كرة الثلج أم الخـروج الآمــــن

كرة الثلج أم الخـروج الآمــــن

د. محمد الهاشمي الحراري

وزير الحكم المحلي الأسبق

الوضع في ليبيا وصل إلى مختنق من الصعب تجاوزه وفك طلاسمه إلا بنظرة وطنية خالصة وجدية تأخذ في الاعتبار الوضع الذي آلت إليه البلاد من احتقان مزمن ينذر بانفجار قريب مُدمَِر.

بدأت ملامح هذا الانفجار تتبلور غداة فشل تنظيم الانتخابات وما صاحبها من صراعات وتوجهات لا علاقة لها بالوطن، وباستخفاف كامل بتطلعات المواطن وعقليته ابتداء من إصدار قوانين مُعيبة، من حيث الشكل والموضوع، وبدون أساس دستوري متين، وانتهاء بمواعيد انتخابية غير جدية لاستحقاق انتظره الليبيون لأكثر من نصف قرن.

طلائع هذا الانفجار تظهر جلية أيضاً من خلال الاصطفافات والتحالفات الجديدة على المستوى السياسي وما صاحبها من تحركات وإعادة انتشار للتشكيلات المسلحة، ولكن بؤرة هذا الانفجار الحقيقية المخيفة بدأت تتجمع ذراتها، في كافة المدن الليبية، وتكوّن كرة الثلج التي ستتدحرج رويداً رويداً وستطحن من يقف في طريقها وبشكل مهين إن لم نبادر قبل فوات الأوان.

وقد استشعرت بعض السفارات الأوروبية هذا الوضع وبدأت في إنذار وتحذير مواطنيها من السفر إلى ليبيا وتطالب رعاياها المتواجدين بها بمغادرتها.

لازالت هناك فرصة بيد المجلسين (النواب والدولة) لخروج آمن عن طريق لجنة خارطة الطريق الجديدة التي ليس أمامها، لتفادي الإنفجار، إلا التوصية بإجراء انتخابات برلمانية في آجال قريبة ومحددة، وأن يعمل المجلسين على نجاح المفوضية في إتمام هذا الاستحقاق.

غير هذا فإننا قادمون على فوضى عارمة يتحمل مسؤوليتها من كان سبب فيها، من مجالس نيابية لم يعد لها أي قيمة تمثيلية ولا قدرة على أي عمل تشريعي، أو مجالس استشارية لم يعد لها دور إلا في إطالة المرحلة الانتقالية والبقاء في المشهد وأصبحت تعيش حالة “توحد” فريدة، وسلط تنفيذية عاجزة، أدخلت البلاد في نزيف مالي وتعيش حالة فساد مستشرى على كافة المستويات ولم تجد حل إلا في الهروب إلى الأمام.

وإذ نعتقد جازمين، مع الكثيرين، بأن الانتخابات وحدها لن تحل الأزمة الليبية، إلا انه من المتفق عليه أيضا إن بقاء هذين المجلسين (البرلمان والدولة) لن يسمح هو الآخر بحل أية اشكالية باعتبارهما أصبحا أحد مكونات الأزمة.

كرة الثلج انطلقت ولا توجد لها كوابح، والإعلان الواضح والمنطقي عن موعد محدد قريب للانتخابات البرلمانية قد يسمح بتهدئة انطلاقتها وانصراف ذراتها إلى إنهاء هذه الأجسام بشكل سلمي وحضاري يحفظ للبلاد وحدتها ويسمح بعدئذ بالتفكير والبحث عن مخرج أو مخارج لبقية الأزمات التي ورطتنا فيها هذه الأجسام، عن جهل وسوء تدبير أو بقصد وسبق تدبير.

أن تنهي لجنة خارطة الطريق وبسرعة عملها وتخرج بهذا الحل الأساسي والمبدئي وبشكل جدي وواضح بعيد عن السفسطة وبدون التفكير في مراحل انتقالية أخرى وحلول تلفيقية، ولا بدغدغة المشاعر بالعودة لحلول مثالية كان الناس والنخب ينادون بها منذ أكثر من خمس سنوات وضاعت أمانيهم وسط غبار صراع هذه الأجسام الذي عطل دولاب الحياة ونشر حالة من اليأس من الصعب تجاوزها بوجودهما. بدأ الشعب يتأهب ويكشر عن أنيابه ولا يمكن التنبؤ بمآلات الأمور لو كبرت كرة الثلج. فعندما ينتفض أقصى الشرق، إيذاناً بانطلاق كرة الثلج، فإنها لن تقف إلا بميدان الشهداء بقلب العاصمة، ولا يتصور أحد أنها ستضعف أو يحصل لها “هبوط” لأنها ستلتهم وبشراهة كل من سيقف في طريقها. وهي وإن بدت لا تُبصر، من شدة الغضب، إلا أنها تعرف جيداً طريقها وكل المسالك والعناوين وتعرف خاصة كل من أذلها وحاول أن يقتل فيها الوطن.

فهل سنسمح ونعمل على حل يحفظ ماء الوجه وبخروج آمن لهذه الأجسام؟ أم نطلق العنان لفوضى عارمة لا يعلم إلا الله نتائجها الكارثية!!.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. محمد الهاشمي الحراري

وزير الحكم المحلي الأسبق

اترك تعليقاً