تجريم تمجيد الطاغية يزع بالسلطان مالا يزع بالقران

تجريم تمجيد الطاغية يزع بالسلطان مالا يزع بالقران

حرية الراى، قيمة سامية في حياة البشر كفلتها الرسالات السماوية والمواثيق والأعراف الدولية والدساتير والقوانين الداخلية للدول ،ولكنها ليست قيمة مطلقة ، فلها حدودها ومقيداتها فليس كل رأى يؤخذ به وليس كل تعبير يمكن وان نجنى من ورائه النفع والمصلحة.

في هذا الإطار صدرت العديد من الآراء المعقبة على القانون رقم 37 لسنة 2012 القاضي بتجريم تمجيد الطاغية ، منها من اثر التصدي لأحكام هذا القانون بالنقد والاعتراض على ما حواه ، وذلك بحجة انه يتعارض مع حرية الراى والتعبير التي كفلها الإعلان الدستوري المؤقت والاتفاقيات الدولية ، وقد يكون من المفيد طرح هذا الموضوع على بساط البحث لعلنا نصل إلى نتائج واضحة ومحددة .فلا اعتقد – من وجهة نظري الخاصة – بان فعل” الثناء على معمر محمد عبد السلام ابومنيار القذافى ونظام حكمه وأفكاره وأولاده وتمجيدهم وإظهارهم بمظهر الصلاح أو البطولة أو الإخلاص للوطن وقلب الحقائق وتضليل الناس حول تصرفاتهم وما ارتكبوه في حق البلاد وأهلها والدعاية لذلك النظام وأفراده ” الذي جرمه القانون المذكور يعد من قبيل حرية التعبير في شئ ، ونحن ننطلق في هذا الراى من أسس وحقائق واقعية وقانونية وتاريخية بحثة ، وليس مجرد نزعات أو مشاعر عاطفية جياشة. فالتصريح والجهر “بملائكية”معمر ونظام حكمه وادعاء صلاحه وفلاحه والسماح بذلك ورعايته بدعوى احترام حرية الراى من شانه أن يؤذى مشاعر أمهات الشهداء وآباء الجرحى وأبناء المفقودين ويولد لديهم الشعور بان ثمن الحرية الممهور بدمائهم قد ذهب سدى ، كيف لا وهم يرون من سبب لهم الألم والحزن بفقد أحبائهم يزكى ويمجد ويعلى شانه في الساحات وعبر وسائل الإعلام على رؤوس الأشهاد وهو ما كنا لنرضى به والله ، ولا أن نرضى بان نرى الحزن يتجدد في أعين هؤلاء ، وأنا هنا اطرح تساؤلا: من الأحق والأولى بالتقدير والمراعاة: اسر الشهداء والمفقودين والجرحى أم أتباع نظام دموي مارق لو مكنهم الله منا لعلقونا على المشانق حفاة عراة؟!!! أسئلة واقعية على من يتصدر حملة الدفاع عن حريات وحقوق أتباع القذافى أن يراجعوها قبل أن يؤذوا آذان وأسماع ذوى الشهداء والجرحى والمفقودين باى سوء.

عليهم أن يراجعوا نصوص العهد الدولي الذي نص في المادة 19-3 على انه ينبغي أن تكون القيود على حرية التعبير “منصوص عليها في قانون” وان تكون ضرورية “لاحترام حقوق الآخرين وسمعتهم” “وحماية الأمن القومي” -والذي من الممكن وان يتهدد بدعوات أتباع ومنظري النظام الزائل من خلال النيل من المصالح البنيوية للدولة سواء كانت مصالح عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو أخلاقية واجتماعية- “وحماية النظام العام ” و “الصحة العامة والأخلاق”.عليهم أن يطلعوا على من سبقوهم في “أبعاد الزمن الديمقراطي” ويقرؤا التاريخ جيدا ليتعلموا بان حتى الدول التي تدعى اعتلائها سلم التحضر والحداثة كدولة ما يعرف بإسرائيل لا تتسامح في اتخاذ ما يلزم حيال من يحاول إنكار ما اصطلح على تسميته ب”الهولوكست” ، فبدا من المحامى الامريكى”فرانسز باركي يوكى” الذي أوكلت له مهمة إعادة النظر في محاكمات “نورمبرغ” عام 1946 والذي أعلن عن امتعاضه من عدم نزاهة جلسات محاكمة النازيين والتي كلفته الطرد من منصبه ، إلى المؤرخ البريطاني”ديفيد ايرفينغ” الذي حكمت عليه محكمة نمساوية في 20 فبراير 2006 بالسجن لمدة 3سنوات لإنكاره للهولوكست في كتابه hitla,s war مرورا بالصحفي الكندي”ريتشارد فيرال” الذي تم استبعاده من كندا من قبل المحكمة الكندية العليا عام 1992 لنشره كتاب”أحقا مات 6 ملايين”!

وفي ألمانيا اعتبرت المحكمة الدستورية الألمانية عام 2009 أن تجريم تمجيد النازية متوافقة مع حماية حرية الراى وجاء في حيثيات المحكمة أنها تعاقب على التصريحات التي تمجد النظام النازي وانه نظرا للذعر والظلم الذي تسبب فيه النظام النازي جعل الدستور في تلك النقطة استثناء بحظر الآراء التي تمجد هذا النظام ويمكن تفسير الدستور في هذا الإطار”على انه نموذج مضاد لشمولية النظام النازي”.وحتى في فرنسا صادق البرلمان الفرنسي على قانون تجريم إنكار إبادة الأرمن وان نقضه المجلس الدستوري الفرنسي على الرغم من أن الجاني “تركى” والمجني عليه “ارمنى” فلماذا يتباكى منظري حقوق الراى على حرية تعبير أتباع النظام السابق إذا؟!

لطالما قلناه ونعيدها مجددا لكل من اتبع النظام الذي أباد شعبه وسامه سوء العذاب ونكرر على أسماعهم قوله تعالى ” ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار” فهي أحق وان تتبع ، ولكن لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، فما كان من بد إلا أن نحذو حذو ذي النورين حين قال “يزع الله بالسلطان مالا يزع بالقران” عندها سيرى أتباع من هلك اى منقلب ينقلبون ؟

سالم محمد كشلاف
Keshlaf79@yahoo.com

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً