لأجل ليبيا…المصالحة الوطنية اليوم قبل الغد

لأجل ليبيا…المصالحة الوطنية اليوم قبل الغد

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

لا يخفى على أحد حقيقة الوضع الذي خلَفته الحرب في ليبيا بعد الانتفاضة المسلحة وما ترتب عن ذلك من انقسام في الصف وشروخ في النسيج الاجتماعي وجروح غائرة في اللحمة الوطنية للشعب الليبي. لقد كانت الفرصة مواتية بعد أن سقط نظام القذافي للساسة العقلاء ان يضمَدوا الجراح وذلك بالإسراع في لم الشمل وتحقيق المصالحة الوطنية مباشرة دون إبطاء, ولقد تنادى لذلك الحكماء والشرفاء الخلَص من أبناء الوطن الغيورين مباشرة بعد تحرير العاصمة وعقدوا مؤتمرا للمصالحة في مدينة الزاوية, عرضت فيه الكثير من الأفكار والأراء التي تصب جميعها في إطار تجسيد المصالحة الوطنية واقعا حيا على الأرض وتضمَنت توصياته آليات عمل واضحة كانت كفيلة بتحقيق المطلوب في زمن قياسي.

لكن المجلس الانتقالي وحكومته الانتقالية لم يكونا بحجم المسئولية ويبدو أن المؤتمر الوطني وحكومته يسير على نفس الخطى! لذلك لازلنا نشهد عرقلة كل الجهود المخلصة وفتح الباب أمام أعداء الوفاق الوطني الذين دخلوا تحت حجج من بينها ضرورة ان يتم تفعيل العدالة الانتقالية قبل المصالحة!, متجاهلين حقيقة دامغة وهي ان المصالحة الوطنية المقصودة تحتوي في ذاتها العدالة الانتقالية . ترتب عن ذلك بروز أفكار غريبة شجعت بعض المتشددين على رفض مبدأ المصالحة أصلا !! وهو ما دفعهم للقيام بردود أفعال انتقامية ثأرية بروح جاهلية قديمة!..وخلَفت أفعالهم الثأرية تلك الكثير من الضحايا من الطرفين!. وهو ما شكل خسارة كبيرة لليبيين جميعا ووسع في هوة الانقسام والتنافر.

لقد فوَت رواد تلك الأفعال الثأرية فرصة أن يكون لهم فضل المصالحة الوطنية على إخوتهم في الدين وجيرانهم في الأرض!. بل أنهم قاموا بأخذ ثأرهم بأيديهم فضيعوا الحقوق و رسَخوا الحقد والضغينة في النفوس من هذا الطرف او ذاك, وكل ذلك بالطبع على حساب وحدة ومناعة وقوة نسيج ليبيا السكاني. والآن بعد ان وصلت البلد الى ما وصلت إليه وتعاظمت المظالم لكل الأطراف وأخذت الحقوق بقوة السلاح دون تفريق بين مرتكب جرم او بريء! ماذا عسى الليبيون ان يعملوا لتضميد جراحاتهم التي يوسَعها مريدو الفتنة مطلع كل يوم جديد؟! ليس أمام الليبيين الآن إلا ان يتساموا عن أحقادهم ويفعَلون بقوة مبدأ المصالحة لبناء الدولة. اذ أنه لا مجال لبناء الدولة الجديدة الا في كنف من التوافق الاجتماعي المبني على التسامح والشعور بالأخوة واحترام مواثيق المواطنة والجيرة! والاعتراف بشراكة كل الليبيين في الوطن شدة ورخاء!

متى يصحو ضمير من أخذتهم العزة بالإثم بعد أن حقق الله لهم النصر بأيديهم وأيدي آخرين سخرهم لهم؟!. فتمادوا وطغوا وتجبَروا ! متى يصحو ضميرهم؟ ويدركون أن مصير ليبيا واحد وان الذين يتربصون بليبيا من الأعداء سوف لن يفرَقون بين الليبيين ولا يميَزون بين مؤيد لانتفاضة 17 فبراير أو معارض! . لقد آن الأوان ان يقرر الليبيون المصالحة ولو بفرضها بقوة القانون وعدم الاستمرار في مداهنة المتشددين دعاة الفرقة والانقسام, إن الوقت لا يسمح بمزيد من التراخي والتجاهل.. فالأخطار الخارجية تتعاظم كل يوم وليس من سبيل لمواجهتها الا من خلال رص الصفوف وتمتين عرى اللحمة الوطنية وكل ذلك من خلال المصالحة الوطنية الشاملة.

ليعلم الساسة في المؤتمر الوطني العام والحكومة أن مصير ليبيا معلَق بنواصيهم وأن الواجب يتطلب شجاعة وحسم بحجم اتخاذ قرارات حاسمة ترسَخ المواطنة وتؤسس لدولة الحرية والعدالة ومن بينها العفو العام عن المنضوين تحت المؤسسات العسكرية الا من ارتكب جريمة بحكم القانون.. والإسراع في عودة المهجَرين في الداخل والخارج إلى ديارهم وتوفير الأمن والأمان لكل الليبيين, وتفعيل القضاء النزيه للبث الفوري في كل القضايا المرفوعة حتى ينال كل ذي حق حقه تحت كنف القانون والدستور. نأمل أن لا يتأخر ذلك أكثر حتى تتفادى ليبيا منزلقات قادمة قد لا تحمد عاقبتها وحتى يتجنب ساسة اليوم محاسبة الشعب والتاريخ.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عبيد الرقيق

باحث ومحلل سياسي ليبي

التعليقات: 1

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً