السرايا في الهلال النفطي.. ما الذي حدث وما الذي يجب أن يحدث؟

السرايا في الهلال النفطي.. ما الذي حدث وما الذي يجب أن يحدث؟

عبدالرزاق العرادي

عضو المجلس الانتقالي السابق

لم يكن مفاجئا لكثير من المتابعين ما وقع في الهلال النفطي؛ فأغلب من لهم اطلاع ذو بال على المشهد يدركون أن الآلية التي سيطر بها حفتر على الموانئ النفطية، آلية سهلة التقليد، ويمكن لأي قوة ذات علاقات متداخلة في المنطقة، وتملك وسائل مالية، وأدوات جمع معلومات، يمكنها إعادة إنتاج نفس عناصر خطة حفتر، وإسقاطه بسلاحه.

كما أنه من الواضح للمتابعين أيضا أن عناصر القوة والتفوق التي يمتلكها حفتر محدودة الأثر في مقابل سلاح المباغتة الذي اتخذته السرايا مطية للسيطرة على الموانئ.

الخطة.. والخطة المضادة:

اعتمدت خطة حفتر للسيطرة على الموانئ النفطية في سبتمبر الماضي على عناصر رئيسية:

  1. تفكيك التحالف الاجتماعي الذي كان الجضران ينسجه حول نفسه؛ وذلك باستمالة بعض العناصر الرافضة للجضران في قبيلة المغاربة، وبعض المجموعات المنضوية تحت لواء فرع الوسطى بحرس المنشآت النفطية الذي كان الجضران يقوده.
  2. استقدام عناصر أجنبية، وحشد كتائب متعددة لمهاجمة الحقول، إضافة إلى غطاء جوي للهجوم.
  3. استخدام عنصر المباغتة، والهجوم الكاسح على مراكز الدفاع والتحصينات، وفي وقت متزامن على أكثر من محور.
  4. إعلان الاستعداد لتسليم الموانئ النفطية للمؤسسة الوطنية للنفط، والذي ربما كان بترتيب مسبق مع رئيس مجلس إدارتها.

وهي نفسها العناصر، التي اتخذتها سرايا الدفاع عن بنغازي في هجومها المباغت صبيحة الجمعة. مع استثناءات تتعلق بالغطاء الجوي، واستقدام المقاتلين الأجانب.

الواضح أن السرايا عملت من خلال تفكيك تحالف المقاتلين الذي يرابطون في الموانئ النفطية؛ مستغلة نقاط ضعف في إدارة المواقع من قبل القوات التابعة لحفتر. ودليل ذلك حديث الناطق باسم حفتر عن وجود ما أسماه “خيانات” تعرضت لها قواتهم. كما أن عدم وجود أسرى أو قتلى من العناصر الأجنبية التي ثبت بالتواتر وجودها، يدل على نجاح تحييدها، أو “شراء موقفها” كما كانت المعلومات المسربة تشير إلى محاولة السرايا ذلك من قبل.

لقد أضافت قيادة سرايا الدفاع عن بنغازي عناصر أخرى منها؛

  • أنها تجنبت استثارة انتباه أرصاد قوات حفتر، وذلك بعدم الزحف بقوة كبيرة، دفعة واحدة، مما يجعلها هدفا سهلا للطيران، وهو ما تدل عليه الخسائر المحدودة بالمقارنة مع المحاولات السابقة؛ فلم تعلن قوات حفتر أنها دمرت أرتالا، وإنما قالت إنها قصفت حوالي 16 هدفا.
  • أنها أعلنت عدم نيتها البقاء في الموانئ النفطية، وقد أكمل هذا الإعلان بدعوة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المعترف به دوليا إلى استلام الموانئ النفطية، وهي خطوة استفادت من تجربة حفتر الذي أعلن تسليم الموانئ إلى المؤسسة الوطنية للنفط في نفس اليوم الذي سيطر عليها فيه.

وفي هذا الإعلان رسالة طمأنة للقوى الدولية التي كانت صريحة في ضرورة استمرار تدفق النفط، وتجنيب منطقة الموانئ النفطية أي قتال، وهو في الوقت ذاته يسحب أي ذريعة من يدي رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، للدعوة إلى أي تدخل.

وقد يهدف هذا الإعلان من جهة أخرى إلى طمأنة المجموعات الاجتماعية (قبيلة المغاربة على وجه التحديد) التي يتشكل منها حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الوسطى أن حراسة الموانئ آئلة إليها.

المعركة إلى أين؟

انحسرت سيطرة حفتر حتى الآن في ميناء البريقة الذي يعد واحدا من أربعة موانئ كان يسيطر عليها حتى صبيحة الجمعة قبل ثلاثة أيام. ولا شك أن الهدف المعلن للسرايا من العملية، وهو التوجه إلى بنغازي، لا يمكن أن يتحقق دون المرور على البريقة، ثم من بعدها مدينة إجدابيا، حتى تكون ظهور مقاتليها محمية من قوة متحالفة معها، أو أخرى محايدة، على الأقل.

وما من شك أيضا في أن قوات السرايا فقدت الآن عنصر المفاجأة الذي كان حاسم في استيلائها على الموانئ السابقة، كما أن طبيعة المنطقة المفتوحة بين البريقة وراس لانوف تعطي لقوة الطيران التي يتمتع بها حفتر فاعلية أكبر، كما أن الأيام الماضية ستمكنه من تجميع قواته في البريقة، وسيضيف إلى التحصينات التقليدية، حساسية المكان، وعدم استعداد أي طرف للإضرار بالبنية التحتية.

إذا كانت العوامل المشار إليها أعلاه تعقد مهمة السرايا في الاستيلاء على البريقة، فهي في نفس الوقت تضعف احتمال قيام حفتر بهجوم مضاد في الوقت الحالي؛ خصوصا، وأن مواقع قوات السرايا التي ستكون قريبة من المنشآت الحساسة، أو مبثوثة في أماكن متفرقة تحرم قوات حفتر من استخدام القوات الجوية، وهو ما يعني ميل ميزان القوة لغير صالحها في أي مواجهة قادمة.

لو أكملت قوات السرايا السيطرة على الموانئ النفطية، فإن من شأن ذلك أن يعود بحفتر والقوات التابعة له إلى حجمها الحقيقي، ويحصرها في مجموعات قتالية، تسيطر على مداخل أغلب المدن في الشرق الليبي، وتتبع له أجهزة أمن مدنية كانت تعمل مع نظام المعمر القذافي. إضافة إلى قوة مختلطة من الكتائب والمليشيات تسيطر على أغلب مناطق بنغازي.

إن الخسارة المباشرة لمنطقة الهلال النفطي، رغم جسامتها بالنسبة لحفتر، ليست أقوى من أثرها السلبي على جبهته الداخلية، ولا على صورته الخارجية؛ فمن شأن إعادته وبهذه السهولة إلى مربع المسيطر على مدن بالمنطقة الشرقية، بعد أن بدأ في تسويق نفسه كقوة أولى في ليبيا، أن ترفع أعناق الطامحين إلى الفكاك من سيطرته في معسكر الكرامة، وتجعل بعض القوى الاجتماعية التي استثمرت فيه لمدة طويلة نسبيا تعيد حساباتها، بعد أن باتت خسارته لأي منطقة أمرا واردا، وبأسرع مما يمكن توقعه.

مؤشرات ذات دلالة:

ترافقت مع عملية السيطرة التي قامت بها السرايا من صبيحة الجمعة الفائت مجموعة من المؤشرات التي لا بد للمشارك في صنع القرار السياسي الليبي من الانتباه إليها، وهي وإن كانت متفاوتة الخطورة إلا أنه تشير في مجموعها إلى حقيقة كبيرة، وهي أن الحدث ليس مجرد جولة من المعركة على الموانئ النفطية، وإنما قد يكون حدثا مفصليا في الأزمة الليبية لجهة وضعه كثيرا من الحقائق على طاولة البحث، بعد أن كادت تغفلها أعين كثير من المراقبين والمهتمين.

أول هذه المؤشرات، وربما أهمها، أن هناك تحالفا جديدا، ربما لم يأخذ شكله النهائي، لكنه بدأ يتجسد على الأرض بين بعض مكونات مجلس شورى ثوار بنغازي، يمثلها سرايا الدفاع عن بنغازي، وبعض المكونات السابقة في عملية الكرامة، متمثلة في وزير الدفاع بحكومة الوفاق المهدي البرغثي، وقد انضاف إليهم على ما يبدو آمر فرع الوسطى المكلف من طرف المجلس الرئاسي إدريس بوخمادة، وربما يلقون بعض الدعم من القوى العسكرية المحدودة من المناطق المنحدرة من الغرب الليبي. وهذا التحالف لو تم إضافة إلى أهميته الميدانية، فهو يمثل مؤشرا جوهريا في الصراع، ويجعله أبعد ما يكون عن صراع جهوي، بين أبناء قبائل برقة، والوافدين إليها، كما تحاول بعض وسائل الإعلام المقربة من الكرامة إظهار الصورة.

وقد وجدت هذه الحقيقة التعبير الواضح عنها في بيان وزير الدفاع بحكومة الوفاق الوطني المهدي البرغثي، وهو البيان الذي أظهر حنكة سياسية عالية، ووعيا بأبعاد الصراع أكثر من غيره من ردات فعل أطراف المشهد الرسميين، وهو البيان الذي لحقه تصريح للعقيد الغصري يؤكد النقطة المتعلقة بتشكيل قوة محايدة كما وردت في البيان، ومعلوم أن الغصري تحدث بصفته ناطقا باسم وزارة الدفاع وليس بوصفه ناطقاً باسم غرفة البنيان المرصوص، وهو ما يؤشر إلى تداخل التحالفات المشار إليها أعلاه.

ثم تلا ذلك تصريح إدريس بوخمادة الذي تناغم مع تصريح الغصري وبيان البرغثي، وأعلن جاهزية الجهاز لاستلام الموانئ وتبعيته للمؤسسة الوطنية للنفط.

ثاني المؤشرات هو مستوى هشاشة وضعف دفاعات خليفة حفتر في الموانئ النفطية، والتي لا تناسب الصورة التي رسمت له بعد سيطرته على الموانئ باعتباره قائد قوة ضاربة، والذي منح على أثره رتبة مشير، وهو ما يمكن القول معه إنه عاد إلى حجمه الطبيعي قائدا لمليشيات عسكرية تسيطر على بعض مداخل المدن، في المنطقة الشرقية، وأغلب أحياء مدينة بنغازي، عبر تحالفات تنسج وتنقض تبعا لميزان القوى.

ومن الممكن أن يعود ضعف حفتر إلى أسباب رئيسية نشير إليها كالتالي:

  • ضعف الأداء في الحرب على الإرهاب الذي كان شعارا لحملته على مدينة بنغازي وضعف مصداقيته في حمل هذا الشعار؛ حيث أنه لم يشارك في الحرب الكبرى على الإرهاب في سرت، بل تواترت التقارير على فتحه المعابر لمقاتلي تنظيم الدولة للخروج من مدينة بنغازي، وفتحه الطريق الصحراوي لمقاتلي التنظيم عند طردهم من مدينة درنة على يدي مقاتلي مجلس شورى مجاهدي المدينة.
  • عدم القدرة على استثمار ما يعتبرها انتصارات له على طاولة النقاش السياسي نظرا لمعادلته الصفرية التي لا تقبل بأقل من حلوله وحيدا في المركز، والبقايا من حوله، وهو ما ينم عنه رفضه لكل المبادرات التي تقدمت بها أطراف مختلفة إقليمية ودولية، لإشراكه في المشهد السياسي، وآخرها إحراج مصر ورفضه مبادرة السلطات المصرية قبل أيام، لتعلن بعد ذلك الكتلة النيابية المحسوبة عليه رفضها الجلوس إلى طاولة الحوار.
  • ضعف أدائه العسكري خلال سنوات ثلاث من القتال في مدينة بنغازي التي لم يستطع السيطرة عليها، وربما تكون العملية الحالية قد زادت من ضعف احتمالات إحكام قبضته عليها، رغم الإنفاق الهائل والدمار، والاستعانة بعدة أطراف إقليمية ودولية.

وربما يفهم في هذا السياق أيضا بيان اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبي، والتي جددت الدعوة إلى الحوار على قاعدة اتفاق الصخيرات، متجاهلة، على الأقل في العلن، هزيمة حفتر في الموانئ النفطية، وهو الذي يعد أهم حلفائها في الساحة الليبية.

ثالث المؤشرات: هو حالة الانتظار التي اتسم بها رد فعل الشركاء الدوليين المعنيين بالملف الليبي، وهي وإن أمكنت عدة قراءات لها، إلا أنها تؤشر إلى أن ما يهم المجتمع الدولي، خاصة إيطاليا والولايات المتحدة بالدرجة الأولى هو استمرار تدفق النفط الليبي، وليس القوة التي تسيطر على الموانئ، ما دامت عمليات البيع ستتم عن طريق المؤسسة الوطنية للنفط. ويمكن اعتبار الموقف الدولي الذي لم يبد ردة فعل لحد الآن غامضا، ومن جهة أخرى فإن أي هجوم مضاد من حفتر، وهو أمر بعيد الإحتمال في الوقت الحاضر، لن يكون تأثيره كبيرا إلا إذا رافقه دعم جوي ليس من المتوقع أن يتم دون طلب من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ولا يتصور طلب مثل هذا الدعم من السراج الذي خرج للتو من جولة مفاوضات فاشلة مع حفتر.

الخاسرون والرابحون:

من الواضح أن غبار المعركة انقشع عن معطى جديد في الساحة الليبية لم يكن كثيرون يريدون ظهوره، ومن الواضح أنه معطى ترك أثرا على مجمل أطراف الصراع، وقد انقسم الفاعلون بحسب نتائج المعركة إلى رابحين وخاسرين، ومجموعة أقرب إلى الحياد، مع إمكانية أن تنضاف بسهولة إلى أحد الطرفين، بناء على طريقة تصرفها، وتعاطيها مع الأزمة.

إذا بدأنا بمعسكر الخاسرين، فسنجد أن حفتر يتقدمه؛ فهو بالإضافة إلى خسارته المادية المتمثلة في فقده السيطرة على أغلب المنطقة الاستراتيجية المهمة التي يمثلها امتداد منطقة الهلال النفطي في المنطقة الوسطى، فقد خسر أيضا صورته كرجل قوي، يملك القوة الضاربة في أحد أهم المراكز الحيوية بالنسبة لخريطة الجغرافيا السياسية والاقتصادية لليبيا.

كما يبدو أنه خسر بعض حلفائه في منطقة إجدابيا، وهي منطقة حيوية جدا، وتعتبر خاصرة رخوة للشرق الليبي، وتعتبر السيطرة عليها حيوية جدا بالنسبة للسيطرة على بنغازي، ومدن الشرق، وخنق المقاتلين المناوئين لمشروع الكرامة في مدن برقة.

ولا بد من التذكير هنا بخطورة اهتزاز صورة حفتر على مشروعه استراتيجيا، فقد بنى مشروعه على ثلاثة أركان خطيرة، يبدو أن العملية ضربت فيها ضربة مزدوجة؛ الركن الأول، هو أن برقة للبرقاويين، وهو ما كسرته العملية بإظهارها أن التحالفات هي تحالفات مصالح، وميزان قوى، أكثر من أي شيء آخر.

الركن الثاني هو صورة القوة الضاربة التي لا تقهر، وواضح أنها أكثر الأركان تعرض للضرر من العملية التي أزالت هيبته.  أما الركن الثالث فهو إمكانية الحسم العسكري، والواضح أن عدم تمكنه من استدامة السيطرة لمدة ستة أشهر على منطقة بحجم أهمية واستراتيجية الموانئ النفطية، يكفي لنقض أطروحة الحسم العسكري من أساسها.

هذا علاوة على ما أشير إليه سابقا، بشأن ضرب دعاية الحرب على الإرهاب.

في الرتبة الثانية من الخاسرين يأتي رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، الذي كشفت ردة فعله السريعة، ولغته الصارمة في إدانة العملية والتبرؤ منها، ربما يعزز الرأي الذي يسوق له مناوئه بأنه أقرب إلى معسكر الكرامة، رغم أن المعسكر المقابل هو الذي احتضنه، وحمله إلى السلطة في الاتفاق السياسي ثم إلى التمكين في العاصمة طرابلس؛ فقد كان من المتوقع، بمنطق التحليل السياسي، أن يكون بيانه من حيث السرعة واللغة شبيها ببيانه غداة استيلاء حفتر على الموانئ النفطية، وقد تحدث عشيتها بلغة دبلوماسية، كما تأخر بيانه عن احتلال الموانئ بقرابة يوم كامل.

يتوقع أن يزيد موقف السراج من العملية من تقلص شعبيته في القوى السياسية التي ترى أن حفتر يمثل خطرا على مشروعها السياسي، ويمثل نقيضا لحلمها في دولة مدنية، تتبع فيها المؤسسة العسكرية السلطة المدنية، ولا يتوقع في ذات الوقت أن يعطيه قبولا أكثر في معسكر الكرامة الذي بنى موقفا حديا من السراج، باعتباره صاحب سلطة نقيضة لسلطة البرلمان ولحكومته التي يقوها الثني، وإن كانت بعض الأطراف المسيطرة في البرلمان تحاول إظهار غير ذلك.

المراهنون على الحرب؛ وفي قائمة الخاسرين أيضا، المراهنون على الحرب في كل الأطراف؛ فالواقع الذي وجدت فيه السرايا نفسها، وإن كان أفضل من وقعها السابق، إلا أنه لا يمكن أن يشكل دعاية للحرب؛ ففي القواعد العسكرية ليس من المفيد أن تخسر مقاتليك وذخائرك في معركة سيستفيد منها غيرك، مهما كان هذا الغير. ثم ما ذا بعد الموانئ؟ سؤال الظاهر أن السرايا لم ترغب في مواجهته، واختارت شعار العودة إلى بنغازي، إلا أن هذا الطريق وإن كان واضح البداية، فإن الخطوة التالية تبدو بعيدة من الوضوح والإمكان. بنغازي يسيطر عليها حفتر، والأهم أن قوى كبيرة تحرسها من الجو والبحر، قد تترك المجال، أو تتفاجأ في الموانئ النفطية، لكن يصعب تصور قبولها بوصول الأرتال إلى بنغازي، والقبول بإعادة الحرب إلى بدايتها، مما قد يفتح الباب أمام كل السيناريوهات بما فيها الإنهيار أو التخلص من حفتر وعمليته، حيث أنهم ملوا الحرب، كما ذكر الناطق باسم عملية الكرامة المسماري، فالقتال أصبح عبثي ويستحيل حسمه.

وفي مقدمة الرابحين؛ يأتي وزير الدفاع المفوض بحكومة الوفاق الوطني العقيد المهدي البرغثي، الذي ظهر في صورة أقرب إلى الخطاب المؤسسي لرجل الدولة؛ فهو لا يعتبر من كانت بأيديهم الموانئ النفطية قوة شرعية، بحكم رفضها الخضوع للسلطة المدنية المعترف بها، كما لم يصرح بأنه يعتبر المسيطرين اليوم على الموانئ قوة شرعية، وبالتالي تصرف معهما كطرفين في نزاع داخلي، يجب أن يتوقف ضرره عند نقطة معينة، وتتسلم الدولة مهامها.

لقد أوجد البرغثي لنفسه موطئ قدم في خريطة البحث عن مخرج مرض للأطراف الراغبة في إخراج الموانئ النفطية من دائرة الصراع، وهو بهذا يكون أقرب إلى ما هو معلن من مواقف الأطراف الدولية، وموقف المؤسسة الوطنية للنفط، التي وجهت الدعوة بشكل صريح لتحييد الموانئ في الصراع السياسي. وهذا الموقف قريب من الذي تريده القوى العسكرية والسياسية في المنطقة الغربية عموما، كما عبر عنه حزب العدالة والبناء في بيانه بشأن الأحداث.

لا شك أن المهدي البرغثي أقرب إلى السرايا منه إلى حفتر، إلا أنه استطاع صياغة انحيازه في لغة سياسية لرجل دولة.

بين الحل وخلط الأوراق

أعادت العملية خلط أوراق، وأضافت عوائق جديدة في وجه التسوية القائمة على اتفاق الصخيرات؛ فمن جهة يوجد داعمون للعملية، وربما مساهمون فيها، يرفضون اتفاق الصخيرات جملة وتفصيلا، ولا يعترفون بمخرجاته، كما أنها أعادت أولوية الحرب بالنسبة لبعض الأطراف مثل حفتر، وقدمتها على أولوية السلم، والحلول السياسية.

إلا أنها في نفس الوقت أوصلت أكبر عقبة في وجه التوافقات السياسية إلى أشد درجات ضعفها، والمقصود هنا خليفة حفتر؛ هذه الحالة التي وضعت أمام حفتر  أولوية الحرب، جعلته في موقع يقبل صاحبه أن يكون ضمن اتفاق عام يمكن أن يوفر له من الحماية ما لم توفر له البندقية خلال ثلاث سنوات.

لقد أوضحت العملية بجلاء استحالة الحسم العسكري من طرف أي كان في المشهد الليبي، وأثبتت أن الحرب قادرة دائما على إعادة إنتاج صانعيها، وإعادتهم إلى واجهة الأحداث بعد أن ظن معظم الأطراف أنهم تواروا إلى الأبد، بفعل ما يعتقدونه هزائم متكررة.

وهنا يأتي دور آلية صناعة السلام، وصياغات التوافق التي على أن تخلق فرصا تقنع المنتصر النسبي أن بإمكانه تحصيل أهدافه، قبل النصر النهائي غير الممكن، واقعيا، وتقنع المنهزم النسبي أن بإمكانه استعادة مكانته، أو تحصيل مكانة بديلة، عبر طرق أخرى لا تمر بالضرورة عبر بوابة البندقية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

عبدالرزاق العرادي

عضو المجلس الانتقالي السابق

التعليقات: 6

  • GORJ Booker

    كلام إخواني

  • Libyafree

    لم اقراء تحليل دقيقق وعميق وواضح عن ثورة ليبيا وازمتها مثل هذا التحليل وضّح كل شي في ازمة ليبيا في مكانه بكل مهنيه

    مقال مهني بجداره .. شكراً للكاتب ابدعت بحرفيه وتحليل عميق

  • ليبي حر

    تحاول ان تظهر بمظهر المحايد و لكن الجميع يعلم انك تتبع حزب الاخوان المسلمين و انت احد العناصر المهمة في التخطيط و صناعة الاستنتاجات و كما هو ظاهر في كتابتك ان ما حصل هو ناتج من تحليلات عميقة و توقعات استنتاجية و لكن أحياناً تكون هناك مفاجأت غير سارة و خصوصاً ان هذه احد الاوراق الأخيرة في الوقت الضائع لحزب الاخوان و جماعة المقاتلة اللذان يخططان من اجل هدف واحد حيث ان السيطرة على بنغازي و الشرق الليبي قد منيت بهزيمة نكراء و لهذا تحاولون بكسب الوقت و ابعاد حفتر عن الهدف و هو طرابلس و التى لم تتمكنوا من السيطرة الكاملة عليها و اخترتم الموانئ النفطية بدلا من الحرب في طرابلس ضد اغنيوة و كارة و التاجوري …ما هو ظاهر و انت هارب في تركياو كذلك الشيخ الغرياني و بالحاج و الصلابي و هذا دلالة واضحة على هزيمتكم و جبنكم و دلالة على ان حفتر اشجع منكم و انه لا يهاب الموت مثلكم و ما تقومون به مجرد الزج بالشباب المتحمس بسيط التعليم و انتم و عائلاتكم و أبناءكم تنعمون بالعيش الرغد و التعليم المتقدم و ليس لكم في ليبيا الا اموالها و المناصب .. يا ويلكم من الله مما تسببتم من قتل ابرياء و تشريد البسطاء من الليبين.

  • سعيد رمضان

    عصابات مدعومة من “قطر وتركيا ” وعصابات مدعومة من ” مصر والأمارات ” يتلاعبون بثروات الشعب الليبى من أجل أن يحكم أحدهما أو كلاهما ليبيا ،الحل فى بيد المجلس الرئاسى والمجتمع الولى لتخليصنا من تلك العصابات كما فعلت مع القذافى .

  • عبد الله محمد

    يبدوا أن التقرير إختزل الخصم وهو البرلمان المنتخب وجيشه وضباط سلاح جوه وصاعقتة والشرق الليبي وبنغازي شرارة الثورة في شخص عجوز معاند إسمه حفتر أتى من الغرب الليبي مثلما هو السيد العرادي نفسه، يبشر بقرب نهاية هذا الحفتر الشرير وظهور ليبيا جديدة جنة على وجه الأرض مكررا وعود فجر ليبيا في حرب المطار 2014! قاللك سرايا تحرير بنغازي هم من بنغازي فقط رغم أن القائد شركسي وكتائب من غرب وجنوب وخارج الحدود أعلنت إنضمامها له تلبية لنداءات أمراء ومشائخ الأسلام السياسي، قاللك أن جيش حفتر الذي هزم كانت عناصره أجنبية لكن من أسروا كانوا جنود من شرق ليبيا بحجة أن العناصر الأجنبية تخادلوا “تبخروا” حتى لا نذكر قول المولى عز وجل “قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين”! نأتي لبند الخاسرون من كل هذه الصراعات الحزبية السياسية والأيديولوجية والأقتتال الدائرعلى السلطة وعلى مراكز القوة وحرق قوت الليبيين الخاسر الأول والأخير هو المواطن الليبي البسيط بينما الرابح من خداع وتجويع وقهر المواطن الليبي هم شلة حفتر وخصومه الميليشيات وأمراء الأحزاب والجماعات المسلحة والمؤدلجة، الأخ تبنى فكر القذافي القائل من ليس معنا فهو ضدنا عندما ذكر خسارة رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج كونه راهن على الوفاق مع جبهة البرلمان وأدان الهجوم المسلح على الهلال النفطي علما أن حكماء وعقلاء ليبيا أدانوا الهجوم كذلك الأمم الأمتحدة ودول أوروبا كذلك الدوحة التي يتحدث منها السيد العرادي، تقييم التقرير أنه شامل مسيس بجداره يعكس وجهة نظر تيار سياسي إقليمي معروف، مع كل الأحترام والتقدير لكاتب المقال، عاشت ليبيا حرة مستقره.

  • (أحمد معيوف) اميس انتمورا

    رغم اني اقف ايدلوجيا على النقيض من السيد العرادي كاتب المقال الا اني اشعر كانني من كتب هذا المقال، فانا اتفق تماما مع محتواه وارى السيد العرادي قد رسم صورة دقيقة لما حدث، لم يتناولها كل المحلليين السياسين في التلفزيونات الناطقة باللغة العربية.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً