صومال جديد وفاءاً لسيف وأبيه ..!

صومال جديد وفاءاً لسيف وأبيه ..!

كنت قد قررت التوقف عن الكتابة. ربما يأساً لما آل اليه حالنا.. أو هزيمة وتخاذل و قناعة بأن فعل الكتابة في الشأن الليبي هذه الايام “مجرد عويلاً ونكاحاً في الصحراء” كما قال الشاعر مظفر النواب وهو يرثي العراق .. العراق الذي يشبهنا كثيراً.

وهذا بعض مما قاله مظفر وهو يرثي العراق: “يا وطني هل أنت بلاد الأعداء؟ .. هل أنت بقية داحس والغبراء؟.. وطني أنقذني من رائحة الجوع البشري .. مخيف .. أنقذني من مدن يصبح فيها الناس .. مداخن للخوف وللزبل … من مدن ترقد في الماء الآسن .. كالجاموس الوطني وتجتر الجيف …! ”

ربما صارت لدينا كثير من القواسم المشتركة مع آلام وجراح اخوتنا العراقيين… وليس غريباً أن نتقاسم العويل وأبيات الرثاء لوطن نقتله ونمزقه بأيدينا حتى نملأ بطوننا من لحم ودم أهلنا وذوينا .. انه الجوع البشري المخيف والمرعب… أن نفترس أهلنا ووطننا… لنكمل ملحمة داحس والغبراء!

حادثة المطار والخبر العاجل على الفضائيات العربية والعالمية “بأن عصابة ليبية مسلحة قد أحكمت سيطرتها على مطار طرابلس الدولي”. بقدر ما كان مستفزاً وكارثي بقدر ما يحمله من مؤشرات واضحة بأن ليبيا فعلاً قد تحولت الى (صومال أو عراق آخر) وانتهى الأمر والفضل يعود لما يسمى بـ (الثوار) الأوفياء… !!

ربما فعلاً أوفياء ولكن السؤال: أوفياء لمن؟ من المؤكد ليس هناك عصابة مسلحة اليوم هي وفيةً لليبيا. ولو كانت قبيلة أو مدينة بأسرها. فمن يعرقل بناء الدولة وعودة مؤسسة الجيش والأمن الليبي الرسميين هم (خونة) ولا نستثني قبيلة أو مدينة أو أي جماعة مسلحة.

وما يستفزك أكثر أن الفضائيات العربية تُصِر ان تعطي الحادثة بُعدا قبلياً وأن تنسب الحادثة لقبيلة وليس لجماعة ليبية مسلحة متكونة من عشرات من المتمردين.! انهم يقتاتون على جهلنا وبقايا داحس والغبراء فينا. وقد نجحت فضائيات امريكا القابعة في الخليج العربي والناطقة بلسان عربي في أن يُحكِموا علينا الخناق ويقودوننا كما تقاد القطيع ونحن ماضون الى حتف وطننا المكلوم.

ليبيا ما بعد القذافي بالفعل تحولت إلى صومال جديد .. تماما كما هددنا هو وابنه … شئنا أم أبينا ومن يقول غير ذلك فهو واهم. للأسف ونقولها بمرارة بأن ليبيا سيناريو مكرر لعراق وصومال وأفغانستان والذي نخشى البوح به بأن ليبيا انتهى أمرها للأبد..! ولن تقوم لها قائمة مع عنادنا وجهلنا وتعنتنا..! هي ذات الصورة تتكرر .. شعب ومغلوب على أمره وثوار أو ثوريون كاذبون وانتهازيون انهم نسخة مكررة لمأساة (اللجان الثورية) بكل تفاصيلها ونهجها ولا نستغرب ربما حتى الشخوص هي نفسها. فلجان القذافي الثورية هم وحدهم من لديهم القدرة الفائقة على سرعة التسلق والقفز إلى الوجهة والتدافع نحو الكراسي.

مبررات واهية لصوملة البلاد يسوقها هؤلاء المرتزقة ممن يسمون أنفسهم بالثوار او الثوريين فإنهم لا يريدون تسليم السلاح للدولة لأنهم يخشون من تكرار تجربة “قذافي جديد” لذلك يحتفظون بالسلاح حتى يقمعوا أي ديكتاتورية قادمة..! هذا يعني بأن السلاح لن يتم تسليمه للأبد بكل بساطة ولن تقوم للدولة قائمة. فالخوف من اعادة انتاج ديكتاتورية أخرى سيبقى قائماً ما حيينا. وكل فريق لن يطمئن لحكومة إلا للشخصيات التي يريدها وإذا ما انتصر فريق أوجماعة أو تيار معين فإن التيارات الأخرى ستتشبث بالسلاح ضده. وهكذا ..! ليس هناك إلا طريق مسدود ولا تتفق العصابات المسلحة على تيار أو جماعة معينة تحكمهم ولن يطمئنوا لأحد حتى قيام الساعة.

وهنيئا لنا بهذه التعددية المسلحة وديمقراطية الوهم. فما عاد هناك شيء يجمع الليبيين اليوم حتى “الاسلام” صار شيعاً ومذاهب مابين سلفيين وصوفيين ووسطيين واخوان وعلمانيين ورافضة قريباً وكل منهم ينقسم الى فروع شتى وكل طائفة تعتقد بأنها وحدها على حق وانهم هم وحدهم حزب الله المنتصرون حتماً وكل له مرجعيته من داخل البلاد وخارجها من السعودية وقطر ومصر وايران وحتى من امريكا وفرنسا.

لاشيء يجمع الليبيين بليبيا ربما بقايا النفط والذي يبدوا أنه قد دخل حيز النزاع الحدودي ما بين المناطق وصار مسلحوا القبائل مرابطين كل للدفاع عن حدود منطقته وسياسة وضع اليد على أماكن الحقول والآبار النفطية.

إلى أي منزلق انجرفت اليه ليبيا وأهلها وأي طعم مسموم ابتلعه أهلها .. هل إلى “داحس والغبراء” قادنا “الربيع الكاذب”؟ ما كان القذافي ليترك ليبيا ليهنأ بها شعبها وأهلها. ما يحدث اليوم هو دليل على الحرب الابدية التي يخوضها القذافي ضد الليبيين. انه اتبع سياسة علي وعلى أعدائي وقد نجح بالفعل ولم تنتصر الثورة بل هزمت شر هزيمة بوقوعها في فخاخ من صنع العقيد. منها توزيع السلاح بأنواعه وهو يدرك بأن انتشار السلاح يعني انهيار البلاد للأبد. وكذلك استعانة القذافي بالناتو.

نعم الحقيقة ان القذافي هو من استعان بالناتو وهو من أحضر الناتو لتدمير ليبيا وما عليها .. لقد كان الناتو آخر أوراق القذافي لضرب الثورة الليبية ضد حكمه. ومن يشكك بأن الناتو هو أحد سيناريوهات القذافي المدبرة فليراجع قليلاً ماحدث وليصغي الى خطبه وخطب سيف ابان الثورة. وكذلك تهريب السلاح للقذافي ابان الحرب … ولعله ليس بآخر مؤامرات الناتو فقد تحولت دول اوروبا مؤخراً الى معاقل للم شمل مؤيدي القذافي في تنظيمات سياسية معارضة لتستخدمهم كأوراق ضغط سياسي واقتصادي وزعزعة الأمن في ليبيا …! واهم فعلاً، من ظن بأن اليهود والنصارى سيرضون عنه أو يتحولوا الى حليف …!

وما خفي كان أعظم فيما يتعلق بمؤامرة الناتو مع القذافي على ليبيا وهو ما لايتسع المجال لذكره …!
ولكن ان غدا لناظره قريب وستبدي الأيام ما نجهله …!!

أخيراً … وإن كنا نريد الخروج من هذا المأزق فعلينا العودة لله عزّ وجل ونعتصم بحبل الله جميعاً .. وأن نتذكر قوله تعالى: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين..”الانفال46/ … وأن نتذكر بأن الذي أطاح بالقذافي ليس الناتو ولا الدبابات والمدافع التي نتشبث بها وانما كان النصر من عند الله وحده وهو وحده من يعز من يشاء ويذل من يشاء ويهب الملك وينزعه ممن يشاء .. فلنعد الى احكام ديننا الحنيف والى الله الذي لا ملجأ أو منقذ لنا سواه..!

حسام المصراتي
h.elmesraty@yahoo.com

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً