جَدَل “توطئة”

جَدَل “توطئة”

سأحاول هنا، طرح ما اود قوله في تناولي هذا، بصيغة وصور جديدة. مُبتعدا فيه ما استطعت عن الحدّية والقطّعيات. فالإنسان في جانبه الغير فيزيقي، نستطيع ان نقول، بانه ينهض على ركيزتين اثنتين، هما العقل والحرية، واللذان عن تفاعلهما مع محيطهما، ينتج فِعل الاختيار، الذي يميز الانسان عن باقي الكائنات.

ولكن في حالة تعليق أحد هاتين الركيزتين او كليهما، اتر فِعّل داخلي او خارجي، يصير هذا الكائن حينها أي شيء اخير، غير ان يكون انسان، دابة مثلا.

وبقول اخر، فبتفاعل عقل الانسان مقرون بحريته مع محيطه الواسع المتعدد المتنوع، تنتج خياراته، التي بها ومن خلالها يُبرّمج كيانه مع ايقاع هذا الكون اللامتناهي الاتساع، سلبا او ايجابا. وبإيجاز شديد، فالإنسان وبوفق هذه المكنيزيم، أي بتفاعل العقل مقّرون بحريته مع محيطهما، يسعى وعلى نحو تلقائي، الى برّمجة ذاته لضبط ايقاع حياته مع حاضره في هذا الكوّن. ولكن يجب الانتباه هنا.  بان حياته هذه، مُضافة الى حيوات الاخرين من بنى جنّسه، تكوّن في مجموعها (الحياة)، التي نتعاطى معها. تماما كما جاء مجموع بنى جنّسه بمسمى الانسان، الذي نتعاطى معه في هذا المقام.

فهذا البديع، العلىّ عن الفَهمْ، القدير اللامتناهي القُدرة، هو من صاغ هذا الكوّن البالغ الاتساع، واخضعه لنواميس، تضبط ايقاعه. وسنن علمية تحكم حركته.  مستثنيا – في تقديري – من ذلك، هذا الشق الغير فيزيقي في الانسان. وفى المقابل نجد ان شقه الاخر، اعنى الفيزيقي منه، قد اخضعه القدير وضبطه وفق نواميس وسنن كوّنه، وهذا ما يجعلنا نعتقد، بانه قد ترك هذا الشأن الغير فيزيقي في الانسان للإنسان ذاته.  وبقول اخر – وفى تقديري ايضا – لقد اوّكل هذا القدير، برّمَجة وضبط الشق المعنوي او الميتافيزيقي او الماورائي او الغير فيزيقي في الانسان اليه، أي الى ذات الانسان، وفق اجتهاده واختياره. بعدما خلقه انسان ذا عقل، وليس دابة صماء بكماء مُبرمجة فيزيقيا.

ولكن وفى اعتقادي ايضا، بان هذا القدير اللامتناهي القدرة، وبعد كل هذا، قد جاء بسُبل عدّه، تندرج من ضمن السنن والنواميس، التي تتولى ضبط حركت هذا الكوّن في صيرورته.  ليمهّد بها للإنسان الطريق، نحو برمجة ذاته ايجابيا مع يقاع هذا الكوّن.  ان اراد تَسّيير حياته على نحو سلس، بعيدة عن كل ضنك وعمى. ولكي يصير وبها، متناغما مع ايقاع هذا الكوّن المُتناهية الدقّة.  وكان اشتراطه – واعّنى هنا القدير – في التعاطي مع سُبُله هذه.  يكاد ينحصر في البُعد عن كل اكراه. لان في الاكراه تعّليق للعقل وحجّب للحرية، وفى ذلك تغّيب للإنسان، لأنه وفى هذيّن الاثنين يكّمن محتواه. وان غُيّبتا عنه، لم تبقى منه الا صورة اللحم والدم. ففي البًعد عن الاكراه، فتح وافساح المجال لحرية الاختيار وتحرير وتفّعيل للعقل. وفى ذلك كله، حضورا للإنسان فاعلا في معّترك الحياة وتفاعلاتها. وبقول اخر وفى المجّمل، يصير وبهذا، الانسان محور ومحرّك للحياة برمّتها.

وبتموّضع الانسان وحضوره محورا داخل دائرة الحياة. يكون به هذا الكوّن، الذي نتحرك على اديمه.  قد تخطى مرحلة الخوارق والمعّجزات. وصار العقل + الحرية = الانسان، هو الجدّوة التي تتغدى عليها ومنها جدليّة الحياة في تدافُعها نحو صيّرورتها. وبقول اخر، وبهذا التموّضع للإنسان.  يكون وبحكم واقعه هذا – إن شئتم –  خليفة القدير في الارض.  وبوجه اخرى من القول، يصير الانسان، وحّده لا سواه، المحرك والمُفعّل لجدليّة الحياة في تدافعها، نحو صيّرورتها.

واخيرا دعوني اقفل القول، باستدراك عن فِعّل الاكراه في هذا المقام. فهو أي فعل الاكراه، كلما كان حاضرا على نحو غالب في مفردات هذه الجدلية، سيرّفع من وثيرتها سلبيا، فينعكس ذلك على مخرجاتها، فتكون حينها مشّحونة بكثير من الضنك في هيئة حروب دمار الخ… وكلما كان عكس ذلك. زاد من وثيرتها ايجابيا، فكانت مُخّرجاتها بذلك نماء وتقدم الخ…

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً