تقرير ديوان المحاسبة مجرد فقاعة.. ودولة الهيدقة باقية وتتمدد!

تقرير ديوان المحاسبة مجرد فقاعة.. ودولة الهيدقة باقية وتتمدد!

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

كل ذي بصيرة يدرك وبسهولة، إن ما آلت اليه الأمور في ليبيا اليوم من فساد وعبث هو نتيجة حتمية لحالة الفوضى التي أصابت البلد ما بعد 2011م، هذه الفوضى التي طال أمدها فتجاوزت عقدا من الزمان ونيّف، وكان ولا يزال عنوانها “الفساد الفساد، والعبث العبث” بمقدرات البلد المالية في غير وجه حق، من منطلق أن المال العام غنيمة لكل مسؤول، وفرصته التي لن تتكرر من الاستحواذ والاكتناز، ولذلك أرى الجميع من المسئولين في سباق محموم مع الزمن، أيهم يستحوذ أكثر ويكنز أكثر من مال الشعب المقهور وكأنه “تركة” لا ورثة لها، فصار مستباحا في وضح النهار.

إن حالة الفوضى التي تعيشها البلد وعدم الإستقرار ادت الى غياب تنفيذ القانون رغم وجوده فقد جُمدّت القوانين حتى حسب البعض أنه لا وجود للمسائلة وللمحاسبة اصلا، الأمر الذي جعل عموم الشعب يستكين ويرضخ لتأثير هذه الهالة فيتماهى مع ماهو سائد واقلها أن يتجاهل المخالفات ما صغر منها وما كبر، ذلك أن حالة من اليأس قد سيطرت على المجتمع الليبي الذي لم ير خلال اكثر من خمسين عاما حالة حساب واحدة لمسئول كبير مهما كان حجم المخالفات المسجلة عليها والتي تظهر في تقارير الجهات الرقابية بين حين وآخر، إذا طبيعي جدا أن يسيل لعاب الطامعين أمام ثروة – حباها الله أيانا – تتدفق من باطن الأرض الليبية ، لكنها سائبة بلا رقيب ولا حسيب، فالقانون معطّل والضمير شبع قُتلا في نفوس وقحة، لزمرة من الطامعين الحذّاق الأشرار الذين استطاعوا في غفلة أو في صحوة أن يحتكروا المناصب ثم ليسخرّوها فقط لهم ولمحاسيبهم.

إن الحالة الليبية قد بلغت من الفساد ذروته، فقد صار الفساد ثقافة عامة فرضت نفسها في المجتمع، ولم يعد شيئا منبوذا أو غير مرغوب فيه، وأن المجتمع الليبي صار يتعايش معه ويتقبله، وكل فرد يتحيّن الفرصة المواتية للإنقضاض لو تحصلها الا ما رحم ربي ! هذه الثقافة هي التي منحت للمفسدين جرعات من الجرأة غير معهودة في دول أخرى، ألأمر الذي دفع بالمفسدين الى التمادي اكثر وأكثر، حتى ظنوا أنهم قد اكتسبوا حصانة إجتماعية ضد مسائلتهم أو محاسبتهم، وإنطلاقا من ذلك تأكدت تمام التأكيد ومنذ 2012م أن الدولة الليبية سائرة في اتجاه الفشل وأن احسن وصف لها هي “دولة الهواديق”، و”الهواديق” تشمل المسئولين الذين لا تتوفر فيهم ابسط متطلبات القدرة والكفاءة والأهلية لإدارة مؤسسات الدولة، وكذلك تشمل باقي الشعب الذي برغم أنه يرى بأم اعينه الفساد والعبث ويعيشه، لكنه لا يحرك ساكنا بل يتعامل معه بكل سلبية ولا مبالاة.

إن تقرير ديوان المحاسبة هذا العام مثله مثل كل التقارير السابقة التي اصدرها الديوان، فبرغم الجهد الذي بذل في اعداده، والموضوعية التي انتهجها واحتوائه على بيانات ومعلومات دقيقة وشديدة الحساسية، إلا انه واقعيا لا يتعدى كونه مجرد فقاعة إعلامية تعودنا عليها خلال السنوات الماضية، إذ أن الأثر الذي ينبغي أن يتولد عنه لا وجود له على الأرض وهو معدوم! بيت القصيد، ماذا يفيدنا كليبيين أن يكشف لنا الديوان مئات بل الاف المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية في كل مؤسساتنا العامة حدثت خلال السنوات الماضية وتزداد تراكما؟! ولكن لم يحاسب مرتكبوها، بل أنهم مستمرون على رأس تلك المؤسسات العامة ويمارسون جرائمهم بكل اريحية وعلى رؤوس الأشهاد.

اذا من خلال قراءة مشهدنا الليبي منذ سنوات وحتى الآن لا يمكنا الا الجزم بأن حالة العبث والفساد مستمرة ومتجذرة ولا سبيل لكبحها في المنظور القريب والمتوسط، وذلك لأن كل ظروف ومعطيات ما اسميه “دولة الهواديق” متوفرة وقوية، بما في ذلك عجز الأجهزة الرقابية عن القيام بدورها الفاعل فقد صارت مكبّلة بقيود اجتماعية تتوافق مع الثقافة السائدة التي تعتبر المال العام غنيمة والمحاسبة صفة ذميمة! وأخيرا هل يدرك ديوان المحاسبة أن تقاريره السنوية التي يصدرها تحمل في ذاتها إدانة صريحة له وحجة دامغة عليه بالتقصير ويستحق المسائلة، طالما أن معدل الفساد وهدر المال العام يتزايد كل عام ولا يتناقص؟!، مختصر القول إن دولة الهواديق باقية وتتمدد كل يوم وعلى ليبيا السلام.

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

اترك تعليقاً