من يمنح الشرعية.. ومن يمنعها.

من يمنح الشرعية.. ومن يمنعها.

بعد طول انتظار، دخل الأربعاء 30 مارس لسنة 2016 المجلس الرئاسي الليبي برئاسة السيد فايز السراج لطرابلس قادماً من مدينة صفاقس التونسية، على متن الزورق الليبي السدادة التابع للبحرية الليبية وبحماية جنود وضباط منها.

تعالت الأصوات المنددة، اثر الوصول من أطراف عديدة تتبع المؤتمر الوطني العام داخل العاصمة طرابلس مهددة وطاعنة في شرعية المجلس الرئاسي.

جاء في بيان الشيخ الصادق الغرياني عبر قناة التناصح أن المجلس الرئاسي هو جسم فرض بالقوة، داعيا إلى رفضه وواصفاً المؤتمر الوطني بأنه الجسم الشرعي الوحيد.

النائب الأول لرئيس المؤتمر عوض عبد الصادق صرح بأن دخول المجلس الرئاسي للعاصمة تم بالتعاون مع من وصفهم بالخونة، كما توعد عضو المؤتمر عبد القادر حويلي بإلقاء القبض على المجلس الرئاسي لأنه دخل البلاد بطريقة تخل بالأمن الوطني، ورئيس حكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر خليفة الغويل دعا المجلس إلى العودة من حيث أتوا.

جميع البيانات والتصريحات تؤكد على حق ومشروعية المؤتمر الوطني كجسم منتخب، داعية إلى رفض المجلس الرئاسي رغم أنه جاء بعد مخاض عسير شاركت فيه أطراف ليبية عديدة بما فيها المؤتمر الوطني نفسه بين شد وجذب استمر ما يقارب العامين.

بنظرة سريعة على حقيقة الأصوات الداعية بالتمسك بالشرعية، نجد أن انتخاب مجلس النواب جاء وفق خارطة طريق اشرف عليها المؤتمر الوطني في يونيو 2014، كان من المفترض أن يتم التسليم في الرابع من أغسطس من نفس السنة، إلا أن الصراعات العسكرية في الشرق والغرب حالت دون ذلك، مما دعا بمجلس النواب بعقد جلساته في مدينة طبرق، رفض المؤتمر الوطني الاعتراف بشرعية مجلس النواب واصفاً الأمر بخطأ إجراءات التسليم والإستلام، وتزامن ذلك مع ارتفاع أصوات السلاح، وسيطرة قوات فجر ليبيا على العاصمة طرابلس بعد حرب استمرت عدة أسابيع وقتل فيها الأبرياء ودمرت منشآت الدولة.

سيطرة مجموعات مسلحة تابعة لمدينة بعينها على العاصمة جعلت المسار السياسي يأخذ نمطاً احادياً في جميع مساراته، خف صوت الشارع  الذي أصبح جريئاً ومشاكساً بعد ثورة فبراير، أو اسكت بقوة السلاح والتهديد، عدا أصوات تنطلق من داخل غرفات مغلقة على شبكات التواصل.

هل يمكن اعتبار المؤتمر الوطني كيان شرعي يعبر عن تطلعات الأمة الليبية ويحافظ على ممتلكاتها ووحدة ترابها؟

انتخب المؤتمر الوطني بإرادة ليبية وباشر أعماله في شهر يوليو 2012 ضمن سلسلة من الإجراءات الشفافة، وبدأ ممارسة أعماله وسط أجواء ترحيب من الشارع الليبي واصفة الأمر بالعرس الديمقراطي، واستمر في عمله وإن سادت الأجواء مشادات زادت في أحيان كثيرة عن المعدل الطبيعي للصوت المعارض.

منذ إقرار قانون العزل السياسي بدأ عدد الأعضاء بالتقلص، بدءاً بالدكتور محمد المقريف رئيس المؤتمر، ثم نائبه الأول الدكتور جمعة عتيقة، ثم انفرط العقد بحراك لا للتمديد، فتقلص العدد إلى أقل من النصف.

بعد الهدوء النسبي في العاصمة وسيطرة قوات فجر ليبيا زاد تقلص المؤتمر الوطني، لكنه استمر بعقد جلساته بالأعضاء الموالين لقوات فجر ليبيا، بل أن بعض الأعضاء المستبعدين بقانون العزل السياسي عادوا لممارسة مهامهم فقط لأنهم من الموالين للقوة المسيطرة على العاصمة أو تجمعهم مصالح مشتركة، استناداً على حجة عدم شرعية إجراءات تسليم مجلس النواب في مدينة طبرق.

كون المؤتمر الوطني يمارس مهامه بناءا على شرعية وهبت له بقوة السلاح وكنتيجة لسيطرة فصيل سياسي قمع المعارضة ورفضها، فإنه لا يمكن القول أن المؤتمر الوطني مستمر بالتعبير عن إرادة الأمة الليبية ويستمد منها الشرعية.

شارك المؤتمر الوطني بمجموعة من أعضائه في الحوار المنعقد بإشراف الأمم المتحدة وجميع بنود مسودة الإتفاق نالت حظها من النقاش والشد والجذب داخل  أروقته وضمن جلساته، أي أن الحوار كان تحت سمع وبصر أعضاء المؤتمر الوطني والموالين لهم.

اليوم وإذا وصلت البلاد إلى انسداد سياسي، وأصبح السلاح هو الحكم، لم يعد بالإمكان الرجوع للوراء  وإصلاح ما فسد. كما أنه ليس من حق أي من المجموعات المسلحة المسيطرة على العاصمة أو من والاهم وضع العقبات أمام عجلة المجلس الرئاسي وزيادة اعباء البلاد تحت ذريعة الشرعية الواهية.

يبدو المجلس الرئاسي حل  اجتمعت عليه الأطراف المتنازعة وإن استطاع الخروج بليبيا من الأزمة فهنيئاً له، وإن لم يوفق فقد استطاع لملمة أطراف الصراع في جسم واحد يحظى بالدعم الدولي وعلى الليبيين البحث عن بديل في أجواء سلمية أكثر إيجابية.

بكل المقاييس والمعايير البديل مرعب وينحدر بالأمة الليبية لمتاهة يعلم الله وحده منتهاها.  المجلس الرئاسي وصل لمحطته وعليه تشكيل حكومته واخذ الثقة من البرلمان وسرعة تشكيل مجلس الدولة، عليه أيضا لملمة الجراح وبدء عملية واسعة لجمع الأسلحة وفرض هيبة الدولة التي تاق لها المواطن الليبي والتي كانت تقترب من أنفاسه أيام القذافي، فإذا بها تغيب عنه وتجعله رهين مسلحين لا يعلم احد عنهم  سوى شيء واحد هو فقدهم لشرعية حمل السلاح.

الشرعية ليست صفة تنتقل كهبة من شخص لآخر، فمن منحت له بصندوق الانتخاب بأجل معين وجب عليه احترام بنودها والإلتزام بأجلها دون مماطلة، على أننا نستدرك ظروف البلد التي أدت لإتفاق الصخيرات وما نتج عنه.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً