ليبيون يطالبون بتدخل الناتو لحماية المدنيين للمرة الثانية..!

ليبيون يطالبون بتدخل الناتو لحماية المدنيين للمرة الثانية..!

جماعة تصف نفسها بـ (لجان حماية الليبيين في الخارج والمجتمعة في تونس العاصمة) والممثلين لعائلات الليبية المُهجّرة في الخارج عقب أحداث 17 فبراير، يصدرون بياناً ردا على تصريحات وزير الداخلية وتهديداته بالتصفية الجسدية لمن وصفهم بـ “أزلام القذافي” في الداخل والخارج. وقد نشر البيان في مواقع الإنترنت يطالبون فيه مجلس الأمن والمجتمع الدولي والجامعة العربية، للتدخل العاجل لحمايتهم بأعتبار أن ليبيا لازالت خاضعة لاحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ، وذلك عقب التصريحات الأخيرة لوزير الداخلية الليبي وقد جاء في نص البيان والمحرر بتاريخ 24/8/2012:

“… لقد تكررت التهديدات علي الملأ في محطات التلفيزيون والإذاعات والصحف والرسائل الرسمية من طرف وزير داخلية ليبيا بتصفية المواطنين الليبيين المهاجرين في الخارج .. وخطفهم كما تم خطف الكثير من شبابنا وبناتنا من تونس .. بواسطة عصابات وتخديرهم ونقلهم الي ليبيا .. وتم تعذيبهم وقتلهم وكنا نعتقد أن هذه تصرفات عصابات مسلحة وليس بتعليمات من السلطات الرسمية وقد صرح بذلك علناً وزير الداخلية.  لذلك فإننا نطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن .. الذي مكن لمثل هؤلاء بحكم ليبيا … نحن نطالب هؤلاء بتحمل مسئولياتهم … بردع هذه العقلية المريضة من السيطرة علي بلدنا والذي يخضع حتي هذه الساعة لقرار الحماية بالفصل السابع .. لذلك نحن مطالب بحماية دولية لمليون ونصف مشرد .. يعانون في دول الجوار (تونس، مصر، الجزائر، المغرب، النيجر، مالي، تشاد..) وبقية الدول .. وهؤلاء دمرت منازلهم ونهبت أملاكهم .. ولا زال أبنائهم يعانون في سجون موزعة علي مليشيات تمارس ضدهم أبشع أنواع التعذيب والتنكيل .. وذلك بشهادة كافة المنظمات المختصة التي تعمل في ليبيا .. ولم نجد صوتاً واحداً يدافع عن هؤلاء….” … الى آخر البيان..!

وقد حذر البيان من أن ليبيا على شفا حرب أهلية بإعتبار أن المليون ونصف من المُهجّرين بالخارج ينتمون  لقبائل ليبية بالداخل قد أخفقت كل دعواتها للحوار والمصالحة الوطنية وتحقيق السلم الاجتماعي، وأنهم يعتبرون أنفسهم في حل من كل ذلك…!

خضوع ليبيا للفصل السابع وبأعتبارها دولة تحت الوصاية:

الاشارة لخضوع ليبيا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يجب أن يؤخذ على محمل الجد. لأن خضوع أي دولة للفصل السابع لا يعني فقط انها دولة قاصرة ومنقوصة السيادة بإعتبارها دولة تحت الوصاية. فالفصل السابع يأتي تحت عنوان ما يتخذ من أعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به. ويتضح من هذا أنه يتحدث عن خطوات إجرائية يحق للمجلس اتخاذها لضمان عودة الأمن والسلم لمناطق النزاع.

مواد هذا الفصل هي ثلاث عشرة مادة تتحدث المواد الثلاث الأولى عن أحقية المجلس في تقرير مايراه مناسباً لفض النزاع وإلزام أطرافه بتنفيذ هذه القرارات بمافيها الإجراءات الاقتصادية والمواصلات وقطع العلاقات الدبلوماسية، في حين تتحدث المادة التالية عن اتخاذ الإجراءات العسكرية بما يلزم لحفظ السلم وإعادته.عن طريق القوات العسكرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة.

بناء على ذلك يتضح عدم وجود قوات ردع تابعة لمجلس الأمن بل تتعهد الدول الأعضاء بأن تضع تحت تصرف المجلس مايلزم من القوات العسكرية والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحل النزاع وكل ذلك حسب اتفاقات مع المجلس يتم إنجازها لضمان تطبيق مقررات مجلس الأمن ..ويحق بموجب هذا الفصل لمجلس الأمن اتخاذ قرار التدخل العسكري ضد أي دولة سواءً كانت عضواً في الأمم المتحدة أو لم تكن وذلك حفظاً للسلم ومنعاً لأي عدوان.

حلف الناتو وسياسة المعايير المزدوجة:

لقد كان المسوّغ والمبرر الرئيس للإستعانة بقوات الناتو هو “طغيان القذافي” ومواجهته للمدنيين بالأسلحة الثقيلة وارتكابه المجازر الجماعية المروعة والاعتقالات العشوائية وانتهاكات حقوق الإنسان. مما دعى المجتمع الدولي للتدخل لحماية المدنيين واطلاق المساجين والدفاع عن حقوق الإنسان.

كانت تلك هي “المبررات الانسانية” للتدخل الدولي واستنهاض قوى الثوار الذين بذلوا أرواحهم من أجل تلك المبادئ السامية والدفاع المشروع عن النفس. ولكن، الكارثة أن يُعيد “الثوار استنساخ نهج القذافي في ممارسة الطغيان واللجوء للأسلحة الثقيلة في مواجهاتهم المسلحة بعد أن رجحت كفة الحرب إلى صالحهم، أو الحراك المسلح من قبل الجماعات الدينية بناءعلى فتاوى من مشائخ “السعودية وغيرها” كما حدث مؤخراً، أو اللجوء إلى الاغتيالات والاعتقالات العشوائية والتصرفات التي استنكرتها ذات المؤسسات الدولية التي انتقدت وحاربت القذافي إلى جانبهم.

فربما توّهم كثيرون “أيام عسل لا تنتهي” بين الناتو والثورة الليبية، وهم أولئك الذين يتناسون سياسة المعايير المزدوجة التي تتبعها دول الناتو، وأن مصالحهم هي فوق كل اعتبار اضافة للمغالطات الساذجة التي يروجها الساسة والاعلام الليبي بإضفاء “الطابع الإنساني” و”النخوة” على حملة قوات الناتو ضد كتائب القذافي. متناسين أن التحالف كان طيلة الحرب يحرص على مسك العصا من النصف اضافة إلى جهوده الواضحة ابان الحرب في مؤامرة تقسيم ليبيا ومنح القذافي الفرصة الكافية لإبادة قوات الثوار في المنطقة الغربية وكذلك ما حدث في منطقة االحقول النفطية من مؤامرة الإبقاء على حالة الجمود المريب التي انتابت منطقة البريقة وقصف الناتو لأرتال الثوار التي حاولت الاقتراب منها والتي لم تتحرر إلا بإعلان تحرير طرابلس. وكذلك الاتصالات السرية التي كشفت عنها وثائق مخابرات القذافي التي تم تسريبها بين القذافي وأمريكا حتى وقت قريب قبل تحرير العاصمة.

هذا اضافة الى تواصل امداد قوات القذافي بالسلاح ابان الثورة، وتكثيف القصف على معسكرات فارغة ومواقع لا علاقة لها بمهمة الناتو تركزت بطرابلس ومحيطها بينما تفسح المجال في المقابل لقوات القذافي بالتحرك في أراضي مكشوفة في المنطقة الغربية والجنوب والبريقة، وهو ما أثار حينها انتقادات واسعة من قبل المقاتلين الثوار وكان من أبرز تلك الانتقادات، تلك التي وجهها “الشهيد عبد الفتاح يونس لقوات الناتو ودورها المشبوه” وقد قال حينها: “بأن الناتو “قد حُسِبَ علينا” لم يطالنا منه إلا فضيحة الاستعانة به” ولم يُمهَل “عبد الفتاح يونس” طويلاً حينها. وظل رحيله غامضاً ومريبا..!

المهم في الأمر أن سيناريو عودة الناتو والتدخل تحت أي مسمى بات بالفعل على الأبواب، وأنهم أبدا لن يهادنوا فيما يتعلق بأمن المتوسط والتدفق “الآمن للطاقة” وهذا هو ما يعني “تحالف الناتو” في ليبيا. ونود أن نذكر هنا بمسألة “تهديدات أمن الطاقة” والتي بدأ الاهتمام المباشر بها من قبل حلف الناتو في قمتي ريجا 2006 وبوخارست 2008، وقد تضمن البيان الختامي ما مفاده (أن المصالح الأمنية للحلف يمكن أن تتأثر بانقطاع إمدادات الموارد الحيوية، مما يتطلب التعاون بين الناتو والمنظمات المعنية للحفاظ علي ذلك المورد الحيوي). وقد صرح الأمين العام للحلف  في مايو2006  “إن الناتو سوف يبحث استخدام القوة إذا ما هددت إمدادات الطاقة”. لذلك فإن أي أحداث في ليبيا “قد” تهدد انقطاع إمدادات النفط الليبي لأعضاء الحلف وتؤثر في أسعاره، تُعَـد تحديا مباشرا لمصالح دول الحلف. الناتو تحركه مصالحه لا “الدوافع الإنسانية”، وقد رأينا جميعاً كيف يغض المجتمع الدولي وحتى الاسلامي بصره عما يحدث في جرائم الإبادة الجماعية للمسلمين في “ميانمار” و”غيرها.

العرقلة المتعمدة لمؤسسة الجيش والشرطة وعدم تفعيل القضاء في ليبيا:

في ليبيا بات واضحاً بأن عرقلة مؤسسة “الجيش” و”عدم تفعيل القضاء” هو أمر مُنَظم ومُمَنهَج حتى لا تكون تلك “الدولة الحُلم”؛ دولة الحق والعدل .. دولة كل الليبيين دونما اقصاء أو تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأراء السياسية، وأن هذه الفوضى الأمنية هي فوضى منظمة ومدروسة وليست “عبثية” وهي في خدمة مصالح سياسية داخلية وخارجية. وكثيرون هم السفراء ورجال المخابرات من كل انحاء العالم بوظيفة “مراسلون صحفيون” والبعثات العربية والأجنبية الذين يجوبون البلاد بلا حسيب أو رقيب، يبذلون جهودا مُضنية من أجل أن لا تنعم ليبيا بالأمان أو تستعيد عافيتها واستقرارها.

وكل له دوافعه، فمنهم من أجل أن تُلقِن شعوبها دروساً مفادها (أن الثورات لا يخلفها إلا الدمار) وليجعلوا من ليبيا عبرة وموعضة لشعوبهم. ومنهم السعودية التي تقود جيوش من الكتائب الوهابية الذين يعيثون في ليبيا حرقاً وتدميرا ونبشاً للمقابر. السعودية والتي عبر “قناة العربية” تعتبر ضاحية “زليتن” الليبية أقرب إليها من أحداث “القطيف والشرقية” في السعودية. وبقية فضائيات الخليج مثل “الجزيرة” التي تغض النظر عن أحداث البحرين الدامية وتتصدر عناوين أخبارها الرئيسية “عركة” في أحد الشوارع الليبية.

بالتأكيد من حق الخليج أن يعيثوا فساداً قي ليبيا فنجاح الثورة قد “يغري” شعوبهم على المغامرة. كما أنه ليس من صالحهم أبداً قيام دولة ليبية نفطية معافاة وقوية في قلب المتوسط لتكون منافساً اقتصادياً قوياً لهم، لما تتمتع به ليبيا من خيرات ومزايا وهبها الله لهذا البلد. ومن الدول من عيناه على تدفق النفط والغاز ومنهم كذلك من لا يروقه إلا ليبيا مفتتة تنهشها الحرب الأهلية والطائفية. ولتنفيد كل ذلك لدينا جيوش من العملاء والمجندين ما يكفي لاحراق ليبيا بأسرها.

وفي ظل اصرار الحكومة والمجلس على عدم تفعيل القضاء وتعمّد عرقلة عودة مؤسسة الجيش والشرطة الرسمية وانتشار سلاح تملكه مليشيات خارجة عن القانون، ليبيا أمام خيار وحيد هو تدخل القوى الدولية لحماية المدنيين واستعادة الأمن في البلاد. ومؤخرا وجه “السيد مارتن” ممثل الأمم المتحدة في ليبيا رسالة للإنتقالي، يعرب عن قلقه العميق حول المجازر الانسانية جراء الحرب الأهلية التي تحدث مؤخراً في مناطق مختلفة من ليبيا. ولا يستبعد بالطبع تدخل مجلس الأمن لحماية المدنيين. وهو ما كان يسعى إليه “تحالف الناتو” منذ البدء.  وقد فتح هؤلاء المتمردين المسلحين باب الوصاية الأجنبية على مصراعيه ومهدوا الطريق للقبعات الزرقاء !

وهذا هو السيناريو المقصود من وراء هذه الحروب القبلية التي تندلع في ليبيا، وهو التدخل الأجنبي “مرة أخرى” لحماية المدنيين من قصف العصابات القبلية والجماعات الدينية المسلحة. ولكن هذه المرة لن تكون كسابقتها. وربما ستكون حرباً طويلة الأمد تمتد لسنوات لمطاردة المسلحين من الثوار والبحث عن حجة أخرى للبقاء الأجنبي المسلح وستكون مطاردة فلول القاعدة على رأس أجندة “التدخل الثاني” لحلف الأطلسي.

الولاء والانتماء للوطن وليس للتواريخ والأيديولوجيا:

لا ندري أي هاوية نجر بلادنا إليها؟ فقط ارضاء لنشوة الانتقام والتشفي في بعضنا البعض. كانت ستحقق هذه الثورة نصراً عظيماً لو نجحت في ترسيخ مبدأ الولاء والانتماء للوطن … ونهاية عصر الولاء للأشخاص والأيديولوجيا، أو الولاء والانتماء للأحداث التاريخية. فهذا فريق ولاؤه وانتماؤه لـ (لثورة 17 فبراير) وذاك فريق ولاؤه وانتماؤه لـ (ثورة الفاتح من سبتمبر) …! أما ليبيا فليست “وطن” يستحق الولاء والانتماء لهذا الفريق أوذاك انما مجرد ساحة صراع وقتال وأي من الفريقين سيكون منتشياً بوضع الآخر تحت قدميه…!

وأخيراً … أكرر ذات السؤال على المتشبثين بالسلاح ثقيله وخفيفه من قبل “الثوار” و”المدن” و”القبائل”: هل يمارس الظلم والطغيان من ثار ضدهما..!؟ ثم كيف نطالب من يختلف معنا بالإعتراف بسلطة دولة إن كنا نحن لم نعترف بها وإن كانت بالفعل ضعيفة وهشة ..! فمن أين ستأتي بقوة نحن نُسهِم بسلبها إياها ونرفع سلاحنا بوجهها ولا نعترف بأمنها ودفاعها .!؟؟

ألا تحاولوا أن تكونوا “عصا” سليمان -عليه السلام- التي اسندته وهو ميت حتى توهم الشياطين لزمن بأنه على قيد الحياة ..؟؟ دولتنا الفاشلة لن تنجح أو تقوى إلا بنا ولن تنهار إلا بجهلنا وأنانيتنا وانقساماتنا وعنصريتنا وقبليتنا. ونحن لا نبريء أنفسنا فإننا نحمل القدر الأكبر من فشل دولتنا ومسؤولية إنقاذ ليبيا أو انهيارها للأبد..

اننا بحاجة مُلحَة وعاجلة لتفعيل القضاء لرد المظالم والحقوق ومحاسبة الجناة والمجرمين من كل الأطراف ولا فضل لليبي على ليبي والكل سواسية أمام القضاء. ويجب أن تتوقف حمى الثورة ونلتفت لبناء دولة العدل والحق. وأن الانتماء والولاء لله والوطن لا لـ 17 فبراير أو لـ 1 سبتمبر…! وإن التبجح بالانتماء للتواريخ والأحداث التاريخية لا للوطن أقل ما يقال عنه أنه تافه ومبتذل وسلوك مرضي.

إننا لا نحتاج لشعارات “المصالحة” الجوفاء بل نحتاج لتفعيل القضاء وإقامة العدل فهما الفيصل والملاذ الوحيد، من أجل انقاذ ليبيا… إن كان هناك فعلاً من قلبه على هذا البلد… ومن أجل النهوض به وأن يبقى آمناً مستقراً. أما المصالحة الحقيقية فهي بيننا وبين أنفسنا والتخلص من أمراضنا وعنصريتنا وصراع الهويات الفرعية المقيت. فيكفي أن نكون جميعاً منتمين لليبيا وأن ندافع عن هويتنا الليبية ومعتصمين بحبل الله حتى نجد أن كل أمراض الفرقة والتعصب أي كان نوعه قد غدا من الماضي.

 وحفظ الله ليبيا وأهلها من شر ما يكيدون.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً