متى تغرب المجالس التشريعية

متى تغرب المجالس التشريعية

د. عيسى بغني

أكاديمي مهتم بالشأن الليبي

new-article2_10-11-2016

ما نراه من تشرذم أعضاء مجلس النواب في كل حدب وصوب، وتصدع لدراعه العسكري، بعد كشف وزير الدفاع للمستور، وعجز المجلس عن عقد جلسة كاملة النصاب لمناقشة أمور بالغة الأهمية للشعب الليبي مثل إدخال الاتفاقي السياسي في الدستور من أجل حلحلة الأزمة الخانقة، يتأكد بما لا مجال له للشك أن أفوله ليس ببعيد. مجلس النواب ولد قاصراً عند تمريره بنسبة لا تتجاوز 15% ممن يحق لهم الانتخاب، وولد ضريراً عندما أخطاء مكان انعقاده وسكن تُبةٌ دفع ثمن حمايتها غاليا، أن أصبح عديم الفعل عديم القيمة عديم الفائدة، رغم محاولة الجميع للعض عليه بالنواجد مؤقتا لأجل السير قُدُما نحو بناء مؤسسات الدولة وإنهاء الفترة الانتقالية العصيبة بنجاح.

إضافة إلى مثالب التبة، يمتلك البرلمان على عوامل التيه والوهن منذ انتخابه، وذلك بانتخاب (أو بالأحرى تصعيد) القوى القبلية لأعضاء يمثلون قبائلها دون الوطن، كرد فعل للممارسات والمماحكات التي كانت بين أعضاء المؤتمر الوطني، وأعني بذلك أن العديد من أعضاء مجلس النواب لهم ارتباط جهوي أو قبلي وهم من يعرقل التأم مجلس النواب. ومع توقف عمل البرلمان عن أداء عمله أصبح الاحتفاظ به والتمسك بوجوده لا يعدوا أن يكون فرصة سانحة لجمع المال والتمتع بالمزايا الشخصية مثل بناء الفلل والعمارات، وقضاء الوقت في شليهات شرم الشيخ وأغادير، والتنقل بين العواصم على حساب الشعب الليبي، مع الظهور حينا في الإعلام من دبي أو باريس أو القاهرة لشتم الإخوان والمقاتلة وسب المجلس الرئاسي والمناداة بتسليح الجيش العربي الليبي الاشتراكي العظيم.

عدم قدرة مجلس النواب على الاجتماع وعدم قدرته على إيجاد توافق وانحساره في رئيسه عقيلة صالح الذي أتخذ له بطانة مؤدلجة من الحرس القديم، وهو في حمى التبة التي تعتصره إن حاد عنها بالموافقة على المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات، يكون الشعب الليبي بحق في حل من هذا المجلس التعيس، وفي غنى عن قراراته، بالمثل لن يتحسر أحدا عن رجوع أعضاء مجلس الدولة إلى بيوتهم لممارسة مهنهم التي تدربوا عليها دون تمثيل لدور لا يوجد ولا فائدة ترجى منه، وبذلك تكون هذه الأجسام قد أسدت صنيعا طيبا لجميع الليبيين، وهو ما ينهي التدخل الخارجي، والانقسام الداخلي فلا برقة ولا ولاية طرابلس ولا فزان ولا فيدرالية ولا أحلام وردية في الإقصاء والأنانية، ولا عساكر تمول من الخارج، كما أن توقف رواتب مجلس النواب ومجلس الدولة والمؤتمر الوطني سيحل مشكلة السيولة لعدد يزيد عن نصف مليون مواطن في حاجة ماسة إلى سبل العيش الكريم، وسيفتح بابا واسعاً لتسيير الدولة مؤقتا من المجلس الرئاسي إلى حين انتظام انتخابات جديدة في الصيف القادم.

في غياب الدستور وغياب هيكلة الدولة، ليبيا لا تحتاج إلى إصدار قوانين جديدة حاليا، بل أن القوانين الارتجالية الصادرة عن هذه الأجسام مثل إلغاء القروض الربوية دون إيجاد بدائل أو معالجة الأمر بالانتقال إلى نظام البنوك الإسلامية ساهم في اختفاء السيولة، وعجز المصارف عن أداء عملها، وإن كان هناك قوانين ملحة مثل قانون الانتخابات أو قانون الاستفتاء عن الدستور فالجهاز القضائي قادر على القيام بذلك.

الجميع يعلم أن الشعب الليبي حديث التجربة بالديموقراطية وله تصحر سياسي طويل، ومن دُفع بهم في الانتخابات لم يكن لهم تاريخ نضالي أو ارتقاء في مؤسسات المجتمع المدني ولم يتم صقلهم في كيانات حزبية عريقة لها برامج تنموية، بل أن الكثير منهم من لا رؤية له ولا خبرة سابقة، وبعضهم دفع به بطريقة التصعيد القبلية، ومنهم من كان عاطلا عن العمل ولا يمتلك سوى الظهور الإعلامي، إضافة إلى رئاسة قبلية فردية سيئة لمجلس النواب تكون مخرجات المجلس ما نراه الآن.

إن التيار الوطني من المثقفين والنشطاء السياسيين والحقوقيين ومؤسسات المجتمع المدني يجب أن يكون لهم دورا فاعلا في توجيه سياسات التغيير، والضغط نحو اتخاذ قرارات مصيرية من أجل عبور المرحلة الانتقالية بسلام،  وإلا كان الإفلاس والتشرذم والحرب الأهلية والهجرة الجماعية إلى الدول المجاورة الأكثر فقراً،  ولا شك أن أولي خطوات تصحيح المسار تكون بإسقاط كل الكيانات التشريعية، وعندها ينتهي التدخل المصري الإماراتي الفرنسي، وتنتهي أحلام العسكر، ويستمر تصدير النفط دون ضغوطات محلية وإقليمية، ويلجم المجرمون بوجود سلطة واحدة، وتنتهي تبعية المدن إلى أجسام شتى، وينعم الوطن بالأمن فتنتهي مشكلة السيولة، وأهم من ذلك أننا نبدأ من جديد بنفس جديدة ويتعلم  الليبيون أهمية اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، بعيدا عن الجهوية والقبلية، والشخصية التي لا ترى في الوطن سوى ألة سحب للنقود تتنعم بها خارجه، وما أن تتعطل الألة إلا وبحثت عن ألة أخرى، ووطن آخر لتعيش متطفلة أو مترممة فلا فرق بين ذلك فكله أكل عيش.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. عيسى بغني

أكاديمي مهتم بالشأن الليبي

التعليقات: 1

  • محمد علي المبروك

    شكرًا دكتور عيسى على هذا المقال القيم بالفعل أولى الحلول لإنقاذ ليبيا باسقاط الكيانات التشريعية في ليبيا لانها سبب البلاء ، ولا سبب وطني لوجودهم وماوجودهم الا لاجل المال والمزايا ، ولأجل ذلك حتى لو تلاشت ليبيا ، ولا افهم أناس ليس لديهم القدرة على تغيير اوضاع ليبيا ماالذي يبيقيهم حكاما وليبيا يوميا تنهار انها الانانية والبلادة على حساب شعب ووطن

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً