هجوم نيوزيلندا: مفهوم الإرهاب

هجوم نيوزيلندا: مفهوم الإرهاب

نيوزيلندا الساحرة، الواقعة غرب المحيط الهادي، والتي تشتهر بإنتاج العسل الفريد، ومراعي الأغنام الخصيبة. مساحات خضراء ممتدة ، وارياف مرتفعة الهمت مصوري الأفلام العالمية لإنتاج افلام تحوي مشاهد لمناظر طبيعية بكر. اراضي غنية تنادي الشعراء، والفنانين والذواقة للعيش فيها. انها تستقطب ما يقرب من 50 الف مهاجر سنويا من مختلف دول العالم، التواقون للطبيعة والجمال. فكيف وجد برينتون هاريسون الأسترالي ذا الثامنة والعشرين عاما، كل هذا الإجرام ليقتل 50 آمناً وهم يؤدون مشاعرهم الدينية بسلام؟

تعاطفت نيوزيلندا مع الضحايا، كما فعل العديد من دول العالم، لكن الأمر لا تنهيه باقات الزهور ووقفات المتعاطفين مع الضحايا. انه بحاجة لإعادة النظر في تعريف الإرهاب، والإجراءات المتبعة على مستوى العالم لمحاربته.

لا يوجد تعريف واضح للإرهاب تقره الأمم المتحدة، كما اختلف التعريف من دولة إلى أخرى. ووفق المتداول بين وكالات الأنباء الدولية: هو أي عمل يستخدم العنف والقوة ضد المدنيين ويرهبهم.

استخدم مصطلح الإرهاب عبر التاريخ كوسيلة، في الغالب، لتحقيق أهداف سياسية ولإسكات المعارضة وتبرير اعتقال الخصوم.

بعد احداث سبتمر 2011، حدثت تغييرات جوهرية في تعريف الإرهاب. أصبح المبرر لشن الهجوم على الخصوصيات،  اعتبرت دائما ، ضمن اولويات حقوق الإنسان وضمن نطاق حرية التعبير والتنقل والعمل والإقامة. الأسوأ أن ذريعة الإرهاب بررت الحملات العسكرية والتدخل في شئون الدول ذات السيادة. مئات الآلاف، بل الملايين من الضحايا في دول عديدة، انتُهكت سيادتها، بحجة أنها ترعى الإرهاب وتموله، وفق تعريف الولايات المتحدة الأمريكية. خراب في البنية التحتية وتعطيل للخدمات، موت ودمار، تحولت اثره ، دول ذات سيادة إلى دول فاشلة أو شبه فاشلة.

يشير الكاتب الصحفي جيسون بروك في صحيفة الغارديان إلى بحث اجرته رابطة مناهضة التشهير، تقول نتائجه: 73٪ من اعمال القتل المرتبطة بالتطرف في الولايات المتحدة كانت من متطرفين يمينيين، بينما 23٪ من اعمال العنف كانت من متطرفين اسلاميين، اي أن نتائج العنف اليميني اكثر بحوالي ثلاث اضعاف. قبل نشر تسجيل جريمة نيوزيلندا الدموية، نشر أحد المستخدمين على موقع “8 تشان” وهو منتدى خاص باليمينيين المتطرفين، رابط الوثيقة التي نشرها القاتل على حسابه والمتكونة من 74 صفحة، تدعو إلى القتل وتعزيز خطاب الكراهية وتشجع الإرهاب. الهجوم الإرهابي بث مباشرة على وسائل  التواصل الإجتماعي، لأول مرة، في بث حي استمر 17 دقيقة. نشرت وثيقة القاتل على عديد المنصات ومنها: تويتر وموقع ميل أون لاين الذي سمح لجمهوره بتحميل الوثيقة. الصحف الدولية ووسائل الإعلام بتث اجزاء من التسجيل الدموي.  أثار نشر التسجيل المرعب على هذا النطاق الدولي الواسع والمتعمد، الغضب بين الملايين عالميا، لكنه أيضا ومما لا شك فيه، قد وجد انصاراً وشجع الكثيرين، وعالميا ايضا، لمزيد من الحقد والكراهية والإنتقام.

يتلقى المتطرفون التشجيع من زعماء شعبويين على مستوى العالم، وزير الداخلية الإيطالي ماثيو سالفيني، كمثال،  حذر من أن التطرف الوحيد الذي يستدعي الإنتباه هو التطرف الإسلامي، وأن اعمال العنف المرتبطة بالتطرف اليميني واليساري محظورة في ايطاليا. يذكر أن الوزير الايطالي المذكور قد اشتهر بمواقفه المعادية للمهاجرين، وقد تزعم حزب رابطة الشمال، أكبر الأحزاب اليمينية المتطرفة في ايطاليا، وتجد افكاره انتشارا ومؤيدين. السيناتور الاسترالي فريسر آثينغ صرح مباشرة بعد الهجوم المروع، بعدائه للمسلمين والمهاجرين.

تساهم السياسة ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي في تضخيم قضية التطرف الإسلامي، فيما يبدو ومن خلالها أيضا أنها تنظر بعين اخرى لليمين المتطرف. المسلمون يتعرضون يوميا للهجوم ، بسبب ما نسب إليهم من إرهاب من قبل الساسة ووسائل الإعلام التي تضخم الأخبار وتشحذ الرأي العام وتسن القوانين ضد المسلمين حتى ظهرت ظاهرة الاسلاموفوبيا “” Islamophobia في المجتمعات الغربية . آن أوان اعادة تعريف مصطلح الإرهاب ليأخذ معناه الحقيقي في نبذ التطرف من أي سبيل كان، آن الأوان ان تتحد النظرة العامة من الجميع لنبذ العنف من اي كان ومن أي سبيل جاء. البوابة الأولى للإرهاب هي خطاب الكراهية ورموزه من كل الأديان والملل وهو ما يشجع في الغالب الأصغر سنا والأقل معرفة وخبرة، ويشحن تفكيرهم. العنف والإرهاب عادة لا يكون وليد اللحظة، هو سلسلة تبدأ  بما تلقفته الأذن وتيقنته العقول على مدى اسابيع وشهور. لكي نخفف ونحد من انتشارهذه الكراهية وجب على المسئولين على منصات التواصل أن يكونوا اكثر يقظة. ربما تكون الرسالة الواضحة للرأي العام العالمي هي أن الإرهاب لا دين له، ويجب ان يكون له تعريف واحد على مستوى الدول قبل الأفراد.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

  • عبدالحق عبدالجبار

    ومع هذا الوزير الايطالي يتحكم في مفرخ ليبيا وله الحق هو وسفيره ان يتجول في البلاد متي شئ بل يستطيع جلب مفرخ مخرجات الصخيرات من مناخيرهم متي شئ فأين العيب

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً