الرأي السياسي بخصوص المسودة الأخيرة للاتفاق السياسي الليبي[1]

الرأي السياسي بخصوص المسودة الأخيرة للاتفاق السياسي الليبي[1]

عبدالرزاق العرادي

عضو المجلس الانتقالي السابق

كتب الدكتور عادل كندير[2]، المستشار القانوني لوفد المؤتمر الوطني العام للحوار، مقالاً بعنوان؛ “الرأي القانوني بخصوص المسودة الأخيرة للاتفاق السياسي”، تحدث فيه عن المسودة بشكل عام، وكتب أيضاً؛ “الرأي القانوني حول الملحق رقم (4) المتعلق بمقترح تعديل الإعلان الدستوري”، وركز هذا الرأي على الملحق رقم (4) المتعلق بمقترح تعديل الإعلان الدستوري بشكل خاص.

وجدت رأيه الأول رأياً سياسياً، وليس قانونياً، حيث كان يرجع غالباً في عرضه إلى وثيقة إعلان المبادئ والثوابت، الوثيقة التي لا تزيد عن كونها بياناً سياسياً، أصدره المؤتمر الوطني العام وليس له سمو الإعلان الدستوري ولا القوانين العادية.

وأما الرأي الثاني المتعلق بتعديل الإعلان الدستوري؛ فكان منصباً على فحوى نص المادة (70)، محتجاً على منح صلاحيات ومهام إدارة القانون في تفسير نصوص الاتفاق في حالات النزاع، وعلى منح صلاحيات ومهام الدائرة الدستورية لنفس اللجنة في النزاع المتعلق بالتطبيق.

قبل أن أخوض في تعليقي على ما ورد في هذين الرأيين وبعض ما ورد على صفحته، فإنه من نافلة القول التأكيد على أن مسودة الاتفاق غير مرضية ولا تلبي ما قامت الثورة من أجله ولكنها تحقق “الممكن”.

كما يمكن القول إن الرافضين للحوار، مناصبي كل من يبحث عن حل العداء، فشلوا فشلاً ذريعاً في تقديم البديل، ولربما غاب عنهم أن البديل عن الاتفاق قد يكون أسوأ.

أحد الظواهر الصوتية الرافضة للحوار، اقترح على المؤتمر تسليم السلطة إلى الثوار البواسل الأبطال، بالرغم من أنه لا يقصد الثوار البواسل الأبطال الذين سبق أن خوّنهم بسبب انحيازهم للحوار، كأنه يقصد بذلك؛ دعوة صريحة إلى إستمرار القتال والحرب ومسلسل الدمار.

الإدعاء بأن الاتفاقية من عقود الإذعان:

وصف الدكتور كندير، في تعليق نشره على صفحته، هذه الاتفاقية بأنها “عقد إذعان” وذكر في تعريفه أن عقود الإذعان “هي صيغة من صيغ إبرام العقود تعتمد على قيام أحد طرفي العلاقة التعاقدية بإعداد نص بصورة منفردة لعرضه على الطرف الآخر الذي ليس له إلا الموافقة أو الرفض”، وبالفعل فإن برناردينو ليون في آخر تصريح له بالصخيرات، ذكر الفقرة الأخيرة حين قال إن هذه المسودة نهائية وعلى الأطراف إما قبولها أو رفضها.

لكن الدكتور كندير أغفل الفقرة التي في مطلع التعريف؛ وهي أن هذا العقد لم يقم بإعداده طرف واحد، بل شارك في إبرامه السيد كندير نفسه، والدليل على ذلك حديثه عن الأعمال التحضيرية لمواد بعينها، وكيف كانت وكيف تغيرت، وإشادته بنجاح وفد المؤتمر في فتح الاتفاق للتعديل، وإجراء تعديلات المؤتمر فيها، وكذلك إخفاق البعثة في تمرير بعض النصوص، ويقظة الفريق، الذي هو أحد أعضائه، في إسقاط مشروع مادة من مواد المسودة.

كل ذلك يعني أن فريق المؤتمر قد شارك بفعالية في صياغة هذا الاتفاق، وبالتالي يسقط الإدعاء بأنه من عقود الإذعان، مثل عقد الكهرباء وعقد الطيران وعقد المغسلة على سبيل المثال، التي يذعن الإنسان لها طواعية. إلا إذا كان الدكتور كندير يقصد الأثر السيئ لاستراتيجية الغياب، التي تبناها المؤتمر الوطني العام أثناء بعض محطات الحوار، ومآلاتها.

الادعاء بأن هذا الاتفاق كاشفاً وليس منشئاً:

كان يجدر بالدكتور عادل أن يتساءل، وفي الوقت ذاته يُجب على هذا التساؤل؛ هل لهذا الاتفاق أثر رجعي؟. فهذا الاتفاق حال توقيعه وإقراره واعتماده سيكون بالطبع نصاً دستورياً، والقاعدة القانونية تنص على مبدأ عدم رجعية القوانين، إلا إذا نص صراحة بذلك في بعض الحالات الإستثنائية،  والدستور يوصف بأنه أعلى القوانين وأسماها.

لذا فإن حكم الدائرة الدستورية القاضي ببطلان الفقرة (11) من المادة (30) من تعديل الإعلان الدستوري السابع وكل الآثار المترتبة عليه، وكذلك الحكم القاضي ببطلان الجلسة الأولى وما بعدها، قائم ويسري إلى حين نفاد التعديل الجديد للإعلان الدستوري متضمناً هذا الاتفاق.

هذا الاتفاق هو اتفاق سياسي؛ رسم خارطة طريق، وأُدخل في صلب الإعلان الدستوري، وبرعاية دولية، من أجل إنهاء الانقسام ووقف نزيف الدم والبدء في مرحلة انتقالية جديدة تفضي في نهاية المطاف إلى مرحلة دائمة من خلال الاستفتاء على دستور دائم للبلاد.

فكل إشارة إلى مجلس النواب بأنه، “المنتخب في يوليو 2014م”، يمكن أن تفهم على أساس أنها وصفية، توصف واقعة حدثت في الماضي، قبل زمن الاتفاق، ولا يمكن الإشارة إليها بغيرها. وتشير إلى أن أطراف الاتفاق، توافقت على أن أعضاء مجلس النواب؛ هم أنفسهم الأعضاء الذين نجحوا في تلك الانتخابات، التي انعدمت نتائجها بحكم الدائرة الدستورية.

وأما الإشارة إلى المرحلة الانتقالية فلا يمكن القول بأن المقصود كل المرحلة الانتقالية ولكن المقصود هو المرحلة الانتقالية الثالثة كما وصفها الدكتور كندير في معرض إبداء رأيه القانوني.

وأما الحديث بإلغاء القوانين والقرارات فالمقصود التي أصدرها المؤتمر الوطني العام وتتعارض مع هذا الاتفاق. أما القرارات والتشريعات التي أصدرها مجلس النواب فقد وقعت باطلة بنص حكم الدائرة الدستورية، ولا يمكن العمل بها إلا من خلال إعادة إصدارها، ولا يترتب على إعادة إصدارها أي أثر رجعي، كما ينص المبدأ العام بعدم رجعية القوانين سالف الذكر.

وأما المادة (17) فإنها تدعو أعضاء مجلس النواب بالنظر، مع المقاطعين، في هذه القرارات والتشريعات الباطلة وإعادة إصدار ما يتم التوافق بشأنه ويحقق مصلحة وطنية. وأما المادة (67) فتختص بها حكومة الوفاق الوطني وهي معنية بما قد يترتب على تصرفات مجلس النواب والمؤتمر من التزامات على الدولة الليبية.

اتفاق سياسي أم تعديل دستوري:

استهجن السيد كندير كون الاتفاق السياسي يفضي إلى إقرار تعديل دستوري اتبعت فيه إجراءات إبرام الاتفاقيات الدولية، وهذه مبالغة منه؛ فالاتفاق ليبي ليبي، بإشراف أممي، شأنه شأن كل النزاعات التي تدخلت الأمم المتحدة في محاولة فضها بالطرق السلمية.

فعلى سبيل المثال اتفاق الطائف اللبناني، الذي أشرفت عليه السعودية، شبيه بهذا الاتفاق من الناحية الدستورية، فيما عدا أن المؤسسات في لبنان لم تنقسم كما انقسمت في ليبيا، بفعل واقعة انتخاب مجلس النواب وعدم استلام السلطة بطريقة صحيحة، والطعن في دستوريته وصدور أحكام القضاء التي تقضي بانعدامه وإصراره النواب على شرعيته، فبعد أن قامت الأطراف بتوقيع اتفاق الطائف، قام مجلس النواب اللبناني باعتماده وإقراره، فأدخل بعضه في صلب الدستور اللبناني وصار باقي الاتفاق مثله مثل باقي القوانين العادية.

سيادة الدولية الليبية:

عندما ختم الدكتور عادل رأيه تعرض في البند الثاني للحديث عن الشق السياسي، بالرغم من محاولة تسفيهه لواقعة التوقيع بالأحرف الأولى وإبراز نجاح فريق المؤتمر في فتح نص المسودة (عقد الإذعان)، إلا أن الطامة حينما تحدث عن “الخطة التالية” والتي قال ” قد تكون النفط مقابل الغذاء” متهرباً من حقيقة أن فشل الحوار قد يفقد ليبيا لسيادتها، وقد يكون البديل، الذي يصعب أن يدركه المستشار القانوني، وضعها تحت الوصاية أو التقسيم.

السيادة الليبية منتهكة من الليبيين أنفسهم، وبالذات من أؤلئك الذين هجّرهم النظام السابق، وارتبطت مصالحهم بالدول التي هاجروا إليها، وعمل بعضهم في دوائر القرار لتلك الدول، وبعضهم أصبح جزء من مؤسسات هذه الدول الأمنية والاستخبارتية، ويقوم الآن بالعمل في بلده الأولى لصالح بلده الثاني. ونحن هنا، بتأخرنا عن التوصل لاتفاق، نكرر الأمر ذاته في تهجير آخرين.

السيادة الليبية منتهكة جراء الإنقسام وفوضى السلاح وتنامي ظاهرة الإرهاب وإنتهاك الحدود وضعف الأجهزة الأمنية مما ساهم في غزو أجهزة استخبارتية للبلاد وانتهاكها للسيادة دون وجود رقيب ولا حسيب لإنشغال الأطراف بمحاربة بعضها البعض.

الملحق رقم (4) التعديل الدستوري:

المادة (70) تتحدث عن إحالة “أي نزاع قانوني حول تفسير أو تطبيق الاتفاق السياسي الليبي” إلى لجنة؛ ذكرت المادة تفاصيل تشكيلها وآلية إتخاذ قراراتها. اتفق هنا مع الدكتور عادل من ناحية أنها تمثل إشكالاً؛ فهذه المادة أخذت صلاحيات ومهام إدارة القانون في التفسير من جهة، وأخذت صلاحيات ومهام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في التطبيق، من جهة أخرى.

وهذا يمكن أن يكون مقبولاً، إذا كان المراد هو ما جرى في الأعمال التحضيرية، من أن المقصود هو المواد المتناقضة، ويكون المقصود بالأطراف، طرفي الحوار الرئيسيين.

لربما يكون سبب هذا النص، راجع إلى قصر المرحلة الانتقالية الثالثة، والحاجة إلى تحصينها من النزاع حول تفسير نصوصها والإشكال الذي قد يطرأ في تطبيقها، وأهمية وضرورة الإسراع في الفصل فيها؛ فأسند هذا الأمر إلى لجنة تتجاوز إجراءات التقاضي ولمدة قصيرة نسبياً وإلى حين إقرار الدستور الدائم.

الأحوط لكلا الطرفين، أن يتم إضافة جملة قصيرة؛ “يحال أي نزاع قانوني بين مجلس النواب ومجلس الدولة حول تفسير أو تطبيق الاتفاق السياسي الليبي”، هذه الإضافة تحصر أعمال هذه اللجنة في حدود ما يحصل من نزاع ما بين مجلس النواب ومجلس الدولة دون أن يمتد ذلك إلى الشخصيات الاعتبارية والطبيعية.

والأفضل شطب عبارة: “أو تطبيق” لنتفادى هذه الأشكالية. وإلا فإن هذا سيفتح نار جهنم على هذه اللجنة التي ستكون في هذه الحالة دائمة ديمومة الإعلان الدستوري، وستعرض عليها كل نزاعات الأشخاص.

لعلي في النهاية أقترح على الدكتور كندير أن نتبادل العناوين؛ فيكون هذا الرأي هو الرأي القانوني، ويكون رأيه هو الرأي السياسي، فيستق الرأيان مع العنوانَيْن.

[1] – المسودة الأخيرة كما وصفها الدكتور عادل كندير. ولربما يكون قد أجري تعديلات أخرى لم يكشف عنها حتى وقت نشر هذا المقال.

[2]– لابد أن أسجل تقدير واحترامي للدكتور عادل كدنير، والإختلاف هنا اختلاف تنوع في الرأي ولا يفسد للود قضية كما يقال.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

عبدالرزاق العرادي

عضو المجلس الانتقالي السابق

التعليقات: 1

  • الدكتور ابو احمد فلا العيساوي \ ليبيا \ طرابلس

    شبعنا وانتخمنا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ حسبنا الله على مشيخة قطر ومافيا بيت سعود الي دمروا ليبيا تدمير شامل \\\\\\ انتظروا تقسيم ليبيا \\\\ او ضمها الى امبراطورية قطر كاقليم صحراوي من ممتلكات الامبراطورية القطريه اسمه\\\ اقليم ليبيا القطري فيما وراء البحار \\\\\\ اذا دخل الدين في السياسه صار الدجل هو الدين \\\\\\\\ و مسكين من يصدق الدجالين \\\\\

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً