مصرف ليبيا المركزي و سبّب الأزمة

مصرف ليبيا المركزي و سبّب الأزمة

المصرف المركزي هو المحتكر الوحيد لسوق الدولار ولا يوجد أي مصدر اخر يمكن أن تشتري الدولار منه فلا نقوم بتصدير السلع ولا نقدم الخدمات ولا توجد شركات اجنبية أو سفارات تطرح دولارا لشراء العملة الليبية. لكن الدولارات متوفرة في السوق الموازية في سوق الدهب وعند الصرافين لأي كمية تريد انما بسعر مختلف. لذا فلا نخطئ في القول أن المصرف المركزي هو الممول الحيد لهذه السوق وبالتالي هو المسؤول عن رفع السعر وعن موجة الغلاء التي تجتاح البلاد وتفتك بالعباد.

وموظف البنك الذي يقرر تخصيص العملة لشركة ما أو لشخص ما ليس جاهلا بسعرها الحقيقي وليس عاجزا عن فهم أن من يطلب العملة لسبب أو لأخر يربح دينارين في كل دولار ويتحقق الربح بمجرد التوقيع، وهذا الموظف لا يعمل وحده بل هناك موظف قبله وموظف بعده لذا تمتد سلسلة الرشوة أو التربح (التربح هو استغلال الوظيفة لتحقيق نفع مادي). لتشمل المنظومة الكاملة من العاملين في المصارف.

وسياسة السعر الثابت للدولار أو تدخل البنوك المركزية لتثبيت قيمة عملتها في السوق انتهت منذ ستينات القرن الماضي تخلت عنها معظم دول العالم بعد هبوط مفاجئ للفرنك الفرنسي تلاه هبوط للدولار تخلت بموجبه الولايات المتحدة عن قاعدة الذهب وبدأ نظام العملة متغيرة القيمة Floating أي ان البنوك المركزية لا تتدخل لدعم العملة عند هبوطها بل تترك لعوامل السوق أن تحدد قيمتها.

ويفترض أن يتخلى المصرف المركزي عن سياسة عقيمة تخلت معظم الأنظمة عنها ويطرح العملة المتوفرة لديه سواء كانت قليلة أو كثيرة في مزاد علني يشتريها من يدفع أكثر. وستقضى هذه السياسة عن السوق الموازية وتوحد الاقتصاد في سوق واحد وسعر واحد. لكنها ستمنع موظفي البنوك من تحقيق هامش الربح ومقداره ديناران على كل ورقة خضراء. وسيخرج من يعترض على ذلك وسيتكلم بلغة العواطف الرخيصة وليس بلغة الاقتصاد سيحدثك عن معاناة الفقراء وعن السلع الأساسية التي ينبغي الا تمس ويتجاهل أن الدقيق لم ينقص من السوق نتيجة رفع الدعم وان الخبز متوفر باستمرار وان كان سعره تضاعف أربع مرات وان الدخل الأساسي لم يتأثر لان استهلاك الخبز قل كثيرا وأصبح المواطن يشتري ما يحتاجه فقط لأنك حين تدفع السعر الحقيقي للسلعة ستحافظ على استهلاكك منها ولن تلقي شيئا للماشية أو في القمامة.

وحين يكون الدولار متوفرا في السوق فلن تحتفظ به الناس كوعاء للقيمة بل ستشتري منه بقدر ما تحتاج وستبيع الفائض في السوق لأنك تضمن أن تحصل عليه عند أول طلب لكن هذه الحلول لا توافق موظفي البنك ومحافظه الذين اصبحوا منظومة متكاملة يمكن أن توصف بالعصابات المنظمة أو الدولة العميقة , ولن تروق لقادة الميليشيات الذين يحصلون على الملايين ويطلبون مقابلها بفوهة البندقية دولارات خضراء تسر الناظرين.

بل ان المحافظ تصرف برعونة أكبر حين ساهم عن قصد في ازمة السيولة التي تعاني منها البنوك ونتيجتها فقد الثقة في النظام المصرفي والامتناع عن إيداع نقوده فيه. وهذه فيما يبدو طريقة ممنهجة لضرب البنوك واخراجها من اقتصاد الدولة تمهيدا لحلول النظام الإسلامي محلها، الأولى منعها من التعامل بالفائدة الثانية افراغ خزائنها من الكاش، لنزع عامل الثقة بين البنك والعميل لأنه حين يودع مدخراته يتوقع أن يسحبها متى احتاج اليها. والتعامل الاقتصادي في ليبيا يقوم على الكاش لان البنوك تعطل صرف الشيكات وتبقى الشيك لديها لمدة تصل لشهر في بعض الأحيان وخمسة عشر يوما في أقل الأحيان وتعامل الشيك المصرفي معاملة الشيك العادي المشكوك في تحصيله، وتخلق اعذارا واهية لرد الشيك بحجة التوقيع غير مطابق او بحجة أن قيمة الشيك قد تقل عن قيمة الرصيد بدينار أو دينارين. واوقف العمل بمنظومة المقاصة الالكترونية التي تبيح إضافة قيمة الشيك بمجرد ايداعه في فرع أي بنك.

وهذين القرارين صدرا في عهد الصديق الكبير الذي لا تخلو سمعته من شبهات ولا تخلو تصرفاته من ريبة وعلاقته باللجان الثورية كانت قوية وواضحة وكانت مصدر فخر له لا ينكرها. وحين انفرد برئاسة مصرف الامة لمدة عشر سنوات تسبب في افلاس البنك وضمه لمصرف الجمهورية لأنه أفرط في تقديم التسهيلات لعملاء النظام السابق وتناولت سمعته تحقيقات اجراها مؤتمر الشعب العام قبل الثورة اثبتت علاقته اللصيقة بمحمد عبد الله عقيل أشهر رؤوس الفساد في العهد القذافي، ومحاضر التحقيق موجودة سبق لي نشرها.

ثم دخل بعد الثورة في زمرة الاخوان وكون مع علي الصلابي شركة Offshore في احدى الجزر البريطانية، ومرر لهم كل ما أرادوا لتدمير النظام المصرفي مقابل أن يكون محافظا.

والنتيجة تحققت فالمصارف خاوية من الكاش زالت الثقة بينها وبين العميل، والدينار يفقد قيمته على نحو مستمر، والاسعار ترتفع يوما بعد يوم وسنعود لزمن المقايضة عما قريب.

سالت صاحب محل سوبر ماركت لماذا لا تضع الأسعار على السلع كما هو المعتاد قال انه لا يستطيع.

فسعر البضاعة يرتفع كل يوم واثناء وجود البضاعة على الرف وفى اثناء وجودك في المحل للشراء. موقف شبيه بما حدث في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية حين انهار الاقتصاد واصبح التضخم غولا مخيفا وكانت أسعار الوجبات في المطاعم تتغير اثناء تناولك الطعام. الى ان برز وزير للاقتصاد اسمه ايرهارد كل ما فعله أن اطلق حرية البيع والشراء دون تحديد سعر.

هذا المقال لايعبر سوى عن رأي كاتبه كما أنه لا يعبر بالضرورة عن عين ليبيا

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

  • طرابلسي

    أعلن البنك المركزي عن امكانية شرائه للاوراق المالية المتداولة في عهد القذافي واللتي الغيت من زمان ,, والغريب ان هناك من يؤكد انه رأى اشخاصا منذ مدة يبحثون عن هذه الاصدارات الملغية لشرائها بثمن بخش , فالورقة فئة الخمسون دينار يشترونها بعشرة .. فمن اين علموا بأنهم سيتمكنون قريبا من استبدالها بنفس قيمتها الاسمية القديمة عند البنك المركزي فيحققون بذلك ربحا قدره على الاقل اربعون دينار عن كل ورقة؟؟؟؟؟؟؟؟
    كذلك فتوفير السيولة عن طريق طبع اوراق نقدية جديدة عند الحاجة بدون اخذ القواعد والظوابط الاقتصادية بعين الاعتبار سينتج عنه تضخم وارتفاع كبير في الاسعار . الحل السليم كان بيع البنك المركزي لسندات بنكية للشعب لمدة معينة ثم يرجع قيمة السندات عند انتهاء المدة المتفق عليها مع ربح معقول وبذلك تتوفر السيولة للبنك بدون اللجوء لطباعة النقود . والكلام عن ان قائدة البنوك حرام كذّبها مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة وكذلك شيخ الازهر السابق بقولهما بأن فائدة البنوك ليست حرام لانها ليست ربا ولكنها عمولة او رسوم او سمّها كما شئت.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً