رمضان سرت

رمضان سرت

لا شيء يُعكر طعم رمضان سوى “سرت” التي تسرب مذاقها لنا في الدلاع. يوم أمس وقفتُ عند سيارة الدلاع في سوق الخضرة الواقع وسط قريتي “سمنو” وعدتُ ولم اشتر منها شيئاً ، وأول أمس فعلتُ نفس الشيء، وقبلها نفس الشيء، واليوم أدرتُ وجهي عن سرت واشتريتُ دلاعة لكنني رميتها في منتصف الطريق بين عجلات سيارة.

وضعتُ الدلاعة فوق كتفي ومشيتُ وبجانبي ولدي “الصادق” الذي توعدها بأنه سيفتحها فور وصولها البيت، فتوعدته بغضب مني ومن الله لو فتحها قبل أذان المغرب. كان الوقت بعد منتصف النهار، وكان الجو حاراً جداً وكانت الشمس قريبة جداً وكانت الدلاعة باردة من الخارج وأظنها أكثر من الداخل. لكن الصادق لا علاقة له بأذان المغرب ولا شيء يلزمه بالانتظار، فوقفتُ له في منتصف الطريق وهددته بأنني سوف أعيد الدلاعة للخَضّار إذا لم يعدني بالانتظار حتى المغرب، ووقف هو مقابلا لي وقال إذا كان من وعد يعطيه لي فهو سيفتحها ويمخر وسطها ويترك لي البقية . ولا أنكر لحظتها أنني فكرتُ في رمي الدلاعة أمام عجلة أول سيارة مارة من هنا، وفكرتُ بالتخلص منها خاصة أنني بالأساس لم أكن راض على شرائها، في حين وقف الصادق يفكر في شيء آخر لم أتبينه. وساعة انحنيتُ وهممتُ برمي الدلاعة بدا لي الصادق كما لو انه ينحني ويستعد لفعل شيء، وحين وقفتُ على طولي وتظاهرتُ بالعودة إلى وضعي الطبيعي عاد هو أيضاً إلى وضعه الطبيعي، وحين باغته ورميتها إلى عجلات سيارة كانت مسرعة في الشارع وجدتُ الصادق يقفز كما لو انه حارس مرمى، لكن ذلك لم يمنع من حدوث شرخ كبير في الجدار الخارجي للدلاعة.

رغم أن التصفيق والضحك لا يليق في رمضان سرت ، إلا أن الولد أعجبني لسرعته، فصفقتُ له وأنا أقف في شارع يبعد عن سرت بـ 600 ميل أو أكثر . قلتُ في نفسي لن يسمعوه فالمسافة بعيدة بيني وبينهم، وكان رجل وطفله يمشيان على بُعد خطوات مني قد وقفا هما أيضاً وشرعا يُصفقان، وكان ذكر حمام يقف على جدار قريب منا قد طار وشرع يصفق هو الآخر. فالقفزة كانت رائعة وموفقة، حتى أن امرأة كانت ترش الماء أمام باب بيتها ألقت الأنبوب من يدها وطفقت تزغرد ، لو لا أن صرختُ في وجهها بأن الزغرودة قد تُبطل صيامها، فحبست المسكينة بقية زغرودتها في صدرها وعادت إلى داخل بيتها وسحبت انبوبها خلفها، في حين سمعتُ الصادق يضحك وهو ملقى على الأرض. التفتُ له وجدته يضحك وفي غمره الدلاعة، وشعرتُ بأحقيته فيها. فبعد أن رميتها صار لزاماً عليَّ أن أعتبرها مفقودة، وبعد أن التقطها هو قبل الأرض وقبل عجلات السيارة أظنها صارت ملكه ولا يحق لي التدخل فيها فتركته ودلاعته ومشيتُ عنه.

وفي الطريق سمعتُ الصادق خلفي يضحك أكثر من مرة من فتوى الزغرودة التي تُبطل الصيام. وشعرتُ أنا بعلاقة خفية بين الدلاع والزغاريد دون أن أتلمس نوع هذه العلاقة. حاولتُ العثور على شيء يجمع الدلاع والزغاريد فلم أجد شيئاً سوى هذا الجو الحار من المحيط إلى الخليج، فحافظتُ على الفكرة في رأسي على أن أدونها في ورقة فور وصولي وأكتب عنها لاحقاً في قصة أو مقالة أخرى، وما إن وصلتُ البيت كان الصادق على بُعد خطوات مني، وبعد أقل من دقائق فاحت عليَّ رائحة الدلاعة في البيت، وعرفتُ أنه الآن يمخر فيها من الداخل، وعرفتُ أنها حمراء داكنة. فأنا ساعة لمحتُ الشق على جدارها الخارجي كنتُ قد مررتُ نظرة إلى داخلها وتأكدتُ أنها حمراء، لكن سرت أفسدت علينا مذاق كل ما هو أحمر ، وتسربت مذاقها لنا ليس في مذاق الدلاع وحسب بل حتى في مذاق التفاح والفراولة وأحمر الشفاه.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً