بين الأخ الأمين ومعالي الوزير!

بين الأخ الأمين ومعالي الوزير!

يتندر الليبيون هذه الأيام بأشياء كثيرة قد يكون من أبرزها –بصراحة- إن شيئا لم يتغير بعد التحرير سوى العلم والنشيد ، كناية وتعبيرا عن حالة الإحباط واليأس التي اجتاحتهم بعد سقوط النظام السابق ، وأملهم الذي خاب – مؤقتا- في رؤية ليبيا جديدة تختلف جذريا عما ألفوه وعاشروه في أيام قد خلت من قبل .قد تجد من يتذمر بالقول أن المجلس الانتقالي المؤقت ليس إلا أمانة لمؤتمر القذافى العام بواجهة جديدة ، وآخر يتهكم بان مكتب الاتصال باللجان الثورية سئ الذكر تتماهى معه العديد من التكوينات الطافية على السطح مؤخرا ولاداعى للتخصيص هنا منعا للإحراج ، وربما تجد آخرا يستشيط غضبا من أصحاب المعالي وزرائنا الجدد إلى حد نعته لهم “بأمناء العهد الجديد”.

قد يكون هذا التعبير الأخير نابع من أسس وحقائق تجد ما يعاضدها في الواقع السياسي المعاش في ليبيا حاليا ، فالأمر يبدو وكأنه لم يتغير كثيرا بعد ثورة 17فبراير، فالإخوة الأمناء السابقين على حكم القذافى وأبنائه لم تكن تتوافر في جلهم –إن لم نقول كلهم- ادني مقومات الشخصية القيادية الناجحة فضلا عن افتقارهم للصفات الإنسانية والأخلاقية والدينية وهو ما انعكس بشكل واضح على أدائهم السياسي والوظيفي القائم أساسا على الولاء والطاعة والدوران في فلك الرجل الواحد الذي لايعصى ما أمر ولا يؤتى بما نهى، الأمر الذي انحدر بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى مستوى القاع وساهم في خلق بيئة فاسدة رسمت صورة ممسوخة للمسئولين القياديين الذين اثبتوا استحقاقهم بجدارة لصفة “عدم الأمانة” .

وبعد حرب التحرير كان الأمل يحذو الجميع في أن تتغير الصورة القاتمة للمسئول الذي يتولى شؤون الرعية ولم يكن الأمر يقتصر على الرغبة في أن تخط كلمة”الوزير” على مكتب كل مسئول ليحس هؤلاء بان ثمة أمر جلل قد وقع ، بل كانت الامانى تتعدى ذلك إلى رؤية رجال يحملون “الوزر”الذي ألقى على عاتقهم ويجدون السعي في تحقيق المطالب والرغبات رغم عظمها وصعوبة انجازها.

غير إن الوزير “خادم الشعب” لم يكن فيما يبدو إلا نظرية يتدارسها طلاب الجامعات ويحفظونها عن ظهر قلب ، وأوهام وخيال عند الشعب التائه الذي حلم بها أثناء اليقظة ، فعلى الرغم من أن علماء الإدارة وعلم النفس مثل”تيد،برنارد،شيل،كانت” قد أسهبوا في توضيح السمات التي يجب وأن تتوافر في شخص القيادي كالمعرفة بالهدف والسبيل نحو تحقيقه والحماسة والود والمحبة والاستقامة والتحلي بالإدراك الفني والحزم والذكاء والمهارة التعليمية والإيمان، إلا انك لاتكاد ترى كثيرا من هذه الصفات في كثير من وزراء الحكم الحالي والسابق، فالوزير الموقر تقوده شلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة كانت هي المحيطة فيما سبق” بالأخ الأمين” تسير شؤونه وتنفذ قراراته وهو قابع في مكتبه لا يدرى ما يتسرب من تحته ولا ما يحاك من خلفه مما يعطيك انطباعا على انعدام “المعرفة والإدراك الحسي” لدى هذه النوعية من المسئولين ، وقد تجد المسئول لا يفقه شيئا من تفاصيل العمل الفني القائم عليه ولا حيثياته أو كيفية الإدارة الرشيدة له لافتقاره لمهارات “الذكاء والقدرة العملية “وقد تنتهي فترة ولايته الوزارية ولا يعلم ما قد قدم وما قد آخر ،أما عن الموضوعية في اتخاذ القرارات والبعد عن شخصنة الأفعال وردوها فحدث ولا حرج “فأمناءنا الجدد “يحذقون الرد الصاع بصاعين وبسرعة الضوء فيما يتعلق بالتهم الموجهة لهم بالتقصير والإهمال ويتمهلون في اتخاذ المواقف عند الطوارئ، فكما قال “فيدلر”صاحب نظرية “الشرطية التفاعلية”إن نمط القادة يكون فعالا ولكن يتوقف ذلك على الموقف الذي يعمل فيه المدير من حيث موقف عمله مع المجموعة ونوعية القائد وشخصيته وأسلوب اقترابه وتفاعله مع المجموعة ومما لاشك فيه أن الخصومة قائمة بين اغلب مسئولينا وهذه المقومات وهو ما يجعلهم ينبرون في التصدي لكيل الاتهامات-انظر حال المجلس والحكومة هذه الأيام-لبعضهم البعض مؤكدين بان النمط السابق لازال على حاله وليس بوسعنا أن نقارن بين كيف كنا وكيف أصبحنا.

نعم من حقك أن تتساءل ما الذي اختلف بين ما قبل وبعد التحرير؟وهل أن كل ما هنالك أن “الأمين” قد قام بما يتحتم عليه من تضييع للأمانة وان الوزير قد القي ما على كتفيه من وزر حتى يكون اخف وأسرع في القيام بمهام أخرى؟على كل حال نحمد الله ليل نهار وسرا وجهرا على أن ما نمر به ليس إلا فترة انتقالية اقتضى الأمر أن تصبغ وزرائنا بذات الصفة المؤقتة وإلا لكان من قدر هذا الشعب المسكين أن يضيع بين معالي الوزير والأخ الأمين.

سالم محمد كشلاف

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً