دولة الرفاه.. وركائزها السبع «الحلم المنشود»

دولة الرفاه.. وركائزها السبع «الحلم المنشود»

ا.د. محمد بالروين

أستاذ العلوم السياسية وعضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور

المقصود بـ”دولة الرفاه” هنا أنها شكل من أشكال النظام السياسي الذي تلعب فيه السلطات الحاكمة دوراً أساسياً لتوفير الحد الأدنى من الأمان والسعادة للمواطن، بمعنى آخر، هي دولة تقوم على مبادئ – حق الاختيار وتكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للثروات، والشفافية، والمساءلة، ودعم المواطنين غير القادرين على تحقيق العيش الكريم- ولعل من اهم أهدافها العدل والسلام والأمان، وسعادة الإنسان.

نماذج دولة الرفاه

يمكن تحقيق دولة الرفاه بطرق وأساليب مختلفة، لعل من أهم النماذج الثلاث الآتية:

(1) الليبرالي

هذا النموذج تتميز به بريطانيا، وتكتفي فيه الدولة بتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الاجتماعية للمواطن، تاركة مهمة ما يزيد على ذلك للقطاعات الأخرى.

(2) التعاوني

نموذج شائع في فرنسا وألمانيا ويعتمد على مؤسسات تديرها وتمولها قوى العلاقات الإنتاجية مثل النقابات العمالية ونقابات أرباب العمل، ولا تتدخل الدولة مباشرة سوى في تأمين الاحتياجات غير المرتبطة بالعمل والإنتاج مثل إعانة شرائح المجتمع الأكثر فقراً.

(3) الاجتماعي – الديمقراطي

نموذج تلعب الدولة دوراً محورياً مباشراً في التأمين من المخاطر الاجتماعية، من خلال سياسة ضريبية فعالة، وإعادة توزيع الثروة لتأمين حد أقصى من تغطية الحاجات الاجتماعية، وتنتمي الدول الاسكندنافية إلى هذا  النموذج، (للمزيد راجع: الموسوعة السياسية، 2021,، وجوني جيل، 2021).

الركائز السبع

أهم سبع ركائز أساسية لتحقيق دولة الرفاه هي:

أولا: المدنية

دولة الرفاه هي دولة مدنية تقوم على أسس: “(1) إرادة الشعب وسيادة القانون (2) حق الاختيار (3) الوئام بين الدين والدولة وذلك بـ:”سمو الشريعة وسيادة القانون(4) التعددية السياسية والمنافسة الحرة (5) وجود مؤسسات عصرية وقوية (6) إبعاد العسكر عن السياسة (7) إنهاء التدخل الخارجي في شؤون الدولة (للمزيد راجع: بالروين، 2019).

بمعنى آخر، الدولة المدنية ضد العسكر، وضد الاستبداد، وضد التطرف الديني، وضد التمييز بكل أشكاله، وهدفها تحقيق العدالة والسلام والأمن والأمان. (للمزيد راجع: بالروين, 2009).

ثانيا: الديمقراطية

دولة الرفاه هي دولة ديمقراطية تعترف بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية للمواطن، وأن الخدمات التي تُقدِّمها لمواطنيها ليست مجرد هبة بل هي جزء من الحقوق الأساسية التي يستحقها كل مواطن، بمعنى هي دولة تسعى لتحقيق أفضل ما في العالمين – الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

ثالثا: المحافظة

دولة الرفاه هي دولة محافظة تقوم على مبادئ: (1) السلطات المحدودة (2) سيادة الشعب (3) الاقتصاد الحر (4) احترام كرامة الإنسان (5) المحافظة على القيم والتقاليد الحميدة (6) الإيمان بأن “الأصيل هو البديل(7) الانفتاح على الآخرين والتعامل معهم على أساس: “أخذ أحسن ما عند الغير، على ألا نترك أحسن ما عندنا“.

رابعا: الاجتماعية

دولة الرفاه هي دولة اجتماعية تسعى لتوظيف محاسن الليبرالية السياسية من جهة، وتعمل على التخلص من أضرار الليبرالية الاقتصادية من جهة أخرى، مما يقود لتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان التأمين الاجتماعي لطبقات الشعب المحتاجة كما هو الحال في ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا وكندا والدول الاسكندنافية، بمعنى آخر، من واجبات دولة الرفاه تأمين الرفاهيّة لكل أبناء الشعب وخصوصا للأشخاص غير القادرين على إعالة أنفسهم، ولعل خير مثال على ذلك تجارب الدول الاسكندنافية، فكل مواطن في هذه الدول يحصل على حقوقه كاملة، ويتولى فيها النظام الاجتماعي الإشراف على حقوق المواطنين والوافدين على حد سواء (للمزيد راجع: الروئة, 2013).

خامسا: السوق

دولة الرفاه هي دولة رأسمالية ذات اقتصاد حر، وهذا لا يعني أنها ليبرالية متوحشة يطغى فيها منطق الربح على حساب العدالة الاجتماعية، ولا يعني قيام الدولة بتحديد الأسعار، ولكن يمكن أن تضع  “حدّ أدنى” و”حدُ أعلى” للأسعار لتحقيق المنافسة الشريفة في المجتمع.

بمعنى آخر، هي دولة تؤمن بأن السوق يجب أن يكون حرا، وأن دور الدولة يجب أن يكون إيجابي وفاعل، وأن توجد سياسات أساسها التشجيع والحوافز ومزايا الإعفاءات والضمانات، وتوفير المناخ الملائم والمشجع للاستثمار، والعمل على استقطاب وتوطين الصناعة والتقنية الحديثة، وأن تسعى الدولة لتنوع مصادر الدخل باستخدام استراتيجيات متنوعة لعل من أهمها: (1) منح إعفاءات ضريبية تشجيعية للمشاريع الإنتاجية في الأنشطة الاقتصادية لمدة يحددها القانون (2) منح إعفاءات ضريبية تشجيعية لكل من يقيم مشاريع إنتاجية أو تقنية أو خدمية في القرى والدواخل (3) إيجاد مؤسسات رسمية لفرض رقابة فاعلة على الأسعار وجودة السلع المعروضة في السوق (4) محاربة الفساد والاحتكار والاستغلال.

سادسا: الخدمات

دولة الرفاه هي دولة خدمية بالدرجة الأولى، أي خادمة للشعب وتُلبي احتياجاته، بمعنى آخر، من واجب الدولة إيجاد منظومات حديثة ومتكاملة لخدمة المواطنين، وإصلاح النظم الإدارية وزيادة شفافيتها وفعاليتها، والسعي لنشر ثقافة العمل والكفاءة والمساءلة والعقاب في كل مؤسساتها.

سابعا: الإنتاجية

دولة الرفاه هي دولة مُنتجة وقادرة على الإبداع بجودة عالية وفي فترة زمنية محددة، فالإنتاجية في دولة الرفاه هي شرط مهم وضروري لقياس كفاءة الأفراد والمؤسسات، ومصدر رئيسي للنمو الاقتصادي والقدرة التنافسية، والإنتاجية مهمة لأنها تؤدي لزيادة السلع والخدمات، وارتفاع مستوى معيشة المواطن وسعادته، وازدهار الدولة وتقدمها، ومن أهم متطلبات زيادة الإنتاجية – احترام الوقت، واتقان العمل، وتشجيع الإبداع، ومحاكاة النجاح.

الخلاصة

إن الهدف الرئيسي لدولة الرفاه هو سعادة ورفاهيَّة المواطن، وأنها “الخيار الوسط” بين الاشتراكية المتطرفة والرأسمالية الجشعة، وهي دولة تشجع المواطنين على حب وطنهم والشعور بالأمان فيه، وتعمل على توفير ضمانات تحمي كرامتهم وصحتهم، وتعتني بتوفير ظروف المعيشة المناسبة واللائقة لهم.

من كل ما تقدم يمكن القول إنه لا بديل لأي شعب يريد أن ينهض ويتقدم إلا بدولة الرفاه، وذلك بتطوير قطاع التربية والتعليم وجعله إلزامي ومجاني للجميع، والعمل على القضاء على كل أشكال الأمية، وتطوير القطاع الصحي، وتشجيع المواطنين على الإنتاجية، والعمل على زيادة النمو المعرفي والاقتصادي والصناعي والتقني.

وفي الختام، لعل من أهم معالم دولة الرفاه المنشودة إنها:

دولة تُجمع.. لا تُفرق،

دولة تُعلم.. لا تُجهل،

دولة مُستقلة.. لا تابعة،

دولة مُنفتحة.. لا مُنغلقة،

دولة جاذبة.. لا طاردة،

دولة مؤسسات.. لا عائلات،

دولة تسمو فيها الشريعة ويحكم فيها القانون،

وفوق هذا وذاك،

دولة تقوم على الاحترام لا على الخوف.

أخيرا لا تنسوا، يا أحباب، أن هذا مجرد رأي اعتقد أنه

صواب،

فمن أتى برأي أحسن منه قبلناه،

ومن أتى برأي يختلف عنه احترمناه.

والله المســتعـان.

========

المراجع:

الموسوعة السياسية “دولة الرفاهية.

جوني جيل, (2021), “دولة الرِّفاه.

الروئة، “دولة الرفاهية الاجتماعية.” 14 ديسمبر 2013.

محمد بالروين، 20 يناير 2019، “الدولة المدنية : شعار أم مشروع.”

محـمد بالروين، “أسلمة الديمقراطية: المتطلبات السياسية للديمقراطية في العالم الإسلامي” موقع ليبيا وطننا, 04 يوليو 2009.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

ا.د. محمد بالروين

أستاذ العلوم السياسية وعضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور

اترك تعليقاً