السيادية الليبية ومجلس الأمن بين المناورة السياسية والتزاماته القانونية

السيادية الليبية ومجلس الأمن بين المناورة السياسية والتزاماته القانونية

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

صحيح أن سيادة الدولة تمثله الأرض ضمن حدود، والشعب الذي يعيش عليها، والسلطة المعترف بها التي تُدير الشأن العام وتحمي الحدود والحقوق وترفض وجود سلطة أخرى!!! وبصيغة أخرى تعرف السيادة: “السلطة العليا التي لا تعرف فيما تنظم من علاقات سلطة عليا أخرى إلى جانبها” ومن التعريفات الأخرى للسيادة: ” السلطة العليا المطلقة التي تفردت وحدها بالحق في إنشاء الخطاب الملزم المتعلق بالحكم على الأشياء والأفعال” إذن فلا مكان لسلطة موازية في الشرق! بعد إعلان حالة النفير من معالي رئيس المجلس الرئاسي وصد هجوم الداعشي حفتر. المتعارف علية، إلى حدٍ ما، بأن سيادية الدولة تمثلها تقريباً أربعة وزارات: المالية و الداخلية والدفاع والخارجية. واليوم نرى انتهاك لسيادة ليبيا من خلال وزارة المالية بتصدير النفط، المورد الرئيس للمالية، عبر قنوات غير شرعية لتمويل الحرب على طرابلس!

الداعشي حفتر والاعتداء على السيادة الليبية:

بدأ تعدي الداعشي حفتر بنفث سموهم بداخل طرابلس والمنطقة الغربية حيث حاول أن يفكك النسيج الطرابلسي مع المناطق والمدن المجاورة ولكن أحرار فبراير والقوى المدنية كانت في الموعد، كذلك تماسك جبهة وزارة الداخلية بمختلف فصائلها فككت كل المشاريع التخريبية للداعشي حفتر وبهجومه السافر على اسوار طرابلس تعدى الداعشي حفتر  وعصاباته المجرمة، من أولياء الدم المنتقمة، والمداخلة المكفرة، والمرتزقة المأجورة أعلن اعتدائه على سيادية وزارة الدفاع، وبتعدية على النفط الممول الرئيس لوزارة المالية بتهريب النفط بشكل غير مشروع وببيعه لشركات  حسب ما ذكره السيد مصطفى صنع الله، وتشويه صورة الدولة اليبية باتهامها بإيوائها للإرهاب زوراً وبهتاناً وتسويق ذلك دولياً عبر لقاءات مشبوهة وإعلام مضلل وممول من السعودية والإمارات فقد تعدى بشكل صارخ على السيادة الليبية! إذن لا مجال للشك في أن الداعشي حفتر يعتدي على المؤسسات السيادة للدولة الليبية بل يتم تسجيل وتوثيق العديد من الجرائم الإنسانية بقصف منشئات مدنية: مطار معيتيقة، مصحة النفط، مدارس ومخازن كتب، مراكز إيواء للمهاجرين بل طالت اعتداءاته  المباشرة بيوت المدنيين ومزارعهم! بل وصل الأمر لقتل الأسرى والتمثيل بهم وأخذ مجرمي الداعشي حفتر صور مع جثت شهداء توفاهم الله وهم يدافعون عن شرف العاصمة طرابلس! وشرف سيادة الدولة الليبية!

مجلس الأمن والحالة الليبية:

في ظل الحياة المعاصرة التي نعيشها اليوم نجد أنه ومع تقدم العالم نحو كتابة صيغ لقوانين وإعلانات راقية تحفظ حقوق الإنسان وتعمل على حفظ السلم والأمن الدوليين إلا أن الواقع يقول عكس ذلك تماماً فنجد النهم لتكديس الثروات تتسابق عليه دول كبرى، وشركات متعددة الجنسية، ورجال أعمال، وتصرف مئات الملايين لترسانات إعلامية لصناعة مشاريع سياسية، تكون أحياناً لغرض إقناع الناس بحالة إنسانية حقوقية يتعاطف معها الحجر والشجر لأمر، في نفس يعقوب، غير واضح للعيان أو خلق مبررات للتدمير وقتل الأبرياء المدنيين بحجة محاربة الإرهاب أو اقتلاع دكتاتور بعد أن ارتوت جذوره بدماء الغلابة المقموعين تحت حذائه الدكتاتوري!

خرج المستعمر من الباب ولكن فتح لنفسه شبابيك متعددة عبر هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومؤسسات حقوقية، وإغاثية، وطبية، وحتى كشفية! واليوم نرى وفي الحالة الليبية مع أن العالم يشهد ويعلن اعترافه بالمجلس الرئاسي ولكن لم تصدر منه إدانة واضحة لهجوم الداعشي حفتر على العاصمة طرابلس! اللهم إلا استنكار من بعض الدول أو محاولات إيطاليا وبريطانيا بتمرير بيان لوقف الهجوم على طرابلس!

عندما انتهت صلاحية الدكتاتور معمر القذافي صدر القرار  1970 لسنة 2011 بحظر الأسلحة والسفر للمطلوبين، وتجميد الأصول والقيود التجارية، ووقف محاولةتصدير النفط غير المشروع! بل تكررت نصوص القرار وهي سارية المفعول:

  • كيف نفهم تلقي الداعشي حفتر للسلاح خلال أربعة سنوات: والفقرة 23 من القرار 1973 (2011) والفقرة 11 ه من القرار 2213 (2015) الكيانات أو الأفراد الذين انتهكوا، أو ساعدوا في التهرب من، أحكام القرار 1970 (2011)، وبخاصة حظر الأسلحة، أو ساعدوا آخرين على القيام بذلك
  • كيف يفسر قصف إحياء مدنية، ومدارس، ومخازن كتب، ومستشفيات، ومراكز إيواء مهاجرين وسيارات أسعاف؟ و بالفقرة 4 أ من القرار 2174 (2014) والفقرة 11 أ من القرار 2213 (2015): الكيانات والأفراد الذين يشاركون أو يتواطؤون في الأمر بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد أشخاص في ليبيا أو التحكم في ارتكاب تلك الانتهاكات أو توجيهها بطريقة أخرى، ويشمل ذلك التخطيط للقيام بهجمات ضد السكان المدنيين والمرافق المدنية أو قيادة تلك الهجمات أو الأمر بارتكابها، بما ينتهك أحكام القانون الدولي، بما في ذلك عمليات القصف الجوي
  • ماذا يعني تصدير النفط بصورة غير شرعية: والفقرة 11 د من القرار 2213 (2015): توجيه تهديدات إلى المؤسسات المالية الحكومية الليبية وشركة النفط الليبية الوطنية أو إكراهها على أمور، أو القيام بأي أعمال، قد تفضي إلى اختلاس الأموال الحكومية الليبية أو تتسبب في ذلك بل كيف نفسر الفقرة 12 من القرار 2146 (2014)، على النحو المستكمل في الفقرة 2 من القرار 2362 (2017): يطلب إلى الدولة التي تحمل علمها سفينة محددة توجيه تعليمات إلى تلك السفينة بعدم تحميل النفط، بما في ذلك النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة، من ليبيا أو نقله على متنها أو تفريغه منها، دون تلقي توجيهات من جهة التنسيق التابعة لحكومة ليبيا
  • فماذا يعني قصف مطار معيتيقة والفقرة 4 ب من القرار 2174 (2014) والفقرة 11 ب من القرار2213 (2015) شن هجمات ضد أي منفذ جوي أو بري أو بحري في ليبيا، أو ضد أي من المرافق أو المؤسسات الحكومية الليبية أو ضد أي بعثة أجنبية في ليبيا

وجاء التأكيد أخيراً بالقرار 2437 (2018) الذي يؤكد  على “التزامه القوي بسيادة ليبيا واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية”، ويرحب بتقرير الأمين العام المؤرخ 31 أغسطس 2018 الذي ذكر فيه : ” قوض الهجوم على طرابلس أي فرص لنجاح المحادثات التي عقدت في 27 فبراير في أبو ظبي، وهي السادسة من نوعها، بين رئيس الوزراء السراج والجنرال حفتر. خلال تلك المحادثات، كانت هناك فرصة حقيقية لاستبدال حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وحل الحكومة الموازية في البيضاء وتشكيل حكومة وطنية موحدة وشاملة للجميع ” ويؤكد على مسؤوليته الرئيسية عن صون السلام والأمن الدوليين بموجب ميثاق الأمم المتحدة،

مجلس الأمن بين السياسة والقانون:

يغض مجلس الأمن الطرف عما يقوم به الداعشي حفتر من انتهاكات بل ويمارس أعضاء المجلس بشكل منفرد أحياناً  تعويق أي قرار إدانة للهجوم على العاصمة طرابلس ففي الحالة الليبية نجد الأتي:

  • فرنسا وروسيا انتهاكات صارخة لدعم الداعشي حفتر، أملاً في تحقيق مكاسب ومصالح مضمونة باستبداده بالحكم ففرنسا تريد المحافظة على مكاسبها في أفريقيا وروسيا تريد التسلل لأفريقيا من خلال ليبيا، خارج وداخل اجتماعات مجلس الأمن! والواضح أنه لا توجد سياسة داعمة للوفاق واستغلال القانون، حق الفيتو، ضد الوفاق داخل مجلس الأمن.
  • بريطانيا وإيطاليا تدعمان حكومة الوفاق داخل وخارج اجتماعات مجلس الأمن. ولكن يظل الدعم السياسي محتشم يرافقه إلتزام داخل المجلس بالقانون.
  • الصين تأخذ موقف الحياد التام سياسياً وقانونياً.
  • الولايات المتحدة بشكل غير معلن تدعم حفتر وتجاهر بحكومة الوفاق وتتعاون معها في محاربة الإرهاب فسياسياً مصالح أمريكية متأرجحة وداخل اجتماعات مجلس الأمن قانونياً تلتزم الصمت!

توقعات الحل:

بمثل هكذا تأرجح في المواقف السياسية والقانونية لأعضاء مجلس الأمن نجد أن الحل يأتي من الداخل سياسياً مهما كان التدخل الخارجي. وربما سيكون أمام الشعب الليبي الدفع في أحد الاتجاهين أما هزيمة الداعشي حفتر سياسياً أو سحب البساط منه سياسياً:

  • إذن الواضح أن أداء الوزارات السيادية يكاد يكون مقبولاً من الدفاع والداخلية إلا أن هناك بعض الثغرات في المالية حيث هناك تواطئي دولي بشأن تصدير النفط خارج القنوات الشرعية مع التحذير المتكرر من مجلس الأمن بالخصوص. بالرغم من إحاطة السيد مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط برؤساء البعثات الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي بتلك الخروقات إلا أنه من الواضح الموضوع يحتاج إلى تكثيف الجهود بشأن متابعة تلك الخروقات قانونياً وسياسياً. يظل الضعف الواضع في الجبهة السياسية ويحتاج لتكثيف جهود التعاون بين المؤسسات الرسمية: المجلس الرئاسي، ومجلس النواب، ومجلس الدولة.  إلا أن هناك غياب واضح من السفارات الليبية بالخارج وضعف في المتابعة من قبل وزارة الخارجية. صحيح أن جبهة الدفاع عن العاصمة تسير وفق خطة ثابتة ودحر الغزاة مستمر وتأمين وزارة الداخلية واضح بالمجاهرة بالأمن وتأمين مؤسسات الدولة، لكن وزارة الخارجية تحتاج لتكيف حهودها بالدرجة الأولى مع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأفريقي والعربي!
  •   قد يستطيع رئيس المجلس الرئاسي استدراك الأمر بمناورة سياسية لسحب البساط من تحت حذاء الداعشي حفتر وذلك بانسحاب طرفي الصراع على أن يقوم معالي الرئيس بتشكيل حكومة وطنية حسب الاتفاق الأخير بأبوظبي ووقف نزيف الدم والدمار بخروج الطرفين خارج حلبة لعبة الصراع  الدولي وفسح المجال لدخول أطراف جديدة تهيأ لهم الحكومة الجديدة أرضية لعقد انتخابات والاستفتاء على الدستور.

مع قناعة الكاتب بأن هزيمة مليشيات حفتر لا مناص منها إلا أن المستثمرين في حفتر سيستمر تنغيصهم ضج بناء الدولة المدنية ما لم يتم هزيمتهم سياسياً.. ويستمر النضال من أجل الدولة المدنية وإن طال النضال.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

التعليقات: 2

  • ليبي شبه مثقف

    يا أستاذ … ياااا دكتور .
    كما تصر على أن تُفْهِمَنَا دائماً … الله يرحم والديك ، أرحمنا من هذا اللث والعجن ( والواقع أن ضيقي وألمي … وحتى بكائي ، من أجل الكتابة ، والكتابة وحدها ) صحافة !!!؟؟؟ للصحافة أصولها ، نقد !!! ؟؟؟ النقد رؤية عميقة ورؤيا فلسفية تستوعب ذاتها ومنطلقاتها وما تتطرق إليه بوعي متجاوز لها جميعاً ، إنشاء !!!؟؟؟ ، هنا فعلاً وفقط أتذكر صحفنا الحائطية في الرابعة والخامسة الإبتدائية ، والتي كنا نتبجح على بعضنا بعضاً بما يقبله المشرف على صحيفة فصلنا ( والذي هو في الغالب مدرس العربي ) متوهمين أن خربشاتنا كتابات حقيقية ، لكن وللأمانة والإنصاف ، لم يجرؤ أي منا في حمى تبجحه على إدعاء أنه أستاذ ولا دكتور ، لا لشيء إلا لأننا لم ننس ما تعلمناه في حصة ( هداية الناشئين ) من أنه ( رحم الله إمريءً عرف قدر نفسه ووقف عنده )

  • Abdullah

    عرب أم الجرسان والمناطق المجاورة .. من منطلق المسؤولية التاريخية وواجبكم الوطني ، يتطلب منكم القيام بالواجب عند دخول الجيش لطرابلس. يجب إحترام حقوق الشخص المقبوض عليه كما يجب أن ننبه ونحذر بعدم توجيه الاهانات أو تعريض الشخص للتعذيب أو المساس بعائلته أو أقاربه . القانون والجهات القضائية والأمنية ستتخد الإجراءات اللازمة . عاشت دولة ليبيا العربية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً