منطقة ورشفانة هذه الأيام (2)

منطقة ورشفانة هذه الأيام (2)

محمد علي المبروك

كاتب ومحلل سياسي ليبي.

منطقة ورشفانة منطقة شبه مقفلة سدت اغلب الطرقات المؤدية اليها من جهاتها الغربية وجهاتها الشمالية والشرقية بكثبان من الرمل ووضعت فيها مجموعات مسلحة ولم يبق لها الا منافذ محددة وقليلة وهى منافذ محروسة، الطريق الساحلي الذي يُحد شمال ورشفانة من منطقة صياد شرقا والى عند منطقة جودائم غربا هو تحت سيطرة قوة مسلحة لحفظ السلام متمثلة في كتيبة من مدينة مصراتة (كتيبة المرداس).

عند مروري من الطريق الساحلي تلح علي رغبة لاقتحام هذه المنطقة شبه المقفلة وخلف كل قفل بيان… وخلف كل قفل من الحقيقة معانٍ… حتى كان يوم الاثنين بتاريخ 1-6-2015م، فقد احتدمت ارادتي ودفعتني الى اقتحامها ليس معتديا بل عابرا واتخذت طريقي بمحاذاة جسر كم 27 متجها جنوبا وهو مدخل من مداخل منطقة ورشفانة وعند بدء الطريق كان هناك  كثيبين من الرمل بينهما ممر ضيق لمرور السيارات وفي الممر مجموعة من العسكر يرتدون زيا عسكريا، طلب احدهم مني اثباتا فناولته إياه ونظر اليه سريعا ثم سلمه لي واندفعت على الطريق الذي امتد امامي أشبه بثعبان اسود عظيم مرقّط ببعض الحفر وهو ثعبان لايزحف وإنما تزحف عليه سيارتي التي تعدو امتدادا الى مجهول… أجدني فيه أسيرا دون حول. وغرضي ان اجعل لصمت الحقيقة قول… عدوا لا يستقيم… ينحني حيناً وحينا يمتد في طول. وعلى جانبي الطريق بعض المحلات المفتوحة وبعضها لا زال مقفلا من زمن الحرب وبعضها مدمر وبعضها تحول الى قطعا من الفحم. كان عدد السيارات قليلا ليس هو العدد المعتاد في منطقة كمنطقة ورشفانة ولكن هذا العدد يجعل من الطريق زاخرا بالحركة… زاهرا بالحياة.

استمر عدوي اخترق به المنطقة شبه المقفلة حتى تنبهت الى تقاطع منطقة السهلة فيممت عدوي الى الغرب باتجاه منطقة المعمورة، مدت الي الطريق ببهجة. تتهلل لها المهجة. بهجة ساحرة تسلطها الاشجار المتناثرة على كسوة الزرع المتباين شكلا ولونا وعلى امتدادات خضراء  بديعة تتوهج لمعانا. وتتداعى منها معانا. بما رشت من قطر الماء وقد عكست عليه بريقا، الشمس من أقاصي السماء، امتدادات لاتنتهى الا عند كل أفق…  يهزها هب النسيم بعناية ورفق.

قبل وصولي الى منطقة المعمورة طالعتني من البعيد بوابة كنت اقترب منها وخامرني عزما ان استفز افراد البوابة حتى افهم طبائعهم وبالتالي انقل صورة صادقة لطبائعهم، عند اقترابي، كانت سيارة على اليسار ملونة بلون الشرطة العسكرية وعلى اليمين افرادا يرتدون زيا عسكريا، احدهم كان جالسا في وسط الطريق وسألني: “اين وجهتك (وين وجهتك)؟” أجبته مستفزا: “لا وجهة لي أتجول (ماعنديش وجهة… ندهور)”… رد علي: “كما تريد تفضل (عادي جدا أدهور)”.

لقد تسلطت عليه بكلامي ولم يقابلني بكلام متسلط رغم انني غريب على هذه المنطقة وذلك كرم اخلاقي لايجده عابرو السبيل في ليبيا هذه الايام عند المرور من البوابات.

بعد هذه البوابة بقليل كانت هناك بوابة اخرى بدأ انها بوابة للقوة المساندة بمنطقة ورشفانة وهم متمركزون ولايفتشون واندفعت اخترق كثافة الهواء الذي لايرى ولكنه مادة تكاثفت على الطريق تجاهد سيارتي اختراقها، يحاذيني على اليسار مصنع المعمورة للعصائر ويذكرني بزمان عصير الاجاص (اليوجا) ذات الطعم اللذيذ العذب ثم انحرفت يمنا لاجد نفسي في منطقة المعمورة. العمارات على يميني قائمة دون قوم، شققها محترقة وبعضها مقفل لاتضج بحركة بشرية إنما سكون وهجران… كتم على هذا العمران. أبطأت من سرعة السيارة أتأمل الناحية حتى وصلت الى مركز المعمورة وركنت سيارتي على جانب الطريق وخرجت أتأمل مركز منطقة المعمورة الذي يحيطه محلات بعضها مهدم وبعضها محترق وبعضها لازال قائما، أعمدة الكهرباء بعضها منكس وبعضها مهشم نزعت منها أسلاك النحاس مماحرم المنطقة من طاقة الكهرباء، الي الآن، المنطقة شبه مهجورة وبعض عمرانها ركام  ويعبر من مركز المنطقة بعض الأهالي المترددون على بيوتهم التي لايقطنونها ويعبر اهالي المناطق الاخرى من ورشفانة عبر المعمورة واتاح لي خروجي من السيارة ووقوفي في مركز المنطقة متأملا، لقاء بعض اهالي المعمورة والمناطق الاخرى من ورشفانة  وقد جرت بيننا احاديث جاهدت فيها ان اعرف بماذا يفكر اهالي ورشفانة بعد هذا التهجير وهذا التدمير وكانت افكارهم وغاياتهم كالتالي:

– لا توجد فيهم اي روح للانتقام وليس لديهم ادني رغبة في الحرب على اي مدينة من مدن ليبيا.

– ينظرون الى اهالي مدن الزاوية وجنزور والجبل وغيرها اخوة وعائلة واحدة ولا يحملونهم ماحدث لهم، فهم يحملون جماعة فجر ليبيا دون حسابها على مدن من مدن ليبيا.

– يتطلعون ان تكون ليبيا دولة ذات سيادة وريادة وان يكون شعبها موحدا لاتتنازعه الانقسامات الدينية والعرقية كما هو حادث الآن.

– لديهم رغبة في ان يسود التسامح والإصلاح بين ابناء الشعب الليبي.

– لديهم شعور مرير باهمال وإغفال الحكومة ومجلس النواب لنكبة منطقتهم.

بعد اطلاعي كان اقلاعي بسيارتي الى منطقة الزهراء…

(يتبع، يلحق مباشرة الجزء الذي يليه).

* جزيل الشكر لافراد كتيبة المرداس على حسن استقبالهم وللسيد عماد زائد احد وجهاء منطقة قرقوزة، كان لابد لي حتى اخلع عني توجس قرنني من لحظة عزمي دخول هذه المنطقة شبه المقفلة ان ألجأ الى كتيبة المرداس لكي استوضح طبيعة منطقة ورشفانة للداخلين اليها من الغرباء فكان استقبال افراد هذه الكتيبة حارا سارا وكان من حظي ان وجدت عندهم احد وجهاء منطقة ورشفانة وقد عرضوا كافة التسهيلات واقتراحات لحمايتي ولكنني رفضت وأردت ان ادخلها كمواطن ليبي مجرد عابرا لمنطقة من مناطق ليبيا حتى انقل الحقيقة التي تعترضني كمواطن ليبي لوحدي ومدني السيد عماد زائد احد وجهاء منطقة ورشفانة بعلم عن المناطق الأكثر تضررا وبرغم هاتفه لأي طأري.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

محمد علي المبروك

كاتب ومحلل سياسي ليبي.

التعليقات: 2

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً