ليبيا والدولة الفاشلة

ليبيا والدولة الفاشلة

الشعب الليبي فرحته بالإنتفاضة والإبتهاج بها في السابع عشر من فبراير, لم تدوم وتستمر طويلاً , وسرعان ما تبدد هذا الحلم والفرح، وسرقة الإنتفاضة طوعاً وكرهاً من قبل تيارات سياسية ومليشيات مسلحه قامت بالسطو والإستيلاء والسيطرة عليها، وكذلك دول منها عربية ودولية لها دور في إيصال ليبيا إلى مرحلة  “الدولة الفاشلة” مثل قطر وتركيا والسودان وفرنسا وايطاليا وغيرها كثر.

رؤساء وقادة المليشيات المسلحة وأحزاب سياسيه وتيارات إسلاميه متطرفة , هم من قاموا بالعبث بكل مكونات الدولة , وعاتو فيها فساداً وخراباً، وجعلوها دولة مبتوره وفاشلة في كل المناحي السياسية والعسكرية  والاقتصادية والاجتماعية.

إن الأمم المتحدة بكل هيأتها تتحمل مسئولية تحويل ليبيا إلى دولة فاشلة، بسبب إفلات المجرمين من العقاب وتعاظم جرائم رؤساء وقادة المليشيات بحق الاستقرار في ليبيا، وغض النظر عن ممارسات سلوك وتصرف بعض الدول.

القصور والسلبية المتعمده من طرف بعثة الامم المتحدة فى ليبيا، وفقاً لقرار مجلس الأمن الصادر تحت رقم 1970، بشأن إحالة الملف الليبي الى محكمة الجنايات الدولية، وإمتناعها عن تلبية مطالب منظمات المجتمع المدني، والنشطاء والمواطنين بمختلف إنتماءاتهم في ليبيا , بخصوص إحالة ملف المجرمين و زعماء المليشيات إلى محكمة الجنايات الدولية، هو احد أهم الأسباب في دخول ليبيا إلى المرحلة الصعبة التي تعانى وتمر بها من هرج ومرج . وبصفتي كحقوقي ومواطن ليبي، أجزم إن المنظومة الدولية تدفع بليبيا إلى الفوضى، وذلك من واقع عدم قيام الامم المتحدة بإحالة ملف المجرمين إلى محكمة الجنايات الدولية، وهذا الأمر ما هو ” إلا الاثيان بسلوك سلبي يتعارض مع الحق في مباشرة الإجراءات الصحيحة والسليمة التي تتفق مع الحقوق والقانون”، وأكتفت بالإشارة إلى تلك الجرائم في تقرير الممثل الخاص في اجتماعات “مجلس الأمن” من غير توصيات جدية بإحالة ونقل الملف رسميا إلى المحكمة المذكورة، مما يدفع إلى تساؤل مطروح ومهم. ما هي مصلحة الامم المتحدة في إفلات المجرمين من العقاب في ليبيا؟

بتاريخ الأربعاء 19 مارس 2014، وفى مجلس حقوق الإنسان، إنعقدت الجلسة الثانية لمناقشة مسودة القرار الخاص بليبيا، الجلسة انعقدت بالقاعة رقم 24 بمبنى الأمم المتحدة حيث مقر انعقاد جلسات المجلس،  وناقش المجتمعون مسودة القرار، ومن بينها الفقرة رقم “8”، والتي تنص على تعاون ليبيا مع محكمة الجنايات الدولية، وكان لإحدى المنظمات الدولية مداخلتها بخصوص طلب إدراج موضوع تعاون ليبيا مع المحكمة الدولية بخصوص جلب زعماء المليشيات والمتورطين في الإعتداءات الواسعة على المدنيين، حيث أكدت هذه المنظمة أمام المجتمعين بأن هناك تعمد من السلطات الليبية على حماية هؤلاء المتورطين، لأنهم مسئولين في  السلطة، أيضاً هذه المطالبات التي تم تقديمها بشكل مكتوب، حسبما أوصى بها رئيس وفد المغرب ورئيس لجنة القرار، وتم تعميمها على وفود الدول المشاركة في لجنة القرار، هده المطالبات تم مواجهتها بالرفض من الوفد الليبي، حيث صرح رئيس الوفد الليبي، انه أحال هذه المقترحات إلى عاصمة بلاده لدراستها وإنه يرى من غير الممكن الموافقة عليها، وبالفعل السلطات الليبية رفضت هذا التعاون، لأنها تحمى المجرمين والمتورطين لأنهم مسئولين في هذه الدولة، وإن جميع ادعاءاتها عن حمايتها لحقوق الإنسان تصطدم في الحقيقة بمواقفها العملية التي توضح أنها غير قادرة وغير راغبة في حماية حقوق الإنسان.

ليبيا حالياً من حيث الواقع والحقيقة والمضمون  هي في مصاف الدولة الفاشلة، وبجداره تصف بهذا الوصف بسبب أفعال وتصرفات العصابة الدولية، والتى ضمنتها تحت البند السابع ونصبت مبعوث أممي وصياً وحاكماً فعلياً عليها، وكبلتها مؤخراً بوثيقة الصخيرات بواسطة حفنة من العملاء، مما أدى بليبيا إلى ما هو عليه من فوضى سياسية عارمة وصراع وتصارع وتطاحن من اجل السلطة وكسب المغانم الخ…

ومن أهم  الأسباب والإعتبارات الهامة و ما وصلت إليه ليبيا وهى كالآتى:

أولاً “السلطة التشريعية”: حيث تعتبر هذه السلطة غير دستورية، وذلك بفعل تجاوزها للإعلان الدستوري الذي أطلقها، وبسبب فتاوى المفتى إلى المليشيات بقتل كل من يتظاهر ضدها، واعتباره خارجاً عن “الطاعة” , وللمعلوم إن المفتى نفسه هو من شرع بفتوى محاصرة المؤتمر الوطني العام، لإستصدار القرار الجائر رقم “7”،  وهو نفسه من بارك تلك العمليات على المدنيين في بني وليد، وغيرها من الفتاوى الصادرة منه , والتي تحرض على القتال وخلق الفتنة داخل الوطن الواحد.

كما أصدر المؤتمر الوطني العام القانون رقم”5″، وهو حرفيا بالنص أحد القوانين المستعملة في فترة النظام السابق، وهى المادة “195” من قانون العقوبات المعمول به أبان حكم النظام السابق، حيث نص في صيغته الجديدة على تجريم ومعاقبة كل من يخالف المؤتمر العام في التوجهات أو يخالف توجهات “ثورة 17 فبراير”. إن إصدار هذا القانون في حد ذاته يعتبر احد الإخفاقات الكبرى ممن كانوا يطالبون “بالحرية وإلغاء القوانين المقيدة للحريات”.

ثانياً “السلطة القضائية”: تعتبر السلطة القضائية عاجزة تماماً وغير ذات فاعلية على الإطلاق، بإعتراف وزير العدل وبإعتراف عدد من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، ولعل حادثة إغتيال النائب العام السابق  “عبدالعزيزالحصادى” وهي ليست أول ولا أخر حادثة اغتيال ولم ولن تكون الأخيرة، وفى كل يوم سجل عملية الاغتيالات حافل بهذه الممارسات، كما إن التهديدات التي يتعرض لها أعضاء النيابة والقضاة وعناصرالشرطة القضائية وأعضاء السلك القضائي، والتهريب المتكرر للسجناء من مختلف السجون باستخدام قوة المليشيات , هو ما يعزز حقيقة عدم و جود نظام قضائي في ليبيا.

ثالثا “السلطة التنفيذية”: تعانى السلطة التنفيذية من عجزها عن تحقيق اى من واجباتها، وهى في الحقيقة تعاني نفسها من عدم قدرتها على حماية أعضائها، ولعل الحادثة المشهورة التي خطف على أثرها رئيس الوزراء الليبي هي احد الأدلة الواضحة على ذلك، كما إن حالات الفساد والمحسوبية والتهميش المتعمد لبعض المدن والمناطق هي دليل أخر على فشلها. والتقريرالصادرعن منظمة الشفافية الدولية يوم الأربعاء الموافق 27/ 1/ 2017، حيث حصدت ليبيا 16 علامة فقط وبترتيب 18 عربيا و161 عالميا، وألقت منظمة الشفافية باللائمة على الصراعات السياسية والمسلحة في زيادة مؤشرات الفساد في ليبيا، والذي يضع  ليبيا في مرتبة خمسة دول الأكثر فساداً في العالم، وهذا المؤشر الخطير ما هو إلى دليل على أن ليبيا دوله فاشلة وبإمتياز. وأيضاً تصنيفها مؤخراً بإنها دولة منكوبة صحياً.

رابعاً “السلطة الرابعة – الإعلام”: تعرض العديد من الصحفيون وفي مختلف المؤسسات الإعلامية، للخطف أو للاعتداء أو التهديد بالاعتداء، ومن الاذله على ذلك التدمير والحرق الكامل لاستوديوهات ومقر قناة العاصمة في طرابلس بتاريخ 11 فبراير 2014، من طرف مليشيات مدعومة من السلطات الليبية، ولم يسجل اى تحرك من قبل السلطات لحمايتها، أو فتح التحقيق في هذه الواقعة، ويرجع سبب الاعتداء عليها وإقتحامها، هو إنتقادها للمليشيات وزعمائها، وبسبب بثها تسجيلات لنشطاء مطالبين بعدم التمديد للمؤتمرالوطني، وبسبب بثها التسجيل  الكاشف للتصويت الغير القانوني للسيد احمد معتيق، وغيرها من التسجيلات الفاضحة والكاشفة للممارسات الخاطئة، والتي تتعارض مع الحقوق والحريات. وللمعلوم إن العديد من المليشيات المتواجدة في طرابلس تتبع مباشرة لرئيس المؤتمر الوطني العام، حسب القرارات الصادرة عن المؤتمر بالخصوص، وما يؤكد ذلك عدم تحرك المؤتمر والحكومة لحماية هذه المؤسسة، رغم وجود مقرها في قلب العاصمة طرابلس، وعلى مقربة من مقر المؤتمر الوطني العام. وهى نفسها الآن تتبع المجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج.

تأخر تثبيت ركائز الدولة، وما تشهده من أنقسمات وعدم الاستقرار السياسي والامنى والفوضى العارمة والانهيار الجسيم لاقتصاد الدولة وما صاحبه من تداعيات خطيرة، كان له الأثر السلبي، مما شجع في زيادة الانحراف في السلوك والأخلاق وبالتالي خلو الوطنية وعدم الانتماء للوطن من قبل المواطن.

إن سياسة الإفلات من العقاب ساهم في تغول المليشيات، وهو المشهد السياسي السائد حاليا، من أجل خلق سياسة فرض الأمرالواقع، والمخالفة لسيادة القانون وسيادة الدولة.

هؤلاء المجرمين وما ارتكبوه من جرم تحت التهديد بقوة السلاح، وإقتحامهم للمصارف وللمدن منها مدينة بني وليد، و قتلوا الأطفال والشيوخ ودمروا المعالم الإنسانية فيها، واعتقلوا وعذبوا وهجروا المدنيين، هم أنفسهم لازالو متواجدين على الساحة ومستمرين بإرتكابهم للجرائم في ليبيا، ومؤخراً وليس أخراً مدينتي ورشفانه والقربوللي شهدين على ذلك.

وحيث إن نظام القضاء الوطني معطل للأسف , وغير قادرعلى اتخاذ أية إجراءات، فانه لا مناص من تدخل القضاء الدولي، وفق القرارات الدولية التي نادي بها هؤلاء أنفسهم عندما كانوا يقاتلون ضد نظام القذافي، تلك القرارات الدولية جاهزة للتطبيق وليس مقتصرة على نظام القذافى فقط، بل هي قرارات تطالب بمحاسبة كل من أرتكب جرائم في ليبيا إعتباراً من تاريخ “17فبراير 2011”. وبما إن جريمة الإعتداء على المدنيين في مدينتي بني وليد  وورشفانة تعتبر من حيث المبدي خرقاً للقرارات الدولية، وخرقاً للقانون الدولي الانساني، وللقانون الدولي لحقوق الإنسان، وبالتالي أصبح وجوباً تفعيل هذه القرارات ضد هؤلاء المجرمين تحقيقا للعدالة، ومنعا للإفلات من العقاب، ومن أجل الحد من النزعات الإجرامية للمليشيات وزعمائها.

إن عمليه السطو المسلح على المصارف، وعمليات الخطف والابتزاز السياسي والمالي، وفرض سياسة الأمر الواقع، جعل من ليبيا تسبح في بركة من الدماء والإنقسامات السياسية، والصراعات بمختلف ألوانها وأنواعها، في ضل غياب الأمن والاستقرار بشقيه الامنى والسياسي. الأمم المتحدة وأمريكيا والأطراف الدولية مجتمعة، تسعى لتمزيق وتقسيم ليبيا، للاستفادة من خيراتها وثرواتها، وهذا الوضوح مما لايدع للشك فيه، دليل على ما وصلت إليه الدولة من فوضى عارمة بكل ما تعنى الكلمة والحالة التي آلة إليها الدولة، وما نشهده حالياً من مساعي للتدخل السياسي والعسكري الأجنبي، وخير دليل التدخل الايطالي الحالي بحجة الهجرة الغير شرعية والتي بسببها أصبحت ليبيا سيادتها منتهكة على أوسع الأبواب، وأصبحت تصنف من قبل هؤلاء بإنها دوله فاشلة بكل المقاييس والمعايير الدولية، نعم هو مشروع ومؤامرة دولية كبرى يحاك بالوطن، ويدار بواسطة أجنده معلنة وغير معلنة، والمليشيات المسلحة هي أحد هذه الاجندة، وهي طليقة الحركة ومدعومة محليا وعربياً ودولياً، وهي تعبث بالبلاد فساداً وبدعم اللامحدود من كل الأطراف الدولية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً