السياسي الغبي

السياسي الغبي

ا.د. محمد بالروين

أستاذ العلوم السياسية وعضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور

إذا كان الغباء هو الافتقار للذكاء والفهم وعدم شعور المرء بما يدور حوله، فإن السياسي الغبي هو الذي يتعاطى السياسة دون معرفة كافية ومنطق سليم في التعامل مع التحديات المختلفة، وافتقاره للمقدرة علي التعبير المطلوب لتوصيل أفكاره ومشاريعه وبرامجه للآخرين، مما يقوده للتسرع في اتخاذ قرارات منطلقاً من فرضيات خاطئة وأساليب عشوائية وأهداف وهمية.

أعراض الغباء السياسي

من أهم أعراض الغباء السياسي الآتي:

  1. اللاوعي يعني اللاشعور وقلة الإدراك وضعف الفهم لرأي أو قضية معينة، بمعنى السياسي اللاواعي هو شخص لا يدرك ولا يعرف سر وحجم قوته، مما ينتج عن ذلك ظهوره بمظهر الضعيف وتعرضه للاستغلال من قبل المنافسين له، وفي هذا الصدد يقول الكاتب المصري نجيب محفوظ (1911- 2006) “إن الضعيف هو الغبي الذي لا يعرف سر قوته، وأنا لا أحب الأغبياء”، ولعل أشهر استغلال ناجح لحالة اللاوعي في أمريكا، هو الشعار السياسي الذي يقول: “إنه الاقتصاد.. يا غبي“، والذي صاغه جيمس كارفيل الخبير الاستراتيجي في حملة بيل كلينتون الرئاسية عام 1992 ضد الحملة الانتخابية للرئيس جورج بوش الأب.
  2. اللاعقلانية تعني عدم مقدرة السياسي على التفريق بين الصح والخطأ، والحسن والقبيح، والمفيد والضار، وعجزه على التفريق بين الأصدقاء والأعداء، مما يقوده للتصرف بشكل عشوائي وغير مسؤول! أو كما صاغها الكاتب والفيلسوف المصري أنيس منصور (1924 – 2011) عندما قال: “العاقل يستفيد من أعدائه، والغبي لا يستفيد من أصدقائه”، أما الفنان والرسام الإسباني سلفادور دالي (1904 -1989) فيحذر من هذا النوع من الأغبياء بقوله: “لا تناقش غبياً لأن الناس لن يعرفوا.. أيكما الغبي؟” ولعل خير مثال على اللاعقلانية، في واقعنا الحالي، هو أن ترى سياسي يقتني نظارات جميلة وثمينة، ولكن بدلا من وضعها على عيناه ليحميها من الشمس ويرى بها، تجده قد وضعها فوق رأسه! فصدق المثل الألماني الذي يقول: “اللي ما يبيش أيشوف، ما تنفعاش النظارة”.
  3. العشوائية تحدث العشوائية عندما لا يعرف السياسي الخيارات المتنوعة والحقيقية المتاحة له لاتخاذ قراره، أو لوجود عوامل كثيرة غير واضحة ولا معروفه له، بمعنى هي حالة الافتقار الواضح لأنماط محددة ومبادئ تنظيمية واضحة وبذلك تكون النتائج غير متوقعة وفي أغلب الأحيان غير مرضية، بمعنى آخر، هي سوء الرؤى وغياب الخطط والغايات الواضحة، ولعل خير مثال على ذلك هو أن يتخذ سياسي ما قراره بناءً على افتراضات خاطئة ودون معرفة كيفية الخروج مما هو مُقدماً عليه.
  1. التكرر أنا هنا لا اقصد التكرار الإيجابي، أي إعادة فعل الشيء لجعله واضحا ومهماً ومعروفًا، لأن ذلك أسلوب مطلوب وضروري لإقناع الآخرين بما هو صالحا لهم، إنما الذي اقصده هو التكرار السلبين أي إعادة القيام بنفس الشيء، وبنفس الشخوص، وبنفس الأساليب، وبنفس الأدوات عدة مرات والإصرار على صوابه حتى ولو كان خطأً وغير مفيد، أو كما يقول عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين (1879– 1955) “الغباء هو فعل نفس الشيء مرات عديدة، بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة”.    
  2. الغرور هو مرض اجتماعي منبوذ في كل الثقافات والأديان، وهو دليل على الذل أكثر منه دليل على الكِبر، وهو مقبرة للمتكبرين في كل الأماكن والأزمان، وفي هذا الصدد يقول الفيلسوف والحكيم سقراط (470 ق.م – 399 ق.م) إن الغبي “هو المغرور الذي يدّعي أنه يعرف كل شيء أحسن من غيره”، أما الشاعر والفيلسوف جبران خليل جبران (1883 – 1931) فيقول: “ليس هناك من هو أسوأ من الغبي، إلا الغبي المغرور”، والأخطر ما ذلك كله في الغرور أنه يدفع بالشخص إلى التنكر للحق والبُعد عن الاستقامة.                         
  3. العناد يرى علماء النفس أن العناد هو حالة مِن التعبير عن رفض القيام بعملٍ ما حتى لو كان مفيدًا، والمعاندة هي المكابرة والمنازعة في المسائل المتفق عليها، من هذا الفهم، يمكن وصف السياسي بالغباء عندما يرفض القيام بعمل طُلب منه، أو إصراره على القيام بعمل ضد رغبات ناخبيه! بمعنى آخر، السياسي العنيد هو الذي يعتبر كل من يخالفه في الرأي إنساناً غبياً، ويرى نفسه دائما على صواب ولا يخطئ في أي شيء، والأخطر من ذلك كله أنه لا يستجيب للنصح بالرغم من وجود الأدلة والبراهين التي تثبت له عدم صواب رأيه.

