صبراته تكشف ضعف وهشاشة تنظيم الدولة فلماذا يحشد الغرب أساطيله وطائراته؟

صبراته تكشف ضعف وهشاشة تنظيم الدولة فلماذا يحشد الغرب أساطيله وطائراته؟

صبراته تكشف ضعف وهشاشة تنظيم الدولة فلماذا يحشد الغرب أساطيله وطائراته؟

لم يكن ظهور خلايا تنظيم الدولة بمدينة صبراته الليبية وسيطرتها لبضع ساعات علي بعض المقرات الإدارية مفاجئا للكثير من المهتمين والمتابعين للشأن الليبي؛ إذ لطالما صدرت تقارير إعلامية ومخابراتية تؤكد وجود مقرات ومعسكرات لتدريب عناصر التنظيم بضواحي المدينة، ولكن بعض القيادات بالمجلسين البلدي والعسكري بصبراتة ظلت تنفي بشكل رسمي ما ورد في هذه التقارير، وتصر علي خلو المدينة من عناصر التنظيم!، وهو ما أثار الشكوك في ليبيا عن تغطية هذه القيادات علي التنظيم وغض بصرها عن نشاطاته، بل ذهب البعض إلي حد توجيه الاتهام لرئيس المجلس البلدي بالتواطؤ مع التنظيم والتعاون معه في جلب المقاتلين من تونس وتدريبهم في صبراته قبل أن يتم إرسالهم إلي مناطق الصراع في ليبيا أو سوريا والعراق.

وفي كل الأحوال لابد لأي سلطة مركزية قادمة في ليبيا من فتح تحقيق شامل في هذه الشكوك والتهم، لأن التمكين لهذه العصابات التي تزعم إقامة دولة الخلافة يعد خيانة لليبيين لا يمكن غفرانها.

ثمة سؤال لا مناص من طرحه، لماذا كشف التنظيم عن وجوده وقرر فجأة أن يسيطر علي المدينة؟ ما الذي أضطره لهذا الظهور العنيف وقد كان يمارس نشاطه لعدة شهور وربما سنوات في السر بمنتهي الأريحية ومن دون مضايقات؟ بل وثمة أصوات رسمية تنكر وجوده، رغم تتبع أجهزة المخابرات لتحركات عناصره بين تونس وليبيا؟

لا ريب أن كشف التنظيم عن وجوده مرتبط بالغارة التي شنتها مقاتلات أمريكية علي أحد مقراته مودية بحياة نحو 50 من عناصره، فالغارة كشفت لأهالي صبراته وجود التنظيم تغلغله في أحيائهم ومزارعهم، فتنادوا للتحرك ضده ومواجهته، لطرد هذا الطاعون من مدينتهم أو القضاء عليه في شوارعها، ويبدو أن التنظيم لما شعر بحتمية المواجهة قرر أن يأخذ زمام المبادرة ويُهجم علي المقرات الحكومية في وسط المدينة ويبسط سيطرته حتى يأتيه مدد من مواقع التنظيم الأخرى ويفرض نفسه علي السكان ويشرع في تنفيذ قوانينه ومخططاته، وهو تقريبا نفس السيناريو الذي سيطر به التنظيم علي مدينة سرت، والهدف بالطبع هو أن تبقي صبراته محطة إستراتيجية بحكم قربها من تونس، المنبع الذي لا ينضب من الجهاديين، يستقر فيها عناصر التنظيم بعض الوقت حتى يتم إعدادهم وتدريبهم ثم يواصلون رحلتهم شرقا لتنفيذ عمليات قتالية أو انتحارية في إحدى المدن.

غير أن حساب الحقل مختلف عن حساب البيدر، وتقدم شباب صبراته تسندهم قوات من المدن القريبة المجاورة وخاضوا معركة بطولية استمرت عدة ساعات تمكنوا فيها من إلحاق الهزيمة بعناصر التنظيم وتمكنوا من استعادة المقرات الحكومية ومديرية الأمن، ثم شرعوا في تمشيط كافة مناطق المدينة التي يشتبه في اختباء عناصر التنظيم بها لاستئصالهم تماما، وقد نجحوا في ذلك إلي حد كبير، ولكن لم يتم الإعلان عن تطهير المدينة بشكل كامل، إذ ربما ما تزال بعض الجيوب مختفية داخل البيوت المستأجرة أو وسط أحراش المزارع.

رد فعل حكومة طرابلس كان دون المتوقع، رغم أن صبراته تقع في نطاق سلطاتها، فلم تبادر بإعلان حالة النفير، وهو الموقف المثالي والمتوقع، لأن صبراته قريبة جدا من طرابلس وبالتالي أصبح خطر تنظيم الدولة علي مرمي حجر، ولم تقدم أي دعم أو مساندة لشباب صبراته، وسارعت إلي إعلان الانتصار والقضاء علي عناصر التنظيم رغم أن الاشتباكات ما تزال جارية ولم تحسم المعركة بشكل تام!.

وعلي غرار درنة، بينت أحداث صبراته هشاشة قواعد تنظيم الدولة في ليبيا، فمثلما حقق شباب درنة وثوارها بمختلف اتجاهاتهم نصرا سريعا ودحروا التنظيم إلي خارج المدينة من دون أي دعم، وبإمكانيات قليلة، يعيد ثوار صبراته وما جاورها الكرة ويطردوا التنظيم من المدينة، من دون خوض حرب مدمرة، ومن دون تدخل خارجي، ما يدفع إلي التساؤل حول الدوافع الحقيقة للتحشيد الغربي وقرع طبول حرب جديدة ضد التنظيم في ليبيا، والتلويح بأنها ستكون حربا طويلة ومكلفة!، وهو ما يثير الشكوك في أن التنظيم مفتعل في ليبيا لأجل هذا الغرض، ذريعة للتدخل لتحقيق أهداف غير معلنة تخص استمرار الهيمنة والسيطرة علي الثروات، وترويض شعوب المنطقة بعد أن تمردت بالثورة علي جلاديها.

لم يعد خافيا اليوم أن موضوع تنظيم الدولة في ليبيا يرتبط بتطور الأوضاع السياسية والعسكرية علي جهة الفراغ السياسي والأمني بسبب انشغال القيادات السياسية في طرابلس وطبرق بالصراع علي السلطة والمال والنفوذ، وعدم إدراك خطورة هذا التنظيم كونه مغناطيس جاذب للتدخل الغربي، ومن ثم عدم الجدية في مواجهته واستئصاله، ولم يعد خافيا أيضا أن هناك متواطؤون يسهلون للتنظيم العمل والتمدد، صحيح أن أغلب عناصر التنظيم وقياداته غير ليبيين، ولكن هؤلاء لا يمكن أن يمارسوا نشاطهم في جلب المقاتلين والمغامرين وتجنيدهم وتدريبهم بدون تعاون عناصر محلية، أي كما يقول المثل الليبي “خش للبلاد بأهلها”، فمن مكن للتنظيم في ليبيا هم ليبيون يؤمنون بالإيديولوجية التي يقوم عليها أو طمعا في وجاهة ومال.

يختلف تنظيم الدولة في ليبيا عن نظيره في العراق والشام، فالأخير هو الأصل، ولظهوره أسباب موضوعية، هي الصراع الطائفي واضطهاد المناطق السنية بمشروع طائفي واضح المعالم لحكام بغداد، فضلا عن تطور التنظيم من فرع تنظيم القاعدة ببلاد الرافدين، وقرب منابع الفكر المتشدد، وهذه الأسباب غير موجودة في ليبيا المتجانسة دينيا، والبعيدة عن الغلو والتعصب، فالأصل في التدين ببلاد المغرب العربي هو الوسطية والإعتدال، أو كما جري تحديد عناصره “في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك”، ولم يظهر التشدد والغُلو إلا متأخرا بانتشار أفكاره الوافدة من الجزيرة العربية، وبالتالي لا مستقبل لتنظيم الدولة أو غيره من التنظيمات المتطرفة في ليبيا، وإذا استعادت البلاد عافيتها وشرعت في بناء مؤسساتها وأتاحت لأبنائها فرص الحياة الكريمة، ستنحسر الأفكار المتشددة، وتستقر البلاد علي مستوي التدين الوسطي المعتدل الذي ساد طوال القرون الماضية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

عبد الله الكبير

كاتب صحفي

اترك تعليقاً