لمحة اقتصادية دولية في ظل الحرب الروسية الأوكرانية

لمحة اقتصادية دولية في ظل الحرب الروسية الأوكرانية

أحمد بن حليم

باحث في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية

هنالك العديد من الأسئلة التي تدور في ذهن كل شخص حول العالم وأهمها ماذا سيحدث للاقتصاد العالمي جراء الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أن العالم ولهذه اللحظة لا يزال يعاني من تداعيات أزمة كورونا أثرها على جميع القطاعات بسبب سياسة الاغلاق التي اتبعتها الدول قبل الانفتاح من جديد.

إن الانتعاش القوي في النمو الاقتصادي لسنة 2021 والذي وصل تقريبا الي 4.5% جعل من البنك الدولي يصرح بأنه في سنة 2022 يتوقع نسبة النمو العالمي ستشهد تباطؤ حاد وصولا الي حوالي 4.1%.

أهم الأحداث

استمرار الاختناقات بسلاسل التوريد

بسبب ازدحام الموانئ الرئيسية بالسفن مما أدي إلي التأخر ف امداد الدول من احتياجاتها من السلع و الخدمات قدي يؤدي الي الكمية المعروضة للسلع ومن ثم الزيادة في الاسعار ويمثل القطاع البحري نحو 90% من حركة التجارة العالمية، فيما أدت هذه الاضطرابات اللوجستية إلى معاناة الشركات في جميع أنحاء العالم وفي جميع القطاعات و أن اختناقات الشحن كشفت أنها أحد أخطر التهديدات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي بعد الوباء.

وفي حال استمرت مشاكل التوريد أو لم تستمر خلال العام الجاري، إلا أن تكاليف الشحن ستبقى مرتفعة وبالتالي فإن مشكلة توفير مساحة كافية على سفن الحاويات للحفاظ على حركة الإنتاج والمبيعات ستبقى مستمرة، وستكون البضائع على السفن محدودة، وسيتعين على تجار التجزئة والمصنعين تحمل المزيد من التأخيرات التي ستبقى مزمنة، ما سيؤدي إلى ازدياد التضخم وإلى إحداث تغيير جذري في التجارة العالمية وكان قطاع السيارات من بين الأكثر تضرراً مع تراجع الإنتاج في منطقة اليورو، بما في ذلك في ألمانيا، حيث خفضت شركات صناعة السيارات الإنتاج لأن المعدات الوسيطة، وخاصة أشباه الموصلات، لا تزال تعاني نقصاً في المعروض في حين أن هناك دلائل على أن نقص الإمدادات ينحسر مع انخفاض تكاليف الشحن وزيادة صادرات الرقائق، يتوقع الخبراء أن تستمر اختناقات العرض في التأثير على النمو بشكل ملحوظ في العام المقبل حيث في وقت كان يستعد فيه العالم للتخلص من أكبر أزمة تشهدها سوق الإمدادات، جاءت الأزمة الروسية – الأوكرانية لتعيد الأوضاع إلى المربع “صفر”، في ظل امتداد التحولات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة اليورو، وتداعيات العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على روسيا التي تمثل الكثير من واردات عدد كبير من السلع في السوق العالمية وأحدثت الحرب الروسية- الأوكرانية هزة عنيفة في سلاسل التوريد العالمية، التي لا تزال في حالة فوضى بسبب وباء كورونا، مما زاد من ارتفاع التكاليف وإطالة فترات التسليم وتحديات أخرى للشركات التي تحاول نقل البضائع حول العالم.

وتسببت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بإلغاء بعض الرحلات الجوية أو تغيير مسارها، مما زاد من الضغط على سعة الشحن وأثار مخاوف بشأن المزيد من الاضطرابات في سلاسل التوريد وتأتي التحديات الجديدة بعد أكثر من سنتين من الاضطرابات والتأخير وارتفاع الأسعار للشركات التي تستخدم سلاسل التوريد العالمية لنقل المنتجات حول العالم. وفي حين أن التداعيات الاقتصادية للحرب والعقوبات الشاملة على روسيا لم تتضح بعد، فإن العديد من الصناعات تستعد لسوء الوضع.

حرب روسيا والأمن الغذائي وعلاقته بارتفاع أسعار الطاقة والأسمدة

تلعب الأسمدة دوراً بالغ الأهمية، لدرجة أنَّ الفضل في تمكين الإنتاج الغذائي من مواكبة النمو السكاني العالمي، يعزى بشكل كبير لاكتشاف الأمونيا الصناعية قبل قرن من الزمن، وهو ما حرر البشر من قيود النظرية الـ”مالتوسية” التي تقول، إنَّ النمو السكاني يمكنه دهورة أسس المعيشة. فمنذ قرن تقريباً؛ ارتفع عدد سكان كوكب الأرض من 1.7 مليار إلى 7.7 مليار نسمة، ويعود الفضل بذلك بشكل كبير إلى النمو الهائل في المحاصيل.

ويرجح بعض الخبراء أنَّ عدد سكان العالم اليوم كان سيبلغ النصف لولا الأسمدة النيتروجينية وفي حال تعرقلت تجارة الأسمدة الدولية بشكل إضافي؛ سيؤدي ذلك إلى ارتفاع التكلفة على المزارعين حول العالم، مما سيقود بدوره إلى المزيد من التضخم في أسعار الغذاء. في وقت بلغت فيه أسعار الغذاء بالفعل معدلات قياسية حول العالم. إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، وارتفعت أسعار اليوريا مؤخراً، وهو يعد السماد النيتروجيني الأكثر شيوعاً بالولايات المتحدة حيث كانت أسعار الأسمدة قد ارتفعت بشكل كبير أصلاً بفعل أزمة الغاز في أوروبا، مجبرة العديد من المنتجين على خفض الإنتاج، أو حتى على الإغلاق في بعض الحالات و يضاف إلى ذلك ارتفاع تكلفة الشحن، وزيادة الرسوم الجمركية، وحالات الطقس المتطرفة، والعقوبات على بيلاروسيا، التي تسهم في خمس الإمدادات العالمية من سماد البوتاس الذي يستخرج من المناجم في حين يثير تضخم أسعار الغذاء قلق المستهلكين حول العالم؛ فإنَّ الأسعار مرشحة للارتفاع بشكل أكثر حدّة نتيجة الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي يهدد الشحنات الرئيسية لبعض المحاصيل الأساسية و تسهم روسيا وأوكرانيا معاً بأكثر من ربع التجارة العالمية من القمح، وبخمس مبيعات الذرة.

وقد أدى بالفعل إغلاق الموانئ وسكك الحديد في أوكرانيا، المعروفة بـ”سلة خبز” أوروبا، لفوضى في صادرات السلع في البلاد  وكانت أسعار الغذاء العالمية قد ارتفعت إلى معدلات قياسية في الأشهر السابقة. إذ تسبب الطقس المتطرف في تحديات على زراعة المحاصيل، فيما أدى نقص الأيدي العاملة، وارتفاع تكاليف الشحن إلى عرقلة سلاسل الإمداد و تلقن الحرب الأوكرانية القادة الدوليين درساً كان ينبغي لهم تعلمه من قبل، وهو وجوب تضمين خطط الأمن القومي استراتيجية زراعية طويلة الأجل، ما يعني البدء الآن بالاستثمار في ممارسات زراعية أكثر استدامة، ومحاصيل مقاومة لتغيرات المناخ، وتقنيات زراعية جديدة، فضلاً عن الاستثمار في سلاسل التوريد القائمة على منهجيات سريعة يمكنها الالتفاف حول الاضطرابات عند الحاجة. كما ينبغي أن يكون الأمن الغذائي أحد المحاور الرئيسية لاتفاقيات التجارة الدولية. و كان لغزو أوكرانيا ثلاثة مستويات من التأثير السلبي على الأمن الغذائي العالمي. أولاً، على شعبي أوكرانيا وروسيا اللذين يعانيان من اضطراب في الإمدادات. ثانياً، على الدول التي تعتمد بشدة على صادرات كل منهما. ثالثاً، على النطاق الأعم حيث تشعر البشرية بالفعل بصدمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

و يعاني حالياً 283 مليون شخص حول العالم من افتقار حاد للأمن الغذائي، فيما يقع 45 مليوناً آخرين على شفا المجاعة. بيد أن الدول المنكوبة بالمجاعة مسبقاً مثل اليمن هي الأكثر معاناة من تضاؤل صادرات المواد الغذائية الأوكرانية، إلا أن دولاً مثل مصر وتركيا وبنغلاديش، التي تقدر وارداتها من القمح الأوكراني بملايين الدولارات سنوياً، تعد من بين الدول الأكثر عرضة للمعاناة و كما تعتمد دول عديدة أخرى تعاني من نقص إمدادات الغذاء على الصادرات الأوكرانية. لنأخذ كينيا على سبيل المثال، فهي تستمد 34% من قمحها من روسيا وأوكرانيا، ويفتقر 70% من سكانها إلى الموارد المالية اللازمة لشراء الغذاء. كما تستورد المغرب 31% من قمحها من روسيا وأوكرانيا، و 56% من سكانها لا يستطيعون توفير إمدادات غذائية مستقرة. بل إن ما لا يقل عن نصف القمح الذي تشتريه الأمم المتحدة للمساعدة الغذائية في جميع أنحاء العالم يأتي من أوكرانيا

ارتفاع اسعار الطاقة وخصوصا بعد الحرب الروسية الاوكرانية وتراجع الطاقة الانتاجية الدولية

واصلت أسعار النفط ارتفاعاتها في وقت تتوارد فيه الأنباء عن خطط الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لحظر واردات النفط الروسية، فيما أعلنت شركة “شل” العملاقة للنفط أنها ستوقف أيضًا عمليات الشراء من البلاد وساعدت الزيادة الكبيرة في أسعار النفط على ارتفاع أسعار بيع التجزئة للوقود حول العالم.

سجّل البنزين مستوى قياسياً في الولايات المتحدة، كما ارتفعت أسعار الديزل الأوروبية أيضًا، مما يؤكد التأثير التضخمي لارتفاع تكاليف الطاقة حيث بدأ بعض التصدعات يظهر عبر أسواق النفط، إذ بدأت التكاليف المرتفعة في الظهور. وقلل صانعو البلاستيك في آسيا من إنتاجهم، فيما تدرس المصافي في المنطقة تخفيضات في التكرير وارتفعت تكلفة الشحن كذلك، مما زاد الضغط المتزايد على مصافي التكرير التي تعافت للتو من الوباء و لا يزال الديزل هو ركن السوق الذي يظهر أقصى درجات الضيق، لا سيما في أوروبا.

يدفع التجار علاوة تزيد على 100 دولار للطن للعقود الآجلة لزيوت الغاز منخفض الكبريت في بورصة انتركونتينتال مقارنة بعقد أبريل، وهو مستوى غير مسبوق، في وقت تبرز فيه ارتفاع الأسعار الفورية عن العقود الآجلة، وإن العقوبات الامريكية على النفط الروسي ستخلق فجوة مقدارها 4.3 مليون برميل يومياً “لا يمكن استبدالها ببساطة بمصادر إمداد أخرى”. وقدّر أن يكون انهيار الإمدادات بمثابة أكبر عجز محتمل في إمدادات النفط منذ حرب الخليج عام 1990 عندما تضاعفت أسعار النفط وستكون هنالك تداعيات واضحة للعقوبات المفروضة علي النفط الروسي فكلما ارتفعت الأسعار؛ زادت “فرص دخول الاقتصاد العالمي في ركود” في الربع الرابع من هذه السنة و إن مستوى النفط سيحفّز عند 240 دولاراً للبرميل ركوداً عالمياً، ويدمر الأسعار ذاتياً في غضون بضعة أشهر فقط، وبعد ذلك؛ ستنخفض الأسعار بشكل حاد”.

العقوبات الدولية علي روسيا

العقوبات تحمل الآن تأثيرًا رمزيًّا قويًّا، خصوصا بعد أن انضمت إليها سويسرا. هذه العقوبات تستهدف الاقتصاد الروسي والأثرياء المتمتعين بامتيازات الحكم، وذلك لرفع غضبهم بوجه الكرملين وكي يفقدَ دعمهم. الاحتجاجات في موسكو، وكذلك تصريحات أوائل الأثرياء ضد الحرب تشيران إلى أن الحرب ليست مدعومة من طرف الجميع. بالإضافة إلى ذلك، فإن الغرب يحاول أن يدعم أوكرانيا عسكريًّا وماليًّا لكي ترتفع كلفة الغزو بالنسبة لروسيا، فكلما أحدثت الحرب ضررًا أكبر، قلّت شعبية الحرب في روسيا و كذالك في سياق فرض العقوبات  قررت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجميد احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي الروسي. وهذه واحدة من أقسى العقوبات المالية على الإطلاق؛ إذ لم يتم فرض مثل هذه العقوبة إلا على عدد قليل من الدول، من بينها إيران وكوريا الشمالية.

ويتعلق الأمر بأصول تُعادل قيمتها حوالي 460 إلى 630 مليار دولار، اعتمادًا على ما يتم احتسابه بالضبط أما العواقب فستكون وخيمة. حاليا، و قد قام البنك المركزي بشراء الروبل الروسي بفضل احتياطياته من العملات الأجنبية. وهو يقوم بذلك لتثبيت سعر الروبل الذي خسر أكثر من 30% من قيمته منذ بداية الغزو. وإذا لم يعد البنك المركزي الروسي قادرًا على بيع احتياطياته من العُمُلات الأجنبية، فسوف تزداد قيمة الروبل انخفاضا لقد أصبح العثور على الأموال أكثر تكلفة بالنسبة للدولة الروسية. أما السبب فهو أنه لم يعد يُسمح للعديد من المستثمرين الدوليين بشراء السندات الحكومية الروسية بسبب العقوبات المفروضة على موسكو. وهو ما يؤدي إلى تضييق دائرة الأشخاص الذين بإمكانهم إقراض أموال إلى الدولة الروسية.

وبالفعل، ارتفعت أسعار الفائدة على سندات الحكومة الروسية بشكل حاد في الأيام الأخيرة وقام البنك المركزي الروسي بالترفيع في أسعار الفائدة من 9.5% إلى 20%. وهو ما من شأنه أن يُبقي الاستثمارات في روسيا أكثر جاذبية على الرغم من الحرب، ويُوقف بالتالي خروج الأموال من روسيا. كما تم إجبار المُصدرين أيضًا على بيع جزءٍ من أرباحهم التي يحصلون عليها بالعملات الأجنبية. تبعا لذلك، يجد الروس أنفسهم مُضطرين للاحتفاظ بالروبل وتعليقا على الكم الهائل من العقوبات المفروضة على روسيا، قال بيتر بياتسكي المسؤول السابق بوزارة الخزانة في إدارتي الرئيسين الأميركيين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب: “هذه حرب نووية مالية وأكبر عقوبات في التاريخ، لقد تحولت روسيا من كونها جزءا من الاقتصاد العالمي إلى أكبر هدف منفرد للعقوبات العالمية، وأصبحت منبوذة ماليا في أقل من أسبوعين.

وشملت مجموعة العقوبات الاوروبية علي روسيا الرئيس الروسي شخصيا حيث صرح مندوب روسيا الدائم لدى الاتحاد الأوروبي فلاديمير تشيجوف، إن عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد  بوتن، غير مسبوقة وغير منطقية ولن تحقق هدفها ويضيف أنه: “إذا كان الغرض من هذه العقوبات هو التأثير على سياسة الدولة الروسية ومصالح الرئيس الروسي، فهذا غير منطقي، لأن هذه الأهداف لن تتحقق بمثل هذه العقوبات الرمزية , ودعا الرئيس الروسي، المجتمع الدولي لتطبيع العلاقات مع موسكو، مشيرا إلى أن بلاده ستستفيد من العقوبات المفروضة عليها من الغرب وقال بوتن: “اقتصادنا سيتأقلم مع الوضع الراهن، وموسكو قد تستفيد من العقوبات حيث أن الرئيس الروسي مستهدف بالأساس بعقوبات أقرت بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014

و ايضا أعلنت الدول الغربية في إطار تشديد عقوباتها المالية على روسيا رداً على غزوها أوكرانيا،  استبعاد موسكو من نظام “سويفت” المالي العالمي. حيث تمثل جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) شبكة مؤمنة للتراسل لضمان المدفوعات السريعة عبر الحدود وقد أصبحت آلية أساسية لتمويل التجارة العالمية وستجد البنوك الروسية المحرومة من الاستفادة من نظام سويفت صعوبة في التواصل مع البنوك الأخرى على المستوى الدولي حتى في دول صديقة مثل الصين، مما سيؤدي إلى إبطاء حركة التجارة ويزيد من كلفة المعاملات. غير أن الحلفاء الذين توعدوا أيضا بفرض  قيود على البنك المركزي الروسي للحد من قدرته على دعم الروبل  لم يعلنوا حتى الآن أسماء البنوك المستهدفة بالكامل، وقال خبراء في العقوبات وخبراء مصرفيون إن ذلك يمثل خطوة حاسمة لقياس أثر القرار

ارتفاع أسعار الذهب

قفز الذهب إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عام، عقب إعطاء روسيا أوامر لقواتها العسكرية بدخول أوكرانيا، لتتصاعد حدّة الأزمة في شرق أوروبا، وتقود صعود أسعار سبائك الذهب باعتبارها ملاذاً تقليدياً آمناً وسط الاضطرابات الجيوسياسية و تشهد الأسواق هروباً جماعياً نحو الأمان، ويبدو أن الملاذ الآمن الحقيقي الوحيد حالياً هو الذهب، مع النظر إلى الاضطراب الذي تعيشه العملات المشفرة حيث شهدت الأسابيع الأخيرة ارتفاعاً في أسعار السبائك، بالتزامن مع تأجج المواجهات بين موسكو والغرب، مما ساعد الذهب بالتعويض عن الرياح المعاكسة التي واجهته، خصوصاً تلك المتعلقة بالتشديد النقدي من قِبل الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة. وتاريخياً، كان يُنظر إلى المعدن النفيس بوصفة تحوطاً ضد الاضطرابات السياسية والاقتصادية الكبرى.

و يُقيِّم المستثمرون التداعيات الاقتصادية لغزو روسيا لجارتها، مما يعطل إمدادات الطاقة والحبوب والمعادن. وأثار الارتفاع الناتج في أسعار النفط مخاوف بشأن النمو العالمي ومخاطر التضخم و اندفع المستثمرون نحو السبائك وسط حالة عدم اليقين، وارتفعت حيازات الصناديق المتداولة في البورصة المدعومة بالمعدن إلى أعلى مستوى ، وعزز مديرو صناديق التحوط صافي رهاناتهم الصاعدة على الذهب إلى أعلى مستوى في 19 شهراً. واصلت أسعار الذهب مكاسبها ، بعد أن أظهر تقرير الوظائف الأمريكية تباطؤ نمو الأجور حتى مع ازدهار التوظيف في الحقبة الاخيرة حيث يرغب التجار بالتأكيد في التعرض للذهب بسبب الحرب في أوكرانيا”. ومع ذلك، فإن بيانات الوظائف “أكدت أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لديه الضوء الأخضر لزيادة سعر الفائدة، ومن المرجح أن يبقي هذا سعر الذهب محكماً.

((أيضاً، تحققت مكاسب كبيرة في المعادن النفيسة الأخرى، إذ ارتفع البلاديوم بأكثر من 3%، ليصل إلى أعلى مستوياته منذ منتصف أغسطس الماضي، بسبب المخاوف من الاضطرابات المحتملة في الإمدادات و يذكر أن روسيا تنتج 40% تقريباً من البلاديوم المُستخرج حديثاً على مستوى العالم. كذلك ارتفعت أسعار الفضة والبلاتينيوم))

فواصل

  • أثّرت أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي إلى حد كبير على نظام النقل في العالم، حيث أصبحت تكاليف القيادة والشاحنات والطيران باهظة الثمن. لكن هذه المرة انتقلت الصدمة إلى ما هو أبعد من وسائل النقل، وهي التدفئة والطهي والكهرباء و سعى قادة الدول الغربية منذ غزت روسيا أوكرانيا لاستثناء الطاقة والسلع من العقوبات التي فرضوها على الكرملين، لكن السياسة فشلت بشكل مذهل و تعطل تدفق الموارد الطبيعية؛ وكانت النتيجة، في بعض الأسواق مثل القمح، توقفاً كاملاً. أصبحت الثغرات في سوق السلع الأساسية من الناحية السياسية عصية على الحل، حيث يدفع الغرب اليوم مزيداً من الأموال لروسيا بقيادة فلاديمير بوتين أكثر مما كان قبل الغزو، وربما أكثر من مليار دولار في اليوم.
  • غيّرت العقوبات المالية والاقتصادية التي تستهدف روسيا آليات تعامل الاتحاد الأوروبي تغييراً جوهرياً. يستوجب هذا التغيير أيضاً رد فعل مغاير من السلطات النقدية. لقد كررت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد مع رئيس البنك المركزي الفنلندي أولي ريهن التزامهما باتخاذ أي إجراء يحتاجه الحفاظ على استقرار الأسعار و مانزال بانتظار أن نرى معنى ذلك بالضبط في الممارسة الواقعية، لكنَّ إنهاء برامج التحفيز المرتبطة بجائحة كورونا تدريجياً قبل فصل الصيف، الذي كانت “أقلية كبيرة” من المجلس الحاكم تدافع عنه في اجتماع فبراير؛ سيُعلق بوضوح حتى وقت متأخر من هذا العام في أفضل الأحوال و يبدو أن لاشيء يوقف التضخم حالياً، مع ارتفاعه إلى 5.8% في منطقة اليورو في فبراير ليتجاوز مرة أخرى تقديرات المحللين، ويتموضع لمزيد من الارتفاع مع جموح أسعار الغاز كما أنَّ سوق النقد الأجنبي لا تساعد؛ فمع تداول اليورو عند أقل مستوى له أمام الدولار منذ 22 شهراً وعند أدنى مستوى له أمام عملات أكبر الشركاء التجاريين للكتلة منذ أكثر من 18 شهراً؛ قد تبدأ المنطقة باستيراد معدلات مرتفعة من التضخم. بل قد ينخفض سعر اليورو لموازاة الدولار الأمريكي، وهو مستوى لم يشهده منذ عقدين.
  • قال الاقتصاديون إن الإزالة الكاملة للنفط الروسي من الإمدادات العالمية قد تعني نتيجة أكثر تأزم بكثير و أن عواقب الإغلاق الكامل لصادرات النفط الروسية البالغة 4.3 مليون برميل يومياً إلى الولايات المتحدة وأوروبا ستكون دراماتيكية وبالتالي فإن صدمة النمو العالمي، سوف تتزايد
  • نظراً للترابط بين الأسواق العالمية، فمن المؤكد، أن تتأثر كل سلاسل التوريد حتى التي ليس لها روابط مباشرة بالمنطقة. ومن هذه التأثيرات، ما تشهده أسواق السلع من ارتفاعات متتالية في الأسعار، حيث سيؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع تكاليف النقل عالميا و العقوبات الأميركية على شركات التكنولوجيا تنذر بتأجيج مخاطر نقص الرقائق بين شركات صناعة السيارات في روسيا، و المعرضة كذلك لمخاطر خسارة إمدادات مكوّنات السيارات التي تستوردها من الاتحاد الأوروبي. كما سيكون للنزاع عواقب على قطاع السيارات العالمي أيضاً، لأن روسيا تُعد من بين أكبر منتجي المواد الخام الداخلة في صناعة المركبات الكهربائية، والسيارات التي تعمل بالبترول والديزل. وأن “حدوث أي اضطرابات في إمدادات هذه المواد الخام ستكون له تأثيرات وخيمة على شركات صناعة السيارات حول العالم، خصوصاً في أوروبا وأميركا الشماليةً
  • كانت الخيارات أمام روسيا في التعامل مع الأزمة، ودعم عملتها ودرء الانهيار الاقتصادي، محدودة للغاية بفعل العقوبات المفروضة على مصرفها المركزي فعندما تنخفض قيمة عملة أي دولة في شكل حاد، يبيع المصرف المركزي في الأغلب احتياطياته من النقد الأجنبي ويشتري عملته لدعم قيمتها ومن أجل مقاومة العقوبات الغربية المحتملة، جمعت روسيا في السنوات الأخيرة 643 مليار دولار كاحتياطيات من العملات الأجنبية، مثل الدولار واليورو واليوان. لكنه الآن سيجد صعوبة بالغة في استخدام هذه الاحتياطيات فنصف أصول المصرف المركزي الروسي المحتفظ بها في الغرب مجمدة، وهناك عقبات عملية كبيرة تحول دون بيع النصف الآخر المحتفظ به في روسيا والصين وكيانات أخرى ذات سيادة بالتالي لا يستطيع المصرف المركزي دعم الروبل في شكل فاعل، وهذا يعني أن مزيداً من الهبوط ممكن، الأمر الذي يؤدي إلى جر مستويات المعيشة إلى مزيد من الانخفاض.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أحمد بن حليم

باحث في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية

اترك تعليقاً