيا، يجب أن يتضمن عدة شروط، منها:

• جميع الأطراف السياسية يجب أن توافق على الخروج من المشهد السياسي بشكل متفق عليه، وأن لا يحاول أي طرف فرض خروج الأطراف الأخرى بالقوة أو يسعى ليبقى هو دون الجميع.

• يجب أن تحدد الشروط والظروف والضمانات التي يخرج بها كل طرف من المشهد السياسي، بما في ذلك ضمان خروج آمن، وضمان حق أعضائه في المشاركة السياسية العادلة في المستقبل.

• يجب أن تحدد آلية توافقية مرتبة ومحددة الآجال لخروج الأطراف السياسية من المشهد السياسي، بما في ذلك الجدول الزمني للخروج، وترتيب خروج الأطراف المختلفة، وضمان تنفيذ الشروط والضمانات المتفق عليها.

• يجب أن تتعهد الدول المساهمة في العملية السياسية الليبية بضمان تنفيذ الشروط والضمانات المتفق عليها، بما في ذلك رعاية مسار الاتفاق بين الأطراف السياسية خلال المفاوضات، وتقديم الدعم الفني واللوجستي للأطراف السياسية، وضمان الاستقرار السياسي في ليبيا بعد خروج الأطراف السياسية من المشهد.

• يجب أن يستند “الخروج المتفق عليه” إلى اتفاق سياسي جديد معتمد من قبل مجلس الأمن الدولي، بحيث يكون هذا الاتفاق هو الإطار القانوني والشرعي للخروج المتفق عليه.

أعتقد أن “الخروج المتفق عليه” هو مبدأ لحل سياسي فعال يمكن الإعتماد عليه لحل الأزمة السياسية في ليبيا، وقد يكون اعتماد هذا المبدأ هو السبيل الوحيد للخروج من حالة الجمود السياسي التي تعيشها البلاد منذ سنوات.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

رمضان معيتيق

كاتب صحفي

اترك تعليقاً