الربيع العربي …اربعة عجاف فهل تردفهن ثلاث؟!

الربيع العربي …اربعة عجاف فهل تردفهن ثلاث؟!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

لقد اطلق مصطلح “الربيع العربي” على انتفاضات الشعوب العربية التي انفجرت دفعة واحدة في خمسة دول عربية انتقلت شرارتها من تونس الى مصر الى اليمن الى ليبيا ثم سوريا ولقد كانت نتائجها الاولية سريعة في كل من تونس ومصر حين غادر حاكاماها المشهد السياسي خلال شهر يناير من العام 2011 وتبعهما اليمن ثم ليبيا ولا يزال الحال قائما في سوريا. ان المتتبع للأحداث التي صاحبت ما يسمى بثورات الربيع العربي لابد له ان يدرك انه ثمة تشابه في ظروف  كل دولة من الدول الخمسة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مع بعض الاختلاف وخاصة اقتصاديا بالنسبة لليبيا على وجه التحديد. وان مسار الثورات لم يكن واحدا في الدول الخمس ففي حين كان سلميا في تونس فمصر ثم اليمن, لم يكن كذلك في ليبيا وسوريا حيث كان المسار عسكريا دمويا شرسا.

بكل مرارة يمكن اعتبار السنوات الاربع الفائتة من عمر ما يسمى بالربيع العربي اربعة سنين عجاف!, ذلك ان الوضع العام في تلك الدول وان اختلفت درجته لم يصل بعد الى حد التحسن والاستقرار الذي كنا ننشده قبل تفجر الثورات وخاصة حين نقيسه بمدى انعكاس الوضع على المواطن العادي ومقدار التحسن الذي طرأ على حالته الاقتصادية والاجتماعية وحتى الامنية والسياسية. والمؤسف حقا هو ان تكون سنة ما قبل الثورات اي 2010 سنة اساس للمقارنة!  لأن ما جاء بعدها كان أسوأ, مما ولد شعورا عاما تكتنفه السلبية بدرجة جعلت الكثير يتمنون العودة لذلك الوضع السابق بما يحتويه من مثالب وإخفاقات وفساد على كل الصعد!.

البداية بتونس الخضراء التي تبدو الاكثر سرعة في التعافي لعاملين اثنين : الاول خلو المجتمع التونسي من آفة القبلية, والثاني اعتدال التيار الاسلامي فيها فهو الذي استطاع الاندماج في واقعه ومحيطه الوطني والاجتماعي وبالتالي تملك قدرة التعايش والتكيف مع وسطه الاجتماعي دون غلو, مما اكسبه احتراما لذاته وبالتالي احتراما من الشعب له, وقبل ان يدخل المعترك السياسي كشريك وجزء من فسيفساء الشعب التونسي المتنوعة فكريا وسياسيا واجتماعيا معترفا بوزن الآخرين من ابناء الشعب وليس كمن يدعي انه الممثل للشعب تحت عباءة الدين فلا يعترف بوجود غيره مختزلا الشعب بكامله في حزبه او تنظيمه, محاربا للوطنية في صورتها المكانية للجماعات, متشبثا بالعالمية ونطاق ما بعد حدود الدول تحت مسميات دينوسياسية مثل دولة الخلافة ودولة المرشد..الخ.. تونس العربية ستدخل السنة الخامسة وهي قد بدأت فعلا المسير في الاتجاه الصحيح وسيستثمر التوانسة السنوات القادمة في اعادة بناء دولتهم على اسس من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وسيعبرون سريعا الى الدولة الحقيقية المنشودة التي ستسخر فيها الامكانات والطاقات لخلق وضع افضل وخاصة على المستوى الاقتصادي الذي سينتعش انتعاشا ملحوظا بفعل همة وجدارة التوانسة.

اما ارض الكنانة مصر فرغم الصعوبات التي تواجهها على المستوى الامني والاقتصادي , إلا انها حتما ستتعافى وخاصة وان السيطرة الامنية فيها بيد الجيش والشرطة , وهو ما يبعد عنها شبح الفوضى والانفلات..مصر رغم محاولات الاخوان المسلمين المستميتة , في زعزعة امنها واستقرارها, من خلال الدعوات المتكررة للخروج والتظاهر وما يعنيه ذلك من استغلال سلبي من بعض الجماعات التكفيرية والمتطرفة , ستتمكن بحول الله من تجاوز محنتها, وهي تسير الان بخطى  ثابتة واثقة نحو الهدف , وستخرج بحول الله معافاة بعد مرور بضع سنوات , وحتما ستصل الى استقرار سياسي كامل وحاكمية ديمقراطية حقيقية رغم الشكوك..مصر بشعبها العظيم ونخبها السياسية والاقتصادية ستخرج من ازمتها وستتجذر الطقوس الديمقراطية في تربتها, رغم انف اعدائها الذين يحاولون عبثا تشويه وجه مصر الحضاري. مصر سيثمر ربيعها المزهر قريبا , وسيعود لها دورها التاريخي في المنطقة والعالم وستكون بحول الله دولة ديمقراطية تستحث الخطى بفضل ابنائها صوب حاضر مشرق ومستقبل واعد بالخير والسلام على شعب مصر وكل شعوب المنطقة.

اليمن برغم قرب تعافيها وتماثلها للشفاء خلال سنتي 2012-2013 الا ان هذه السنة مرت عليها كبيسة بائسة, بفعل ما نتج عن حراك الحوثيين ومحاولة المتطرفين الاسلاميين زعزعة استقرار وكيان الدولة, بخلق العراقيل امام مسيرة اليمن نحو الديمقراطية والتنمية ..لكن الشعب اليمني الصابر يثبت دائما انه قادر على تجاوز المحنة والخلافات مهما كبرت وتشعبت وامتصاص الازمات مهما اشتدت , وهذا ما يؤكد لنا ان بارقة الامل في اليمن لا تزال قوية  تكسر حجب السحاب حيث يتوقع ان يتجاوز الاخوة هناك ازمتهم , ويؤسسون لحوار شعبي حقيقي هم بدأوه اصلا , وقطعوا فيه شوطا كبيرا شارف على الاكتمال. من خلال الحوار سيتغلب اليمنيون على خلافاتهم وسيشكلون منه مرتكزات التقاء وطنية حقيقية تكون بمثابة المفاتيح التي كانت ضائعة يفتحون بها ما اوصد من ابواب وبالتالي سينطلق اليمنيون في بناء دولتهم الجديدة على اسس ديمقراطية سليمة ترسخ مفاهيم التداول السلمي للسلطات وتقطع الطريق امام اعداء الشعب من اصحاب المآرب والأجندات دينية كانت ام سياسية. الربيع في اليمن يتبرعم الآن وقريبا يزهر ثم يثمر خيرا ليصبح اليمن حقيقة يمن سعيد.

اما سوريا التي ستدخل انتفاضتها عامها الخامس , الحال يزداد سوء مع مطلع كل يوم جديد, فنظام بشار الاسد لا يزال متمسكا بتلابيب الحكم , ويفرض وجوده على ساحة الصراع في سوريا , حيث لم تتمكن قوى الثورة المضادة على مختلف مسمياتها من الاطاحة به, الامر الذي يفاقم من حدة المأساة التي يعيشها السوريون , ويدفع الى تعقيد الموقف وتصعيد وثيرة الاختلاف والتنافر, وما يترتب عنها من غرس متجذر لروح الانتقام والثأر وتجييش نار الحقد والكراهية, بين ابناء الشعب الواحد , فكل يوم يمر يتسع الجرح وتنهار ارضية التوافق , وفي نظري الامر شبه مستحيل في من سيحسم الصراع  والمؤكد هو طول المدة الزمنية التي سيستمر فيها ذلك الصراع الدموي , بما يكفي لاستنزاف شبه كلي لمقومات الشعب السوري الانسانية والحضارية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وكل البنى التحتية. للأسف يستمر اوار الحرب في سوريا والخاسر الاول هو الشعب السوري المكلوم الذي يعيش حالة من الرعب والضنك لا يعلمها الا الله ,لا عجب فأكثر من نصف السوريين اليوم لاجئين  ومشردين و مهجرين داخل الوطن وخارجه . ان حجم الدمار والخراب ومعدلات القتل اليومي الناتج عن الة الحرب الجهنمية التي وقودها السوريون سوى من المعارضة او النظام , يجعلنا نقر بأن ما حصل ويحصل في سوريا اليوم هي مأساة ونكبة بما تعنيه الكلمة من معاني , غير ان ما يعزينا في مصابنا في سوريا الشقيقة , هو الامل في ان تقود طول مدة الحرب وعدم قدرة طرفي الصراع على الحسم حتى الآن , الى دفع الاطراف الى التنازل اكثر واللجوء جبرا ذاتيا الى الحوار الذي يفرضه الواقع المسدود , فهل يبادر السوريون طرفي المعادلة الان ويقبلون بصيغة مشتركة بينهم؟! يضمدون جراحهم ويلملمون ما تبقى لهم ومنهم من اثر من خلال الحوار المبني على لغة العقل ومصلحة الوطن , ويتركون لغة السلاح التي لم تجلب لهم الا القتل والدمار والخراب ! هل ستتغلب الحكمة والتعقل على التهور والسفه؟! ويتحاور الاشقاء وصولا الى توافق سوري سوري يوقف الة القتل والدمار و ينهي حالة الحرب المستعرة طيلة اربعة سنوات , قد تحدث المعجزة ويفعلها السوريون الذين بدأت بوادر التقائهم وتحاورهم من خلال جهود روسية معلنة.

وأخيرا ليبيا وطني الجريح, التي تحول ربيعها صيفا قائضا, او شتاء زمهريرا ! ليبيا التي لازالت تعاني وتقاسي ويلات صراع دموي بين ابنائها , يقوده من يحملون اجنداتهم الخاصة جدا والمتطرفة جدا! بين اسلاميين متشددين وتكفيريين, وآخرين يدَعون الوطنية والثورية, وهم يحملون في عقولهم روح الظلم والطغيان, تحت مظلة قبيلة جائرة او مدينة طاغية, انهم جميعا يلتقون حول اجندة واحدة , هي الانتقام والقتل والدمار وتخريب البنيان , اجل فالسنوات الاربع التي نودَعها عجاف وعجاف ! وقد تكون الخامسة اكثر عجفا وثبورا على شعبنا التائه بين اطماع سماسرة الدين وتجار السياسة؟! , اولئك من لا تتجاوز حدود تفكيرهم ,غنيمة مادية رخيصة او جنَة يتوهمون مفاتيحها في عقولهم الفاسدة , قتل نفس بشرية حرَمتها كل شرائع السماء! ليبيا التي صيَروها مرتعا للإجرام والدمار , تمارس فيها اليوم افعال القتل والخطف والنهب والتخريب , بساديَة فضيعة بدون مروءة ولا حياء . تلك هي روح احتكار الدين والسياسة , المنهج الذي يريد بعض من الليبيين المؤدلجين فرضه بقوة السلاح , على السواد الاعظم من الليبيين , دافعهم نزوة عابرة وغريزة نافرة  , اولئك الذين تربوا بتربية دينية او سياسية تختلف عن عموم الليبيين , تأثرا بآخرين من خارج الوطن , تشرِبوها منهجا استقطابيا في مدارس وزوايا خاصة , فتشبَثوا ببريقها الخادع بعد ان غيَبت عقولهم متاهات الوهم المخالف لكيمياء الحياة والواقع , فأصبحت عقولهم رهينة اسر لأفكار طوباوية لا مجال لتطبيقها على الارض والواقع!.   لكنهم سيفشلون , فالشعب الليبي لم ولن يسكت على هذا الظلم الصارخ الذي لا مبرر له , فان يصبر فللصبر حدود وسينفجر البركان قريبا ليقذف مع وبحممه كل اولئك الرهط من المفسدين الذين تسلطوا على الشعب والوطن وعاثوا ويعيثون في الارض فسادا , سينتفض الشعب حتما وينفض عن ليبيا كل تلك الاثار الهمجية ويعيد للوطن مكانته وقدسيته التي لا تقبل التأويل.

في الختام وبنظرة واقعية يمكن القول بان الربيع العربي اثمر في تونس وأزهر في مصر ويتبرعم في اليمن لكنه لا يزال يذبل في سوريا وليبيا!! وبرغم ذلك كله فان الامل في صحوة الشعبين الليبي والسوري بعد الله كبير وكبير فما بعد الشدة الا الرخاء ومابعد الكرب الا الفرج وان مع العسر يسرا وان السنين التي مرت عجافا وان اردفتها ثلاث اخريات , فالآتي بعدها بحول الله غوث وعمار وبنيان.

جميع المقالات والأراء التي تنشر في موقع عين ليبيا تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 3

  • ليبي

    ليبيا تبني عندما نبد القبليه وعندما نبد الجهويه والفيدراليه والتطرف يميناً او يسارا ونبني جيش يشمل كل الليبين ونغلق أبواب الفتنة ونجمع كل الليبين علي رأيه واحده العدل

  • مصطفى رمضان

    لن يذبل يا دكتور في ليبيـا ،، سينموا بعون الله ، ويقدم نموذجا باهرا للآخرين ،،،

    لم أتوقع هذا التحليل من شخصكم

  • عبدالله بن آدم

    هل الصراع في ليبيا قبلي؟ هل مصراته قبيله؟ الصراع في ليبيا صراع أيديلوجي صرف. الصراع في ليبيا بين بمدعيي الاسلام وبمدعيي العلمانيه. باقي الشعب الليبي يتفرج ولكنه هو الخاسر الاول من هذه الحرب القذره. مصراته ليست قبيله ولكنها مخطوفة من قبل ثله لا تفكر الا في نفسها وأوهموا أهل مصراته بان هذه الحرب من اجلهم للحصول على المال ولقطع الطريق على الأزلام (ورفله وبالتحديد محمود جِبْرِيل) من الوصول للسلطه.
    لإيقاف هذه الحرب القذره التي ستاكل الأخضر واليابس على المدن الليبيه والتى تتفرج على المشهد الليبي ان تدخل على الخط ليس بالسلاح ولكن بلم شمل الليبيين في حوار صريح وان يلتزم الجميع بمقرراته ومن لا يمتثل سوف تكون كل ليبيا ضده وانه سوف يحاصر من كل سكان ليبيا.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً