الصف الثالث.. الصف الثابت

الصف الثالث.. الصف الثابت

تنامى في ليبيا الاصطفاف السياسي وعلقت البلد داخل نفق المراحل الانتقالية البائسة المتعاقبة، وعاد شبح الانقسام المؤسسي، وتزايد العجز الحكومي عن توفير الخدمات الأساسية بشكل عادل لكل المواطنين في ليبيا، وعصفت بنا أزمات متعاقبة طحن رحاها كاهل المواطنين وأثرى منها الفاسدين المتنفذين، وأدار رحاها -على ظهور الشعب- ثلة من الساسة الطامحين المتهورين، وعسكر ومسلحين مجرمين، وأصحاب مناصب لا ضمير لهم، رهنوا من أجل أوهامهم بلد بحاله بين ضياع استقراره وأمنه وبين ضياع سيادته ومقدراته، حتى صار وضع ليبيا اليوم ليس على حافة انهيار استقرارها ووحدتها فحسب؛ بل صار يُهدد وجودها كدولة من الأساس، وسط دول متربصة تتحين الفرص لاقتناص غنيمتها من سقوط دولتنا، التي لم تفق بعد من رقدتها.

مع كل الحسرة تحولت القوى الوطنية بكل ميولاتها وانتمائاتها؛ من قوى فاعلة واعية وقادرة؛ إلى جمهور من المتفرجين الصامتين على حلبة الصراع السياسي القذر، صرنا نصفق بصمت على صفين يقودان البلاد لنهايتها، وننتظر بكل بلاهة نتائج تداول الأمم بصغيرها وكبيرها على مصير أمتنا، لنتخذ توصياتها شرعة ومنهاجا لتمزيق ما تبقى من أوصال الوطن.

هل من وقت أحق من هذا الوقت لخروج الصامتين عن صمتهم؟ وتحرك كل من له غيرة على وطنه وفي عقله شيء من وعي بما يفيد قيامه من سقطته، وفي قلبه بقية من أمل لبناء دولته بعد طول انتظار؟! متى سيقف بين الصفين صف ثالث؟ صف ثابت؟! لا يهمه من أي مدينة أو من أي قبيلة كان، ولا يهم لسانه ولا لونه ولا حتى كيف يفكر، طالما أنه يفكر في ليبيا واحدة ودولة عدل لنا جميعا.

لقد تأخر الوقت لهذا الصف الوطني أن يظهر  ويعمل ويبادر، ويحمل الإرادة الشعبية للخروج من كل الأزمات المفتعلة، ويفك ارتهان وطن تتقاذفه مصالح الطامحين ومطامع المتربصين. الفرص تضيع وعداد ساعات الوطن يوشك أن يدوي بلحظة اللارجوع، وحينها لن نجد حتى الفرصة لنبكي على وطن أضعناه، ولا ثمة حتى أجيال ليبية مقبلة لتلعننا، وإن ذكرنا التاريخ يوما فلن يذكر إلا أضحوكة سخرت منها الأمم ثم آلت للزوال.

لننهض طالما هناك فرصة للنهوض، لنتناسى خلافاتنا وصراعاتنا وثاراتنا وأحقادنا، فإن نجحنا سنجد لاحقاً الفرصة لتسويتها او حتى اجترارها.

لنقف لوطن أكبر من كل الشخوص والاسماء والمناصب، لنبني نظام ليس حكرا لفرد ولا عائلة ولا قبيلة، لنزرع المواطنة قيمة في كل واحد منا؛ تعزز انتمائنا لوطن واحد كل الناس فيه سواء.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

رمضان معيتيق

كاتب صحفي

اترك تعليقاً