تحديات المجتمع المدني بليبيا وواقع التعايش معه

تحديات المجتمع المدني بليبيا وواقع التعايش معه

الحارث الشيباني

كاتب وناشط مدني

لا شك أن المجتمع المدني بليبيا منذ 2011 مر بتقلبات زمانية وتطورات في بيئته وكيفيته، بالإضافة إلى ذلك مروره على العديد من الأزمات المختنقات مؤدية إلى تأطير عمله وتأثيره في كيانات المجتمع المختلفة، عبرت عنها شريحة كبيرة من مكونات المجتمع وخاصة المتأثرة بسلبياته وفجواته، ويمكن ترجيه أن ما حدث كان نظرا لعدم نضج فكرة الوجود المدني بليبيا قبل 2011 وحتى يومنا هذا، ووجود علامات دالة واستفهامات عديدة من قبل الأفراد والمؤسسات والإدارت والكيانات المختلفة بالمجتمع الليبي لفعاليته ونجاحه في العديد من الجوانب منها مثلا، تهدئة خطاب الكراهية المتزايد منذ 2011، الحد من انتشار السلاح والتشكيلات المسحلة والمجموعات الخارجة عن القانون، وأيضا توضيح بعض المشاكل الليبية مثل التزايد الواضح للهجرة غير شرعية ودعم الحد منها وعدم توطين المهاجرين، ودعم استقرار البلاد.

وأيضا نجد أن هناك تباين واضح في المشاريع والتيارات والوجهات التي تمركزت عليها العديد من المؤسسات المدنية بليبيا، نتيجة إما اختيار أو ضغوطات جغرافية واجتماعية وسياسية، أدت إلى فقدان ثقة هذه الجهات بمرور الزمن وارتفاع الصراعات بين بعضها البعض واتهام بعضها البعض بعدم النزاهة والشفافية والابتعاد عن مبادئ الحياد وعدم الخوض في السياسة، فتجد منها من تم تمويله بأشكال غير واضحة، ومنها ما وجه صوب استقطاب الثلل من العقول والمفكرين واليافعين الشباب والاستفادة منهم في أجندات وأعمال لتيارات وأجسام مختلفة قطرية وعالمية، ومنها ما حاول تعزيز توطين المهاجرين والحد من تدافعهم نحو البحار مما أدى إلى غضب شعبي، وغيرها من العوامل الأخرى التي لامسها المجتمع الليبي واستشعر بها في الكثير من المواقف والأخبار التي عصفت مواقع التواصل الليبي.

لاشك أن مثل هذه الأعمال عزّزت من الخناق والتضييق على عمل المجتمع المدني ومهاجمة ما فيه من نجاحات وحرص لتنفيذ المشاريع المميزة للعديد من الشخصيات والمؤسسات ومنها مثلا التي عززت وحرصت على توظيف الأموال الممنوحة من قبل المانحين المحليين والدوليين في مشاريع وبرامج خيرية هادفة تحقق النماء والتطور المجتمعي، ودمج المحاربين والمهاجرين في المجتمع الليبي في تضاريس وتحديات مريرة، وجدت بعد مرورها الكريم في حقبات ومراحل صعبة.

وإن تابعنا مع حدث في الأيام الماضية والتي فيها إعراب العديد من الأطراف المحلية والدولية المهتمة بشأن المجتمع المدني وتطوره في ليبيا عن قلقها إزاء ما يحدث من تضييق على العديد من الأجسام والأفراد العاملة فيه، مع انتشار بعضا من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت للوصول إلى هذا المختنق من الحالة الليبية وعدم وجود رؤية تمكن المجتمع المدني وكياناته وإداراته من إيجاد مخارج لها أو آليات للتخفيف من حدة الحساسيات التي كانت مبناة على فراغات زمانية وعوامل أدت إلى وصوله لهذا المستوى، وبالتالي، يصبح المجتمع المدني في حالة مبهمة في وجهته وقد تتم إغراقه بالكامل لتصبح عوامل النقد البناء والموجه لكافة القطاعات والجوانب المجتمعية مقيدة ومتروكة بشكل كلي على من يرأسها، وهذا ما قد يضر التطور الاجتماعي والسياسي والمدني لليبيا والليبيين أجمع.

ولابد علينا أن نستجمع أنفسنا ونعمل على تهدئة الوضع الحالي بإيجاد طاولة حوار مشتركة بين الأجسام والكيانات المختلفة التي رأت ما رأت من تجاوزات والعلامات تحتاج إلى تفسير وتوضيح في المجال المدني، بالإضافة إلى وضع أساسات لعمل الأجسام المجتمع المدني كلها بشكل سلس وواضح للكل وبعيدا عن التقارير المفاجأة وطلبات للبيانات الحساسة والتي لا تُشكل مصدرا للأمن القومي ولا حتى تأثر بأي شكل من الأشكال فيه والعمل على التركيز في مصادر المنح وآلية العمل وموادها، ويجدر الإشارة هنا لأهمية وجود العناصر الوطنية ذات الخبرة الطويلة في هذا المجال تعين الحكومة والجهات المنوطة بمراقبة وتيسيير العمل المدني، مع وجود مستشارين من مجالات أخرى تسمح بفتح أفاق للصناعات والتجارة والريادة مع العمل المدني، دافعة بذلك عجلة التطور والعمل بليبيا ولكافة المواطنين.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

الحارث الشيباني

كاتب وناشط مدني

اترك تعليقاً