لا ملجأ من كورونا إلا إلى رب كورونا.. وكورونا جائحة فاضحة

لا ملجأ من كورونا إلا إلى رب كورونا.. وكورونا جائحة فاضحة

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

في تسجيل لمحاضرة فيديو للدكتور مصطفى محمود رحمة الله عليه يقول: “بأن مأتيين ألف مليون ميكروب.. منها الضار والنافع.. يمشي الإنسان في زفة مأهولة.. ويسأل الأمن منين يا أخونا.. دي معضلة لا حل لها لأن الطب والعقاقير والصيدلة لا يستطيع أن يتعامل إلا مع 1 في الألف.. لا يوجد حل  إلا في التوسل إلى الله وهذا مكان الدين فالملجأ الأمين هو بطلب الله “إياك نعبد وإياك نستعين”.

فما يعرفه الإنسان واحد على مليون مما لا يعرفه.. عليه أن يذهب للعليم فلا نجاة إلا مع الله حيث يقول “الذين آمنوا ولم يلبسوا أيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن”.

ويظل اجتهاد الإنسان في الوصول إلى الله والأيمان به والتوكل عليه، عبر وسائط الأنبياء والرسل وكل الآيات المتجسدة في الظواهر الطبيعية والكونية التي من حولنا، هو السبيل الوحيد للطمأنينة والشعور بالأمان من آلاف الملايين من الكائنات التي تحوم حولنا وتلف أجسادنا بل وتغوص في أعماق حواسنا وأجهزة أجسامنا الهضمية والتنفسية والحركية! فلا ملجأ من الكورونا إلا إلى رب الكورونا ولكن بدون تواكل وقدرية سلبية!! فعلينا أن نأخذ بالأسباب تجاه مقاومة هذه الفيروسات وذلك بولوج عالم الكورونا في محاولة للإجابة على سؤال قد يساعدنا في التعاطي معها وهو: “هل الكورونا جائحة أم فاضحة؟”.

هل كورونا جائحة؟

لا يمكن نزع صفة أن فيروس كورونا جائحة (Pandemic) لأن هذا النوع من الفيروسات اليوم اجتاحت تقريبا العالم بأسره! فتقريباً قدرة هذا الفيروس على الانتشار لم يختارها لنفسه وإنما هي منحة من الخالق سبحانه جل وعلا وهو من زوده بتلك الخاصية.. الانتشار.. وهو سبحانه الذي يضع سره في أضعف خلقه.. بل هذا الكائن غير المرئي له القدرة على الانتشار والوصول إلى خلايا الحويصلات الهوائية التي تعمل في إدارة صناعة الحياة وذلك بتزويد جسم الإنسان بالأكسجين! بل ويستميت ليدمرها وليمنع الأكسيجين عن جسم الإنسان.

إذن كون الفيروس جائحة فهذا مقبول ولكن ماذا عن أن  الكورونا فاضحة؟.

الإنسان وعالم اليوم!

بعد ويلات الحرب العالمية الأولى والثانية وموت عشرات الملايين من البشر على ضوء ذلك أدعت الدول المنتصرة بأنها ستؤسس لعالم جديد ملؤه السلام والأمان والوئام بين بني الإنسان وذلك بتأسيس هيئة تضم جميع دول العالم المعترف بها، والتي نسميها اليوم هيئة الأمم المتحدة والتي يرأسها السيد أنطونيو قوتيرش وبحيث يسود السلم والأمن الدوليين أسس مجلس الأمن بأعضاء 5 دائمين العضوية وعشرة، بعد أن كانوا ستة، غير دائمين ليصبح الذراع الطولى للأمم المتحدة! نعم كورونا كشفت لنا قيمة الإنسان في الماكينة الإمبريالية النفعية الغربية المتمسكة بحساباتها وأرصدتها المالية حيث تتلاشى الأخلاق في تيار الحسابات الاقتصادية وتقدر قيمة الصرف على الإنسان، قبل آدميته، بالمردود الخدمي والضرائب المتوقعة منه! ليسقطوا في أسفل السافلين، ليس أرذل العمر ولكن عقاب انحطاط أخلاقهم، بعد تكريمهم بأحسن تقويم : “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين” سورة التين آية 4-5.

وهذا يتطلب مراجعة الدول الغربية لديمقراطيتها وفي هذا السياق وكإجابة لسؤال مجلة (الفورين بولسي): “كيف سيبدو العالم بعد وباء كورونا” يقول جون ايكينبري أستاذ العلوم السياسية في جامعة برينستون وحسب ما نقل عنه السيد عبد المنعم سعيد، مدير المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، في مقالته “الحيرة الأمريكية” بالشرق الأوسط-23/2/2020: “ستخرج الديمقراطيات الغربية من قوقعتها وتحاول البحث عن نماذج أكثر أماناً للتعاون المشترك”.

وعكس ذلك نجد في الشرق الأسيوي عموماً من سنغافورة إلى تايوان وكوريا الجنوبية وفي الصين خصوصاً الإنسان هو الإنسان بل المسنين لهم درجة الأفضلية في تقديم الخدمات.

وربما في هذا السياق يذكر في إجابته عن سؤال الفورين بولسي الأكاديمي والسياسي ستيفان والت بأنه: “سيُعجل الفيروس بانتقال القوة والتأثير من الغرب إلى الشرق” ويؤكده كيشور محبوباتي أكاديمي ووزير خارجية سنغفوره سابق بقوله: “سيعجل فيروس كورونا من تحول بدأ بالفعل من عولمة تتمحور حول أمريكا إلى عولمة تتمحور حول الصين.. فاندماج الصين مع العالم في أواخر القرن الماضي أدى لإعطاء الثقة للصينيين أنه يمكنهم المنافسة  في أي مكان وبالتالي أرى أن الصين انتصرت وهذا يتوافق مع دعوة الهند لقادة جنوب أسيا  لعقد اجتماع عبر الفيديو لبحث التهديدات التي تواجههم! وجائحة كورونا لم تفرق بين المليارات من البشر حيث تعاطت معهم بشكل أخلاقي وإنساني يرتقى لدرجة تكريم بني آدم التي أرادها له الخالق سبحانه: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر” سورة الإسراء آية 70.

لا يمكن أن تخرج جائحة كورونا عن كونها امتحان للأمة الإنسانية جمعا قبل الرجوع لرب الجميع “ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون” الأنبياء آية 35.

فكما أن العاقل يقول بأنه لا يمكن أن تخضع تصرفات البشر للعبثية فبالتأكيد سيكون هناك امتحانات نواجهها في حياتنا الدنيا لندخل بها الامتحان النهائي في الدار الأخرة.

ومع أننا نخضع لامتحانات فردية إلا أن هناك أيضاً امتحانات لمشاريع جماعية نشترك فيها مع الأسرة والقرية والمدينة والوطن وكذلك العالم! وقد تأخذ هذه الامتحانات شأن التدقيق الخارجي الذي يكون بتدخل رباني فطوبى لمن أخضع نفسه من حين لأخر للرقابة الذاتية والتدقيق الداخلي!.

 التدقيق الداخلي للذات وللعالم!

يقول رب العزة “لن تجد لسنة الله تبديلا” سورة الأحزاب آية ،62 صحيح أن هذا الكون يسيره رب العزة بنواميس وقوانين لن نجد لها تبديلا ومنها خضوعنا كبشر لابتلاءات وامتحانات بالشر والخير فتنة! ومن ضمن آلاف الملايين من الميكروبات والفيروسات يأتي فيروس كورونا ليختبر مدى استعدادنا للتضامن ولتطبيق آليات استخلافنا بالشكل الصحيح على وجه البسيطة.  يأتي وباء كرونا ليمتحن الجميع مؤسسات ودول وبشر كيفية التعاطي مع هذه الجائحة.

مع الذات: في ظل مشاغل الحياة المعاصرة والتشويش الذي أحدثته التكنولوجيا من محطات تلفزيونية لأقمار صناعية ووسائط اتصال اجتماعية يفتقر الإنسان للجلوس مع نفسه والتأمل في دورة في هذه الحياة إذا ما استثنيا الركعات التي يركعها البعض والفكر مشغول بهموم العالم وربما لتلقي أعجاب من حوله! نعم النفاق الديني أخفته جائحة كورونا بحيث لا مكان به ولا للإعجاب بتعبدك وبتدينك!!! فأنت في الحضرة الإلهية لوحدك تطلبه وحدك وتترجاه وحدك وتطلب من الحماية وحدك.. فلا ملجأ من الكورونا إلا إلى رب الكورونا سبحانه!!! ففي ظل عجلة وسباقنا مع الزمن الذي بات الوقت يتسرب من حياتنا ونحن لا ندري، لذلك فرضت علينا الجائحة البقاء بالبيت لفترة أطول وهي فرصة لمراجعة الذات والتدقيق في تصرفاتنا مع الله والناس والعالم! وهي مناسبة لطرح أسئلة: هل أنا راضي عن تصرفاتي تجاه نفسي؟ هل أنا مراقبة لحاجة جسمي من الغذاء الصحي والنوم الكافي والحركة المطلوبة؟ هل أمنح علقي ووجداني فرصة التأمل في نفسي وفي الكائنات من حولي وفضاء الكون الشاسع؟  هل أنا أقوم برسالتي في إعمار الأرض واستصلاحها أم أنا أقوم بدور المدمر للأرض والملوث للبيئة؟ هل أنا أتقاضى راتبي مقابل خدمات أقوم بها أم أنا متسول على أعتاب الحكومة بشكل زئبقي!.

هل أخذ التحوطات الوقائية محمل الجد أم أنا مستهتر أو متواكل وأقول: “الحافظ هو الله” دون أن أخذ بالأسباب؟ هل لو كنت مدخناً فكرت في الإقلاع عن التدخين وحاولت أن أزيد من حماية جهازي التنفسي من فيروسات كورونا! نعم المراجعة الذاتية تفرض علينا طرح تلك الأسئلة لنتكشف ونتعرى أمام أنفسنا بحيث تصبح كورونا فاضحة لنا أمام أنفسنا.

مع العالم: رأينا كيف أن كورونا فصحت العالم الذي يدعي حقوق الإنسان وحماية الحيوان!!! بتحديد الأولوية لعلاج فئة من مواطنيه وترك فئة أخرى للانتظار!!! رأينا كيف احتاجت إيطاليا لمساعدة أحدى مستعمراتها الفقيرة الصومال بتزويدها بعدد أربعة عشر (14) طيبياً!!! رأينا كيف تم السطو على بعض السفن الحاملة لمعدات طبية، واكتشفنا استعداد الصين لتقديم مساعدات لأمريكا العظمى!!! ولعدد من الدول الأوروبية.

نعم كورونا مخضت العالم ليتمخض عنه بالتأكيد رؤى جديدة وتوجهات مختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

العالم يحتاج لمراجعة كل الرؤى والسياسات التي عنده ويعرف بأن الأنانية أكبر عدو للإنسانية، والمشاركة في العيش على الأرض هو ما يجب أن تؤسس عليه جميع الأفكار والرؤى والسياسات الدولية! نعم فالأمة الإنسانية يجب أن تعي معنى المشاركة فـ “لا يمنع الماء والنار والكلأ” كما يروي أبن ماجة عن سيدنا المصطفى صل الله عليه وسلم.

بالتأكيد فيروس كورونا أثبت للجميع بأن رب الكون يضع سره في أضعف خلقه فيروس، من مئات بل آلاف الملايين من الكائنات الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة تحول حولنا وتعشش على وفي أجسادنا، لا يرى بالعين المجردة! وهي فرصة ثمينة لمراجعة الإنسان والعالم كيف التعاطي مع بعضهما وأنهما في الحقيقة إلى انفصال فيجب أن يستعد كل منها للحظة الانفصال.

نعم في لحظة بعد أن أصبح التواصل بين الأمة الإنسانية سهلا وميسراً واكتظت الملتقيات البشرية بالساحات الرياضية والفنية والتعبدية والمجمعات التعليمية والصحية والترفيهية أتى اليوم الذي تم فض تلك التجمعات وتفريقها، ولو بالقوة وإنزال الجيش للشوارع، لأنها باتت تشكل خطراً عليها بل جعلت الكورونا الانعزال والعزلة مع الذات هو الأصلح والأفضل لنحن والجميع!

يرى البعض ضمن الإجابة عن سؤال الفورين بوليسي كالأكاديمي ستيفان والت بأنه وبسبب الكورونا تنغلق الدول عن نفسها وستعزز فكرة الوطنية وربما الدولة القومية إلا أن هناك من يرى بضرورة الانفتاح على الدول الأخرى وفتح قنوات التعاون مع الجميع!!! وهذا يتوافق أيضاً مع ما ذهب إليه غراهام أليسون، في أجابته للفورين بوليسي حيث يذكر بأنه “لا يريد العولمة الأمريكية، ولا يريد التراجع الأمريكي إلى الخلف، ولكنة يريد تقاسم مناطق النفوذ في العالم” وبهذا تكون الشراكة مع الأخريين هي السبيل ليكون العالم أفضل مما هو عليه اليوم.

الخلاصة:

علينا توظيف جائحة كورونا للتدقيق على تصرفاتنا أفرادا ودولاً والتخلص من النفاق الديني والاجتماعي.. وعلينا تقدير معنى أن نعيش مع مائتين آلف مليون من الكائنات الدقيقة غير المرئية ولا نعي الأيمان بأن هناك خالق سبحانه نحتاجه ليحمينا وليعيننا على التعايش معها وهذا يتطلب تجديد أيماننا كل يوم ومحاولة إرضاء الخالق سبحانه والتقرب إليه بصالح الأعمال.

واليوم كورونا تفضحنا أفرادا ودولاً وتختبر تعاطينا معها. فعلى الدول الشرقية أن تعزز وتعضض من أخلاقياتها الاجتماعية وعلى الدول الغربية تطوير ديمقراطيتها بحيث تكون “أكثر أمانا للتعاون المشترك” كما ذكر جون ايكينبري في إجابته للفورين بوليسي! وعلينا نحن في ليبيا أن تتعاضد الجهود بين جميع أحرار فبراير للخروج من هذه الجائحة بأقل الخسائر متوكلين على الله ومستفيدين من تجارب الدول التي سبقتنا في امتحان كورونا ولتتوحد جهودنا في القضاء على، وسحق، فيروسات الداعشي حفتر الذي لا يرقب إلاً ولا ذمة في دماء الشعب الليبي. حفظ الله ليبيا.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

اترك تعليقاً