صعود اليمين المتطرف وتغير الاستراتيجيات

صعود اليمين المتطرف وتغير الاستراتيجيات

ارتفعت في الآونة الأخيرة أسهم الأحزاب اليمينية المتطرفة بشكل كبير في أوروبا، مستغلة الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة في الآونة الأخيرة.

في المقابل وقفت الاحزاب اليمينية التقليدية واليسارية عاجزة أمام هذا التقدم بعد تراجع شعبيتها بشكل ملحوظ، رغم سيطرتها على مقاليد الحكم لعقود من الزمن.

صعود 

ولأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية كاد حزب يميني متطرف أن يصل إلى السلطة في أوروبا بعد ان خسر مرشح حزب الحرية النمساوي المتطرف الانتخابات بفارق ضئيل أمام مرشح حزب الخضر، وهو ما اعتبره محللون مؤشر خطير على زيادة شعبية هذه الأحزاب.

كما أن حزب القانون والعدالة اليميني المتطرف في بولندا صعد بشكل كبير، حيث حصل على 39% من الأصوات في انتخابات 2015، وهو ما جعله يدخل للحكومة بقوة، كما يرى مراقبون أن وصول “مارين لوبان” زعيمة حزب الجبهة الفرنسي للحكم بات أقرب من أي وقت آخر، واشتهرت “لوبان” بمعاداتها للمهاجرين، وطالبت في أكثر من مناسبة باستفتاء حول استمرار فرنسا في الاتحاد الأوروبي.

أيضاً صعدت بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في الفترة الأخيرة في كل من ألمانيا واليونان، كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أعطى حزب الاستقلال البريطاني المتطرف مزيداً من القوة، ناهيك عن وصول “دونالد ترامب” إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية الذي زاد من حماسة هذه الاحزاب في أوروبا.

أسباب 

قد يكون من أبرز أسباب صعود اليمين المتطرف هو الأزمة الاقتصادية التي تشهدها المنطقة منذ عام 2008، ويرى بعض الخبراء الاقتصادين أنها أعنف حتى من الكساد الاقتصادي الذي شهدته أوروبا عام 1929، والذي كان سبباً كبيراً في سيطرة اليمين المتطرف على عدد من الدول الأوروبية في تلك الحقبة.

أيضاً يرى باحثين أن صعود هذه الاحزاب كان نتيجة لما يعرف باسم “التصويت العقابي” بعد فشل الاحزاب الحالية في تحقيق كل ما وعدوا به في حملاتهم الانتخابية.

واستغلت هذه الأحزاب ملف المهاجرين بشكل كبير، وازداد هذا الأمر بعد ثورات الربيع العربي حيث ارتفعت نسبة طالبي اللجوء في أوروبا بشكل كبير، ومع ازدياد نسبة البطالة اعتبروا وجود المهاجرين تهديداً ومزاحمة لهم على الوظائف، ومع سرعة الاندماج الأوربي مع الحضارات الأخرى زاد هذا الاندماج من مخاوف فقدان الهوية القومية والوطنية لدى البعض.

ولعل السبب الأبرز الذي استُغل بشكل واسع في الآونة الأخيرة هو تضاعف وتيرة الأعمال الإرهابية في أوروبا، خصوصاً بعد حادثتي “تشارلي ابدو” وتفجيرات بروكسل.

كما أن هناك أسباب أخرى مهدت لهذه العودة، منها تفكك الاتحاد السوفيتي في نهاية الثمانينيات، حيث بدأت بعض الدول تعود إلى أصولها العرقية، ما ساهم في ظهور النزعة القومية من جديد عن الكثير من الأوروبيين.

تغير في الاستراتيجيات 

المخيف في الأمر أن آخر صعود لليمين المتطرف تسبب في اندلاع الحرب العالمية الثانية، بعد استيلاء “موسوليني” على الحكم في إيطاليا وصعود “هتلر” في المانيا.

إن صعود هذه التيارات في أوروبا سيؤثر على سياستها الخارجية وعلى كل الاتفاقيات الأمنية والاستراتيجية، بما فيها نظرتها للثورات العربية.

قد يتعجب البعض من استبشار بعض دول العالم الثالث والمتمثلة في الحكومات العسكرية والاستبدادية لصعود اليمين المتطرف في العالم، إلا أن التاريخ دائما ما يؤكد اصطفاف التيارات المتطرفة إلى جانب الحكومات الاستبدادية.

هذه الحكومات ترى وصول هذه الاحزاب المتطرفة خير عون لها لتدعيم وجودها في الحكم، سواء كان حاكماً مستبداً يرغب في بقاء حكمه أو مستبداً جديداً يسعى للوصول إلى السلطة بأي شكل من الأشكال، ورغم أن هذه الاحزاب وصلت الى سدة الحكم عن طريق الانتخابات غير أنها لا تمانع في دعم أي مستبد للوصول للحكم، حتى لو كان الثمن حرب أهلية، والتاريخ يحكي لنا ما فعله كل من “موسوليني” و”هتلر” مع الجنرال “فرانكو” في اسبانيا في ثلاثينيات القرن الماضي.

ما اخشاه في الفترة المقبلة إن وصلت هذه الأحزاب إلى السلطة، أن تُنهي فرص الحوار والمصالحات في الدول التي تشهد اقتتالاً داخلياً، وتقوم بتغليب طرف على طرف سواء في سوريا أو ليبيا أو حتى اليمن، وبذلك تسهم في تثبيت مستبد في حكمه، أو تقوم بزرع آخر جديد…!!

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

عماد المدولي

صحفي ليبي

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً