المهجّرون السوريون، بين قسوة القريب وشفقة الغريب!!

المهجّرون السوريون، بين قسوة القريب وشفقة الغريب!!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

الهجرة عموما ليست وليدة هذا العصر بل هي قديمة قدم الانسان وكانت ضرورية مع بدايات الاعمار البشري للأرض الواسعة ،  فما عمرت هذه الارض الا من خلال هجرات طوعية متتابعة ومشروعة لبني البشر في الارض الواسعة بحثا عن العيش وسبل الحياة حيث لم تكن هناك ثمة حدود مرسّمة  ولا قوانين او لوائح تقيّد الهجرة في عصور ما قبل قيام الدول بحدودها المعروفة الان… لكن مع التطور الانساني ونشوء الدول الحديثة وترسيم الحدود قُنن الترحال والسفر بقيود معينة مما جعل السفر خارج تلك القيود يصنف بهجرة غير شرعية!

جدير بنا التفريق بين المهجّرين قسرا نتيجة للحروب الطاحنة التي تدور رحاها على ارضهم ،  وبين المهاجرين طوعا من اولئك الذين يبحثون عن فرص تحسين اوضاعهم ولذلك قرروا الرحيل من بلدانهم اختيارا وطوعا لا كرها وإجبارا. ان المهجّرين من بعض الاقطار العربية وعلى رأسهم سوريا التي تدخل الحرب الشرسة فيها العام الخامس على التوالي ، وكذلك اليمن وليبيا التي شهدت وتشهد معارك دامية ولو بدرجة اقل من سورية! يفرون  من لهيب المعارك من هذه الاقطار مجبرين على الرحيل ومغادرة ديارهم لانعدام العيش فيه في ظل ظروف الحرب حيث لا خيار امامهم الا الموت او الرحيل.

الذي يدمي القلب حقيقة هو حالة المهجّرين المزرية ، وتعرضهم لظروف قاهرة وصعبة خلال رحلة الموت والتي هي العامل المشترك بين المهجّرين والمهاجرين ، فكل منهما يتجشم المخاطر مغامرا املا في الوصول الى جهة مقصودة يرى انه بإمكانه العيش فيها بكرامة او على الاقل بظروف احسن مما هو فيه في بلده الام! وأمام القوانين والإجراءات الدولية التي تضبط عمليات السفر والتنقل ، لا يجد كلا المهجرين او المهاجرين بدا من اتباع طرق غير شرعية في الوصول الى مبتغاهم ، وهم يعلمون انهم يغامرون بحياتهم ويخاطرون بأنفسهم من اجل غاية واحدة هي الوصول الى بلدان تمنح اللجوء الانساني وتوفر لهم قدرا من الانسانية والاحترام.

الذي هز ضمير العالم هذه الايام صور القتلى من ضحايا الهجرة “الغير شرعية” عبر قوارب الموت في البحر المتوسط والمنطلقة اغلبها من ليبيا نتيجة الفوضى ، ومن بعض الدول المتوسطية الأخرى ،  فقد تكفلت شواطئ المتوسط بفضح جرائم تجار الموت حين تقاذفت امواجه جثثا طرية لرجال ونساء وأطفال ، قضوا غرقا في عمق البحر نتيجة جشع وعدم انسانية متعهدي تجارة البشر والموت! المثير والمبكي في هذا المشهد التراجيدي هو التخاذل المخزي من قبل الدول العربية والإسلامية التي لم تحرك ساكنا امام مأساة السوريين واليمنيين والليبيين والذين يهجّرون قسرا من بلدانهم في هذه الايام كنتيجة للمعارك الطاحنة التي تجري على اراضيهم ، فأين الشهامة والنخوة العربية والاسلامية؟! واين من يدّعون انهم حماة الاسلام وخدمه من هذا التخاذل والهوان؟! هل يقبل ان تقسوا الانظمة العربية والاسلامية على بني جلدتهم عرقا ونسبا ودينا ، حتى توصد ابواب دولهم امام البؤساء من السوريين واليمنيين والليبيين!؟ هل يعقل ان تمعن دول ذات قدرات مالية عالية مثل السعودية ودول الخليج في تشديد اجراءات السفر على مهجري هذه البلدان بعد ما لحق بها من حرب ودمار؟!

يا للحسرة وخيبة الامل عندما يموت الضمير الانساني لدى قادة دول عربية وإسلامية فتقسوا على المهجّرين الغلابى من دول الصراع وتمنعهم من اللجوء إليها ، في حين يحيا هذا الضمير ويتحرك في قادة دول غربية ليست اسلامية فتشفق عليهم وتستقبلهم وتحتضنهم!؟ اليست هذه مدعاة للحسرة والتأسف على حال العرب والمسلمين هذه الايام؟! اليست هذه وصمة عار وشنار في جبين كل حاكم عربي وإسلامي من الدول المستقرة وما أكثرها!؟ هل من صحوة انسانية تعيد لحكام العرب والمسلمين ضميرهم الذي مات وتنفخ فيهم روح الشعور بلهفة الملهوف ومعاناة المهجّر المسكين؟! هل يختشي اولئك الحكام ويعتذرون لشعوبهم اولا ثم للضمير الانساني على خطأهم الفادح في حق بني جلدتهم ودينهم الذين اصابهم القرح والضنك !؟ فيقررون بروح المسئولية فتح حدود دولهم للمهجرين من ويلات الحروب من اخوتهم العرب والمسلمين ويعدون لهم استقبالا يليق بإنسانيتهم ويوفرون لهم الحدود الدنيا من حقوق الانسان ولو مؤقتا حتى تزول غمة وكرب تلك الدول؟!

ان الحل الشامل لمأساة المهجرين العرب من سوريا هو ان يعاد الامن والاستقرار في سوريا ذاتها ، فلو تخلّت بعض الدول العربية والإسلامية على تعنتها ومساندتها لطرف ضد اخر لما استمر الصراع! فمتى يصحو الضمير وترفع كل الدول العربية والإسلامية يدها عن سوريا ، وتقرر مجتمعة دعم عودة الاستقرار للقطر السوري في اتجاه واحد معياره الاغلبية من الشعب السوري ، عبر استفتاء عن حكومة انتقالية محددة الزمن والمهام؟! متى يستفيق الضمير وتعود النخوة فيقرر القادة العرب والمسلمون احتضان المهجّرين مؤقتا من خلال اقامة مدن خاصة لهم تتوفر فيها سبل العيش الكريم وحقوق الانسان ويسدّون عليهم مشاق رحلة الموت الى الغرب!؟ متى يفيقون ومتى يستحون ومتى  يقررون محو اثار “قسوة القريب وشفقة الغريب” ! من ذاكرة وعقول العالم والمهجرين السوريين على وجه التحديد؟! متى …متى ؟؟!!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 1

  • نافع

    اولا :—الشعوب العربية لم تتخاذل واستقبلت مئات الآلاف بل بعضها استقبل الملايين من اخوتنا السوريون ..لكن لم تكن هناك تغطية إعلامية عربية لأنه واجب الأخ لاخوه ولايجب أن ينشره في وسائل الإعلام …وإنما يحدث الآن هو أمر دبر بليل لأن الأخوة السوريون ميسوري الحال والذين يعيشون في الدول العربية باعو كل شي وركوب زوارق الموت هم وأبنائهم !!!!
    ثانيا :—لماذا تسفهون كل شي يفعله المسلمون وتمجدوا كل شي يفعله غيرهم …الله المستعان

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً