المؤامرة الأمريكية! والغزوة الأوكرانية

المؤامرة الأمريكية! والغزوة الأوكرانية

فاضل بن عاشور

دبلوماسي ليبي متقاعد

هل غزوة كييف هي نتيجة مؤامرة أمريكية لاستدراج روسيا واستنزاف قدراتها في الحرب؟.

نتائج الحرب ستكون كارثية بالنسبة لأوكرانيا التي قدرت خسائرها حتى الآن أكثر من 100 مليار دولار، ولكنها ستكون غالية الثمن اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعسكريا على روسيا نتيجة تكلفة الحرب وحزمة العقوبات الأمريكية الأوروبية التي وصفها الرئيس الأمريكي بايدن بأنها الأقوى والأكثر أثرا في العالم، نتائج الحرب لم تتوقف عند أوكرانيا وروسيا والجوار الإقليمي بل تجاوزتها إلى أنحاء العالم بما في ذلك أمريكا وحلفائها وأصدقائها.

المؤشرات تشي بأن روسيا ستخرج من الحرب منهوكة القوى اقتصاديا وعسكريا كما حدث للاتحاد السوفييتي في حربه ضد أفغانستان وكما حدث لعراق صدام حسين نتيجة الحرب ضد إيران وغزو الكويت وكما يحدث للسعودية في حربها ضد اليمن.

روسيا ما بعد الحرب سوف لن تكون روسيا ما قبل الحرب، ويمكن القول إنه كما مثلت نتائج حرب أفغانستان إحدى العوامل التي قادت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، فإن نتائج الحرب على أوكرانيا قد تكون إحدى العوامل الرئيسية التي ستقود إلى عزلة وانكفاء روسيا الاتحادية على نفسها وتخليها عن استراتيجية التمدد الجيوسياسي في الجوار الإقليمي لاستعادة الإرث التاريخي للاتحاد السوفييتي.

قرار الحرب على أوكرانيا الذي اتخذه الرئيس بوتين يعد من أكثر القرارات خطورة ويمكن اعتباره خطأ استراتيجيي على غرار قرار الرئيس العراقي صدام حسين غزو الكويت، إذ يمكن القول إن بوتين قد أخطأ الحسابات العسكرية في غزو أوكرانيا اعتقادا منه بأنها مجرد نزهة عسكرية يتم خلالها احتلال العاصمة كييف وإلقاء القبض على الرئيس الأوكراني وزمرته وإحلال حاكم يأتمر بأوامر موسكو على غرار تجارب سوفيتية وروسية سابقة، أو محاصرة المدن الرئيسية واحتلال العاصمة والدخول في مفاوضات لفرض شروط الاستسلام على القيادة الأوكرانية، لم يضع حسابا للمقاومة الأوكرانية ومدى قدرتها على أن تُشكل فارقا في مجريات العملية العسكرية الروسية، كما ـنه لم يضع حسابا للمساعدات العسكرية واللوجستية الغربية والـمريكية التي ستتدفق على أوكرانيا اعتقادا منه أن حلف الناتو لن يتدخل وستقف الدول أعضاء الحلف مكتوفة الأيدي تتفرج على اجتياح قواته لأوكرانيا، كما حدث في اجتياحاته السابقة، واعتقاده أن سلاح العقوبات الاقتصادية الذي تلوح به أمريكا سوف لن يؤثر في مجريات عملية الاجتياح.

وفي المقابل فقد أخطأ الرئيس الأوكراني زيلنسكي تقدير الموقف الجيوسياسي، وأساء تفسير وفهم الرسائل التي بعث بها الرئيس الأمريكي بايدن ورؤساء أوروبا، رغم أن الرسالة الأمريكية كانت واضحة بأن المقاطعة والحظر الاقتصادي  لروسيا هي السلاح الذي ستلجأ إليه الحكومة الأمريكية وحلفاؤها، وأنه حظر شامل غير مسبوق لم تعرفه روسيا من قبل، ويبدو أن سقف توقعات الرئيس الأوكراني كان عاليا جدا لدرجة أنه طالب حلف الناتو بالتدخل المباشر! وطالب بمنطقة حظر جوي فوق أوكرانيا، كما عبر عن الإحباط والأسف “لترك بلاده لوحدها أمام العدوان الروسي” ولم يعي أن حلف الناتو حلف دفاعي لأعضائه فقط وأنه يتجنب المواجهة المباشرة مع روسيا لمنع نشوب حرب عالمية ثالثة، كما طالب بحرمان روسيا من حق الفيتو وتعليق عضويتها في مجلس الأمن وهي طلبات غير واقعية ولا يمكن تنفيذها في ظل القواعد المعمول بها في مجلس الأمن.

من جهة ثانية، تبرز أزمة اللاجئين الأوكران باعتبارها من أشد الأزمات الإنسانية التي شهدتها القارة الأوروبية خلال الأعوام الماضية، الذين قارب عددهم 3 مليون لاجئ في تزايد مستمر قد يصل إلى 7 مليون في حالة استمرار الحرب.

النتائج الإنسانية والاجتماعية لهذه الحرب لن تتوقف عند روسيا وأوكرانيا ولكنها تشمل دول الجوار الجغرافي التي تُشكل الجناح الشرقي للناتو وعلى رأسها بولندا ورومانيا وبلغاريا وصربيا ودول البلطيق خاصة مولدوفا ولاتفيا وبقية دول شرق أوروبا التي استضافت عشرات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين الفارين من الحرب الذين تتزايد تدفقاتهم كلما سمحت لهم القذائف والصواريخ الروسية.

النتائج الجيوسياسية للحرب ستلقي بظلالها على الاتحاد الأوروبي وعلى حلف شمال الأطلسي، وان متغيرات جيوسياسية واقتصادية قد تطرأ على الساحة الدولية وعلى النظام العالمي بفعل مؤثرات الحرب وتداعياتها، سيناريوهات محتملة، وتوازنات جديدة على الساحتين الإقليمية والدولية.

السيناريوهات والخيارات المحتملة:

أولا: إطالة أمد الحرب بسبب زيادة وتيرة ونوعية تدفقات الإمدادات العسكرية الغربية لأوكرانيا بما في ذلك تزويدها بطائرات مقاتلة (ميغ 29)، الذي من شأنه أن يوجد نوعا من التوازن العسكري على أرض المعركة يعزز من قدرات القوات الأوكرانية على المقاومة، والذي يترجم على أرض الواقع في زيادة وارتفاع التكلفة العسكرية والاقتصادية والبشرية للحرب لدى كلا الطرفين.

ثانيا: توسيع حجم ونوعية العقوبات المالية والتجارية الغربية والدولية على روسيا، كما يطالب الرئيس الأوكراني وبعض قادة أوروبا.

ثالثا: فرض حظر أوروبي على صادرات روسيا من النفط والغاز، كما يطالب الرئيس الأوكراني بذلك، هذا الخيار يطرح تحديات وقيود على الدول الأوروبية وتساؤلات حول مدى إمكانية توفر بدائل لإمدادات النفط والغاز الروسي إلى دول أوروبا التي يتراوح اعتمادها على الإمدادات الروسية بنسب متفاوتة قد تصل إلى أكثر من 50% لدى بعضها، ونظرا لعجز السوق العالمي عن تغطية العجز في الإمدادات من النفط والغاز في حالة الاستغناء عن الإمددات الروسية، لذلك لجأت بعض دول أوروبا وعلى رأسها بريطانيا &لى سياسة التقليل التدريجي من الاعتماد على الغاز الروسي.

رابعا: فرض الولايات المتحدة الحظر الشامل على وارداتها من النفط الروسي، تستورد الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 10% (750 ألف برميل في اليوم) من وارداتها من النفط من روسيا، وهي في نفس الوقت أكبر دولة منتجة ومصدرة للنفط للسوق العالمية.

خامسا: إلحاق أكبر قدر من الضرر بالاقتصاد الروسي وبقدرات روسيا العسكرية ويشكل هذا هدفا محوريا في الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة الغزو الروسي، قدرت المصادر الأمريكية حجم الخسائر العسكرية الروسية في الأسبوعين الأولين ما بين 2000 و3000 عسكري وتحييد حوالي 10% من الآليات العسكرية، وتقدر المصادر الأوكرانية حجم خسائر روسيا بأكثر من 10 آلاف عسكري.

سادسا: عزلة روسيا وتراجع دورها الجيوسياسي في العالم.

  • وقف التمدد الروسي العسكري خارج حدود روسيا الاتحادية اي تراجع الكرملين عن استراتيجية التمدد في المجال الحيوي الروسي.
  • الانكفاء على الداخل لترميم الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الروسي والقطاع العسكري ومعالجة إخفاقات المؤسستين السياسية والعسكرية فيما يتعلق بقرار الحرب وإدارتها، التي قد يكون من بينها إعادة تشكيل المنظومة القيادية في المؤسستين بما يؤدي إلى إمكانية استبعاد بوتين عن الرئاسة.

سابعا: في ظل المعطيات الراهنة وسير العمليات يصعب التنبؤ بنهاية الحرب ونتائجها العسكرية والسياسية رغم الفارق الكبير بين قدرات الدولتين ورغم إصرار روسيا على تحقيق النصر العسكري وتحقيق الأهداف السياسية للحرب.

ثامنا: إمكانية التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، بناء على وساطة دولية، مع صعوبة التنبؤ بالشروط التي قد تقبل بها القيادة الأوكرانية ضمن اتفاق وقف إطلاق النار (نزع سلاح أوكرانيا، إعلان حياد أوكرانيا، عدم انضمامها لأية أحلاف بما في ذلك حلف الناتو، استبعاد القوميين المتطرفين أو النازيين الجدد).

تاسعا: دخول المقاتلين “المتطوعين” والمرتزقة (السوريين والفاغنر وغيرهم) في الحرب ‘لى جانب القوات الروسية قد يكون مؤشرا على حجم خسائر هذه القوات، كما أن الاستعانة بـ16 ألف مقاتل “متطوع شرق أوسطي” قد تكون له أثار جيوسياسية أهمها تخفيف الضغط على جبهات أخرى من بينها ليبيا، وفي احتمال آخر قد تجعل من ليبيا مركزا لتجميع مرتزقة روسيا من الفاغنر وغيرهم المتواجدين في إفريقيا، ومن ثم إعادة نشرهم ونقلهم إلى أوكرانيا.

عاشرا: تظل المخاوف قائمة من احتمال لجوء بوتين إلى السلاح النووي المحدود وأسلحة الدمار الشامل الكيماوية والبيولوجية.

الخاتمة

في جميع الأحوال ستخرج روسيا وأوكرانيا من هذه الحرب منهوكتي القوى وستظلان تعانيان لمدة زمنية غير قصيرة من الآثار السلبية المدمرة للحرب وتداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية والإنسانية، وستعيش أوروبا مرحلة جديدة من أزمات الطاقة والهجرة نتيجة تدفق الموجات الجديدة من المهاجرين عبر أوكرانيا التي تعد الأكبر منذ عام 2015، ويظل الاقتصاد العالمي يعاني من أزمة جديدة في الطاقة، ويقع العبء الأكبر على شعوب العالم خاصة الدول الفقيرة التي يتعرض فيها الأمن الغذائي لمخاطر غير مسبوقة نتيجة شح وارتفاع أسعار الحبوب وفي مقدمتها القمح ومن ارتفاع أسعار الطاقة، ومن جهة أخرى، يتعزز الوجود العسكري على الحدود الشرقية لحلف الناتو، وتضع أوروبا على رأس أولوياتها مسألة تقليل الاعتماد على واردات النفط والغاز الروسي، وسيحظى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بأولوية وأهمية فائقة من خلال تعزيز دور الحلف وتقوية جناحه الشرقي.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

فاضل بن عاشور

دبلوماسي ليبي متقاعد

اترك تعليقاً