من الصخيرات إلى جنيف.. هل يتكرر سيناريو الحرب؟

من الصخيرات إلى جنيف.. هل يتكرر سيناريو الحرب؟

فاضل بن عاشور

دبلوماسي ليبي متقاعد

مخرجات الصخيرات التي حظيت بالشرعية الدولية بناء على قرار مجلس الأمن 2259 (2015) ومكَّنت السراج من دخول العاصمة في ظل حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، قد انتهت بالحرب على العاصمة، هل يصح قياس حالة الصخيرات وتداعياتها مع حالة جنيف وتقلباتها؟.

في ظل مخرجات جنيف التي لم تحظ بنفس الغطاء الاممي ، وانقلاب البرلمان على مخرجاتها ، ودخول فتحي باشاغا العاصمة بصفته رئيس حكومة منتخب من البرلمان في ظل وجود حكومة الوحدة الوطنية. هل يصح القياس على ذلك، (مع الفارق)؟.

محاولة الإجابة تتطلب مراجعة سريعة للمعالم الرئيسية للمشهد العام الليبي خلال الأعوام الماضية منذ اعتماد اتفاق الصخيرات (ديسمبر2015) ودخول المجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج العاصمة طرابلس (مارس 2016 )، وإعلان ستيفاني ويليامز بمنتدى الحوار السياسي الليبي في جنيف (يناير 2021) فوز القائمة المكونة من محمد المنفي لرئاسة المجلس الرئاسي وعبدالحميد الدبيبة لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية، وأخيرا دخول فتحي باشاغا الى العاصمة طرابلس (فبراير 2022) بقرار من مجلس النواب في طبرق بتسميته رئيسا لحكومة جديدة.

انقسام جيوسياسي:

الانقسام الجيوسياسي بين الشرق الليبي والغرب الليبي في ظل حكومتين وجيشين وجسم تشريعي مفكك في الشرق، ومجلس دولة غير فاعل في الغرب، قد شكل العنوان الرئيسي لمرحلة ما بعد الصخيرات. ازدواجية مؤسساتية وانقسام جيوسياسي شبه كامل في ظل مناكفات ومناوشات ومزايدات وتهديدات متكررة، انتهت بشن حرب غير مسبوقة في تاريخ ليبيا السياسي على العاصمة.

متغيرات المشهد السياسي بعد الصخيرات:

اتسم المشهد الليبي العام بعد الصخيرات بحالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والتقلبات في خارطة التحالفات الأمنية والسياسية، يمكن اختزالها في النقاط الرئيسية التالية:

  • تراجع نفوذ أحزاب كبيرة نسبيا على الأرض كان لها دور سياسي محوري في المرحلة الانتقالية 2012 -2014، ويبدو ذلك جليا من خلال غياب أي نشاط أو حراك جماهيري لها في مواجهة التحديات الأمنية والازمة السياسية وفي مواجهة النزاعات المسلحة والحرب على العاصمة.
  • تزايد نفوذ بعض القوى والتيارات والتشكيلات المسلحة في الشرق وفي الغرب، وتقلص حجم ونفوذ بعضها الآخر، وتم استيعاب بعضها ضمن الإطار الرسمي.
  • تعاظم نفوذ ودور قوى خارجية إقليمية ودولية في الصراع الليبي، على رأسها الإمارات ومصر والسعودية وروسيا وتركيا وفرنسا وإيطاليا، بوسائل متعددة من بينها اتفاقيات، وتبادل مصالح، ومال سياسي فاسد، ونشر مرتزقة.

المشهد الليبي العام  

يمكن اختزال المشهد الليبي العام خلال المرحلة الانتقالية في المحطات الرئيسية التالية:

  • مؤتمرات برلين وباريس وموسكو وروما وجنيف حول ليبيا.
  • الاغلاقات النفطية واحتلال مرتزقة فاغنر وجنجاويد لبعض المنشئات النفطية.
  • الحرب على العاصمة 2019 – 2020.
  • توقيع اتفاقيتي التعاون العسكري والأمني وترسيم الحدود البحرية الليبية التركية بين المجلس الرئاسي وتركيا.
  • الهزيمة العسكرية التي لحقت بقوات القيادة العامة ومرتزقة فاغنر وانسحابها من جنوب العاصمة.
  • تفاهمات جنيف: اتفاق وقف إطلاق النار وخارطة الطريق.
  • عودة عناصر النظام السابق الى المشهد السياسي بقوة، ودخول سيف الإسلام القذافي على خط الانتخابات الرئاسية مؤيدا من قِبل روسيا.
  • إعادة العلاقات والتقارب التركي مع الشرق الليبي.
  • فشل العملية الانتخابية في موعدها المقرر سابقا ووصولها الى طريق مسدود.

الحرب الليبية: النتائج:

(1) تكريس الانقسام المؤسساتي والايديولوجي داخل المؤسسات العسكرية والأمنية والتشكيلات المسلحة في الشرق وفي الغرب الليبي.

(2) إعادة تشكيل خارطة القوى السياسية والعسكرية في الغرب وفي الشرق.

(3) إعادة تنظيم وإعادة بناء الجيش في الغرب وفي الشرق الليبي، بمختلف أركانه وقطاعاته، وفتح باب الانتساب والانخراط والتدريب وبناء القدرات في الداخل وفي الخارج.

(4) استمرار حالة انقسام المؤسسات العسكرية والأمنية، ومواصلة تحشيدات القيادة العامة وتمركزاتها في سرت والمنطقة المجاورة خاصة في الجفرة والقواعد العسكرية المطارات والموانئ، وتدفق الدعم اللوجستي والعسكري.

(5) فتحت الحرب الليبية باب التدخل الخارجي في الصراع الليبي على مصراعيه.

(6) فشل الخيار العسكري في تحقيق أهدافه وطرح الخيار السلمي كبديل.

متغيرات المشهد الدولي

(1) المتغيرات الجيوسياسية والظروف الدولية والإقليمية والداخلية منذ توقيع اتفاق الصخيرات وتولي المجلس الرئاسي السلطة في 2015، حفزت القوى الإقليمية للتدخل في مجريات الصراع الليبي، في ظل الفيتو الفرنسي الروسي والصراع الأوروبي والدعم الأمريكي في ظل إدارة الرئيس ترامب.

(2) التواجد العسكري الروسي في شرق ليبيا، شكل مصدر قلق وازعاج لقيادة أفريكوم وقيادة النيتو، خاصة مدى خطورته على المصالح الجيوستراتيجية الأوروبية والأطلسية في المتوسط.

(3) دخول تركيا على خط الصراع المسلح في ليبيا، ساهم في تحقيق توازن عسكري لصالح حكومة الوفاق في معادلة الحرب المدعومة إقليميا ودوليا.

(4) دخول روسيا بقوة على خط العملية السياسية والانتخابية، خاصة الانتخابات الرئاسية، من خلال الضغوطات السياسية والبروباغاندا الإعلامية، عرقل تنفيذ خارطة طريق واتفاق جنيف، وقاد العملية الانتخابية إلى طريق مسدود.

(5) استقالة المبعوث الدولي السابق يان كوبيتش وفشل مجلس الأمن في الاتفاق على مبعوث أممي بديل أوجد فراغا سياسيا أمميا في ليبيا وشكل منعطفا خطيرا في مجريات العملية السياسية التي قادتها السيدة ستيفاني ويليامز عقب استقالة المبعوث الدولي الأسبق غسان سلامة، ولم تتمكن السيدة ويليامز من ملء ذلك الفراغ بصفتها الحالية كمستشارة خاصة لأمين عام الأمم المتحدة.

(6) انشغال الإدارة الامريكية وحلفاءها الغربيين بتفجر النزاع بين روسيا وأوكرانيا وتداعياته.

الاستنتاجات و الخلاصات

أولا: أبرز النتائج الجيوسياسية لملتقى الحوار الليبي في جنيف والتي يمكن وصفها بالمفارقة الغريبة، هي ما يمكن وصفه ” توافق إقليمي ودولي”، في ظل تكريس “الانقسام الجيوسياسي” بين الشرق والغرب الليبي وذلك نتيجة عدم اعتراف القيادة العامة بحكومة الوحدة الوطنية، واستمرار حالة الانقسام للمؤسسات العسكرية والأمنية، وتواجد المرتزقة، وتواصل تأثير الدور الخارجي في المشهد الليبي، وتماهي المجتمع الدولي مع هذه المفارقات التي شكلت بداية انهيار “تفاهمات جنيف”.

ثانيا: تماهي رئاسة البرلمان مع عدم اعتراف القيادة العامة بحكومة الوحدة الوطنية، وترجمة ذلك في تعثر عملية منحها الثقة، ثم توقف عملية اعتماد الميزانية، وغياب الثقة بين الطرفين، انتهاء بسحب الثقة من الحكومة والتصويت على تشكيل حكومة جديدة.

ثالثا: لم تضف لجنة 5+5 العسكرية قيمة حقيقية مضافة على أرض الواقع، لاسيما فيما يتعلق بتوحيد المؤسسات العسكرية والأمنية إخراج المرتزقة، وذلك لعدم امتلاكها الأدوات اللازمة.

رابعا: ضعف المبعوث الأممي السابق يان كوبيتش وفشله في إدارة العملية السياسية وفقا لخارطة الطريق وقرارات مجلس الأمن، والفراغ السياسي الذي خلفه خلو منصب مبعوث الأمين العام الخاص، قد أضعف دور الأمم المتحدة في إدارة العمليتين السياسية والانتخابية، ما أتاح الفرصة لرئيسي المجلسين لعقد “صفقة التفاهمات” والخروج على خارطة طريق جنيف.

خامسا: مرحلة جديدة من الصراع في ليبيا، عنوانها الرئيسي: انهيار تفاهمات جنيف، عودة النظام السابق إلى المشهد، تعاظم النفوذ الروسي، تراجع الدور الأممي.

سادسا: تركيا تعيد حساباتها وقد تعيد النظر في سياساتها وعلاقاتها السياسية مع أطراف الصراع في ليبيا على ضوء التقارب مع الإمارات، ومع رئيس البرلمان في طبرق.

سابعا: مواصلة الرهان الروسي على سيف القذافي يجعل المقاربة الأمريكية أكثر قربا من محور (رئيس البرلمان- القيادة العامة).

ثامنا: خيار الانقسام الجيوسياسي (حكومتين وجيشين) يظل قائما.

تاسعا: فشل الرهان على تصدع واقتتال “الصف الغربي” وخاصة ” البيت المصراتي”.

في جميع الأحوال: احتمالات وسيناريوها عديدة، مصير الحكومتين يتوقف على عدت اعتبارات، من بينها إمكانية حدوث تفاهم ثنائي أو متعدد الأطراف يُبقي على إحداهما أو كلاهما ويُبعد شبح الحرب ولو إلى حين، وهو الاحتمال الأرجح.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

فاضل بن عاشور

دبلوماسي ليبي متقاعد

اترك تعليقاً