 

  1. الحماقة الأحمق هو شخص لا عقل له، والحماقة مرض اجتماعي من الصعب علاجه، وفي هذا الصدد يقول الشاعر أبو الطيب المتنبي (915 – 965):

“لكل داء دواء يستطبّ به.. إلا الحماقة أعيت من يداويها”.

ولعل من أهم علامات الأحمق هي سرعة الجواب، والكلام في ما لا يعنيه، والجواب عما لا يسأل عنه، والتهور في الأمور، وعدم التثبُّت، ومخالطة الأشرار.

الخلاصة

باختصار لابد من تشخيص وعلاج ظاهرة ما يمكن أن نطلق عليها “متلازمة الغباء السياسي”، والتي تعني مجموعة الأعراض المتزامنة والمرتبطة مع بعضها البعض والمتعلقة بالغباء، ولعل من أهمها السبع التي ذكرتها أعلاه وهي: اللاوعي واللاعقلانية والعشوائية والتكرر والغرور والعناد والحماقة.

في ختام هذا المقال، لعله من الضروري التفريق بين ثلاث أنواع من السياسيين الأغبياء، والتي تُشكل ما يمكن أن نُطلق عليه “هرم الغباء السياسي” وهو:

أولا: سياسي غبي بسيط

هو سياسي عادي ذو نواية حسنة، تكمن خطورته في سهولة استغلاله من قبل الآخرين! وتتوفر به أعراض اللاوعي واللاعقلانية، وهذا النوع من الغبي هو ما قصده نابليون بونابرت عندما قال: “الغباء في السياسة ليس عائقا”، ولكن لابد من التعرف على هؤلاء السياسيين الأغبياء ومحاولة حوارهم وإقناعهم بأنهم على خطأ، ولابد من الصبر على أخطائهم لأنهم في الحقيقة صادقون في اجتهاداتهم وجادون في قراراتهم، حتى وإن كانوا على خطأ فهم يمثلون الأغلبية العظمى من الأغبياء في أي دولة.

 ثانيا: سياسي غبي المتهور

هو شخص عنيد ومُندفع، وينفد صبره بسرعة، ويصرّ على فعل ما يريد القيام به دون اعتبار للنتائج، ويحب أن تكون له طريقته الخاصة، بمعنى آخر، هو شخص تتوفر به من ثلاث إلى خمس أعراض من أعراض الغباء السياسي المذكورة أعلاه اللاوعي واللاعقلانية والعشوائية والتكرر والغرور.

ثالثا: سياسي غبي لئيم

هو أخطر السياسيين لأنه حسوداً جحوداً حقود، ولأنه شريراً وخبيثاً وفاسداً، فهو يقضي جلُ وقته للتفكير في التمرد وإيذاء الآخرين مع التمتع بالقيام بذلك، وتتوفر به على الأقل ست أعراض من أعراض الغباء المذكورة أعلاه، ولعل الشاعر أبو الطيب المتنبي (915 – 965) قد أجاد في وصف هذا الغبي عندما قال:

إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ… وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا.

في الختام، يمكن القول إن أسوأ وضع تعيشه دولة ما هو انتشار متلازمة الغباء السياسي بأعراضها السبع في آن واحد، مما يجعل الدولة محيط من الجحيم يحكمها أغبياء وطاردة للوطنيين والشرفاء وخصوصا الأذكياء والعقلاء والحكماء.

فعلى كل شعب يريد أن ينهض ويتقدم أن يتعامل مع هؤلاء بكل الطرق المشروعة، وأن يواجههم بكل الحجج والأدلة والبراهين واستخدام القوة إذا لزم الأمر ذلك، لأنهم رأس كل فتن وسبب كل بلاء.

فهل آن الأوان أن يتعرف أبناء وطني على هؤلاء السياسيين المتهورين واللؤماء، وأن يعملوا على إزاحتهم عن المشهد السياسي بكل الأساليب والطرق المشروعة؟.. أنا اعتقد أن ذلك قد حان.

أخيرا, يا أحباب، لا تنسوا أن هذا مجرد رأي، اعتقد أنه صواب،

فمن أتى برأي أحسن منه قبلناه،

ومن أتى برأي يختلف عنه احترمناه. 

والله المســـتعـان.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

ا.د. محمد بالروين

أستاذ العلوم السياسية وعضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور

اترك تعليقاً