نسي العالم ليبيا وتركوا الليبيين يناضلون من اجل بناء دولتهم

نسي العالم ليبيا وتركوا الليبيين يناضلون من اجل بناء دولتهم

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

مع قرب الذكرى الرابعة لثورة 17 فبراير في ليبيا، وفي حين أن كل من تونس ومصر على وشك أن تصبح دولة مستقرة، ليبيا تكافح لتصبح دولة ناجحة ومزدهرة كما حلم بها الكثير من الليبيين عند خروجهم قبل أربع سنوات وهم يرددون هتافات ضد القذافي: “الشعب يريد إسقاط النظام.”

الغرب وتحديدا منظمة حلف شمال الأطلسي وحلفائهم دعموا ليبيا من دون أي شروط مسبقة وسارعوا لحماية المدنيين وفقا لقرار مجلس الأمن 1973. وسرعان ما تم التخلص من القذافي، وهزم أنصاره وميليشياته وجزء من اسرته غادروا ليبيا ومعهم أنصاره ومؤيديه. بعد هذا وليس بعيداً، الناتو وحلفائه رفعوا أيديهم عن ليبيا وقالوا: “الليبيين قادرون على تسوية خلافاتهم وبناء بلدهم”.

من هنا بداء تغلغل ونشطت الجماعات الإسلامية وغير الإسلامية وأصبح تجميع السلاح هم بعض المدن المارقة مثل مصراته والزنتان وبعض المليشيات الصغيرة في داخل طرابلس وضواحيها وأنصار الشريعة ببنغازي. درنة معزولة نهائياً وهي داخل ليبيا وتم إعلانها امارة إسلامية ولا جود لآي من الحكومات الليبية بها.

جاء دور بعض الدول وأصبح تدخلهم واضح وسافر في بعض الأحيان. قطر بداءة تدعم في الإسلاميين وتسببت في عدم الاستقرار السياسي والعسكري في ليبيا على مدى السنوات الثلاث الماضية. قطر والامارات لعبتا دورا رئيسيا من خلال تعيين السيد عبد الرحيم الكيب كثاني رئيس وزراء لليبيا بعد حقبة القذافي وكانت غالبية حكومته من الإخوان المسلمين. لقد كان السيد عبد الرحيم الكيب ضعيف الشخصية وغير قادر على اتخاد أي قرارات حاسمة بشأن نمو المليشيات وسيطرة الاخوان على حكومته والمجلس الانتقالي. لقد كانت أفشل حكومة في تاريخ ليبيا وخاصة وأن المجلس الانتقالي والمؤتمر الوطني كانت القوي المسيطرة عليه هي جماعة الإسلامي السياسي وتحالفهم مع جبهة الإنقاذ لمنع التيار المدني والليبرالي من توالي زمام الأمور بليبيا رغم نجاحهم بالانتخابات. كانت هناك العديد من الفرص خلال فترة هذه الحكومة لوضع ليبيا على الطريق الصحيح لكنهم فشلوا في القيام بذلك لأنه لا يمكن اتخاذ قرارات لمصلحة الوطن في حين اتخذت قرارات تحت تهديد السلاح لغير صالح الوطن وضرب القوى الوطنية وابعادها عن المشهد السياسي. تمت السيطرة من قبل الأخوان المسلمين على مجريات الأمور بليبيا خلال فترة الكيب وزيدان وتأثرهم بالحكومة المصرية برئاسة مرسي والذي اطيح به من قبل الشعب المصري والجيش ولكن لم يكن جيش بليبيا لكي يطيح بحكومة الكيب وزيدان والمؤتمر الوطني. الشعب الليبي ضاق دراعاً بالأخوان وجماعة الإسلام السياسي بمختلف تجمعاته وتم تقليص نفوذهم خلال انتخابات البلديات ولجنة الستين ومجلس النواب. عندما لم ينجحوا في هذه الانتخابات لجاؤا الى القوة والحرب والدمار والذي ادخل ليبيا في حرب أهلية الى يومنا هذا والمجتمع الدولي يتفرج ولا يبالي بذبح وقتل وتشريد الليبيين.

الإمارات العربية المتحدة دعمت المجموعة الليبرالية والتي كان يتزعمها السيد محمود جبريل، والذي لا توجد لديه مصلحة الا مصلحته الشخصية ولا يريد أن يري احدً أحسن منه في المشهد السياسي الليبي. لا يريد لأحد أفضل منه وتجاهل جميع من سانده ولبي النداء عندما تأسس المكتب التنفيذي. انه فشل في الحصول على أي منصب وانه دفع ببعض من أضعف مساعديه إلى مناصب بارزة. كل الوزراء والذين رشحهم كانوا ضعفاء وكان يقصد هذا وفشلوا واكثرهم السيد علي زيدان ويعتبر ثاني أفشل رئيس وزراء بليبيا بعد ثورة 17 فبراير. كان ثعلب ماكر يهدف لخلق قوة تسانده داخل المؤتمر الوطني وخارجه. نجح في خلق توازن قوة عسكرية داخل طرابلس ولكنه لم ينجح في الدفع بليبيا الى الأمام وهمه الوحيد أن يبقي في الكرسي. بين ليلة وضحها هرب من ليبيا وترك الحكومة بعد أن سحب المؤتمر الوطني العام الثقة منه دون حكومته. لقد كان خبيثاً الى ابعد الحدود وقال إن اعدائه هم من ساروا معه في نفس الطريق قبل الثورة وأثناء الثورة ولم يتعامل مع أي أحد منهم خوفاً من ان يفضحوه.

الآن دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية يدعمون رجل الجيش السابق اللواء خليفة حفتر والذي قضى 22 عاما في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن هزم في الحرب الليبية التشادية قبل أكثر من 22 عاما. اعتاد أن يكون مخلص جدا للقذافي قبل أن يتم اسره في هذه الحرب.  لم تسجل له مشاركة كبيرة أو فعل أي شيء خلال 9 أشهر الأولى من انتفاضة 17 فبراير في ليبيا. وهو الآن قائد للميليشيات والتي يسميها مجلس النواب الجيش الوطني حيث يقاتلون الإسلاميين في بنغازي. ويبدو أنه سيهزمهم ولكن هذه الحرب لن ترجع الكرامة والتي هي اسم هذه المعارك وسوف تكون حرب طويلة كما في لبنان والعراق.

الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي ينتظرون لمعرفة من هو المنتصرون على الأرض حتى يتمكنوا من الحشد ورائهم. وهو ليس جديدا عليهم وسياستهم مبنية دائماً على التحالف مع المنتصر حتى وأن كان ألد الأعداء لهم بالسابق طالما يكون راضخ لهم وتحت سيطرتهم. منذ أكثر من عامين وهم يغضون الطرف عن الأخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى في ليبيا.  ذهبوا ابعد من هذا وأصبح اصرارهم بأن تكون جماعة الاخوان المسلمين شريك رئيسي ومهم في أي حكومة تقوم بليبيا. فشل الأخوان المسلمين في مصر وغيرها من البلدان على سبيل المثال تونس والمغرب، وفي أعقاب ذلك، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية يقولون انهم لا يريدون سحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين في ليبيا وانهم ما زالوا يشعرون أنهم حلفاء مهمين بالنسبة لهم ويعتبرونهم أحد الارجل الأربعة في أي طاولة مفاوضات في ليبيا.

الأضرار بليبيا كبيرة  وكثيرة وسوف تستغرق عدة سنوات لتضميد الجراح بين الليبيين. دمرت ليبيا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ومن قبل الليبيين أنفسهم، وكذلك تخلي المجتمع الدولي عن ليبيا وتركها تحت رحمة جماعة الإسلام السياسي والمليشيات والمدن المارقة. لا يمكن أن ننسي فضل تدخل المجتمع الدولي ومساعدته لليبيين للقضاء على القذافي ونظامه ولكن لم يقوموا بأكمال المهمة من خلال مساعدة المعتدلين والوطنين والشرفاء من الليبيين والليبيات لجعل دولتهم دولة ناجحة.  أن كل تفعله بعض الدول ربما ليس مباشرة ولكن من وراء الكواليس، بعدم تنفيذ قرار الأمم المتحدة الأخير على وقف القتال وعدم اعلان قائمة جميع الإرهابيين وأمراء الحرب وغيرهم ممن يعيقون أي حل سياسي في ليبيا. قدمت بعض الدول مثل قطر والإمارات والسودان ومصر الأسلحة لهذه المليشيات على مسمع ومراء من هذه الدول والأمم المتحدة وجميعهم لا يبالي بما تفعله هذه الدول لأغراض يعرفونها جميعاً وخاصة الاقتصادية منها. أم عن غسيل الأموال فحدث ولا حرج حيث هناك دولتان متخصصتان في غسيل الأموال الليبية وهما تركيا ومالطا. كلاهما لم يشهد ازدهار اقتصادي متل ما حدث خلال الثلاث سنوات الماضية وهذا حسب تصريح وزرائهم في جلسات خاصة مع بعض النخب السياسية الليبية وأنا أحدهم. تركيا الى هذه اللحظة وتجارها يقومون بتوريد السلاح وخاصة لمليشيات مصراته وجماعة التيار الإسلامي. كل هذا ودول حلف الناتو والأمم المتحدة لم تقوم بإيقاف مثل هذه الدول أو فضحها.

القتل والتعذيب والخطف في ليبيا الآن هو أسوأ مما كانت عليه في زمن القذافي. الفساد المالي وسرقة أموال الدولة هو أسوأ من ذلك، ذبح الناس يحدث دون وجه حق وبمجرد اختلاف في الرأي وكل هذا لم يكن موجود قبل الثورة وخاصة أن يذبح ليبي اخوه الليبي. فرح الجميع عندما تم تعين مبعوث للأمم المتحدة ومن الأيام الاولي لتحرير ليبيا لمساعدة الليبيين في تأسيس دولتهم. حيث قامت الأمم المتحدة بتعين الأخ طارق مثري وهو سياسي لبناني سابق ومند الأيام الاولي وهو يمسك في العصا من الوسط وكان يميل دائما نحو الإسلاميين حيث بعض من دول حلف الناتو يريدون ذلك كما أسلفنا في هذه المقالة. للأسف، وبعد عامين، خرج بخطة لحل الازمة بليبيا وبمباركة وموافقة الإسلاميين في ليبيا فقط وابعاد التيار الليبرالي والمدني من أي مشاورات قبل إعلانه لهذه الخطة. رفضت هذه الخطة من قبل النخب السياسية وكذلك من المؤتمر الوطني بعد ما احتج الليبيين عليها بحكم أنها في صالح جماعة الاخوان الإسلامين. استقال مثري أو تم تغيره بعد أدائه السيئ ورحل وعين مندوب اخر برناردينوا وهو اسباني الأصل. يواجه في مشاكل كثيرة ولديه الجدية ولكنه يسير في الطريق الخطاء حيث بريطانيا تريد القيادة لكل شيء وامريكا تتفرج حيث مصالحها في ليبيا ليست مهمة طالما دول الخليج منصاعة لهم. أم فرنسا والتي تسعي جاهدة لتقسيم ليبيا والاستحواذ على الجنوب اسوة بالتشاد ومالي. لهذا برناردينو لن ينجح وتم تأجيل مؤتمر الحوار الثاني بليبيا عدة مرات نتيجة تشابك وتعقيد للمشكلة الليبية وعدم تنفيذ إيقاف القتال مما ساعد مليشيات فجر ليبيا للتوجه الى ابار النفط بالمنطقة الوسطي ومحاولة السيطرة عليها ولكن تمت هزيمتهم.

لقد فات الأوان لحلف شمال الاطلسي وحلفائه لفعل أي شيء حيث أن ليبيا دخلت مرحلة الحرب الأهلية. كان ينبغي أنهم تدخلوا منذ البداية حيث أن ليبيا بعد التحرير ليس لديها جيش أو شرطة. الأمم المتحدة وهذه الدول لديهم خبرة مع العراق والصومال. الميليشيا لا يمكن أبدا أن تكون جسم ناجح وهي مجموعات فوضوية همها السلاح والمال وعدم وجود قوانين لردعهم. لم تبني أي دولة بالمليشيات وأنما في جميع الأحوال دمرت كل الدول من قبل تطاحن هذه المليشيات على السلطة والمال وخير مثال لبنان والعراق وأفغانستان والصومال وسوريا. وقفوا جميعاً بعيدا يراقبون وبعض الأحيان يشجعون هذه المليشيات والإسلام السياسي والسماح لهم بتهريب الأسلحة والأموال من والى ليبيا. غفر للعابثين في مجال حقوق الإنسان وذهبوا أكثر من ذلك واجتمعوا مع هؤلاء العابثين وأضفاء الشرعية عليهم ومساواتهم بالأخرين ومحاولة اشراكهم في العملية السياسية بليبيا وبكل الوسائل والضغوطات على القوى الوطنية لقبولهم معهم. هناك تأخير لأسباب غير معروفه وبطاء أيضا للإعلان عن قائمة كل الإرهابيين والقتلة واللصوص وأمراء الحرب وزعماء الميليشيات والسياسيين الذين يتحملون المسؤولية المباشرة عن كل ما يحدث في ليبيا والدول التي تدعمهم.

من قتلوا من الليبيين بعد 23/10/2011 أكثر مما قتلهم القذافي أو الشهداء من الثوار الحقيقيون اثناء تحرير ليبيا من مليشيات القذافي واعوانه. تم إهدار أكثر من 250 مليار دينار ليبي، وغالبية هذه الاموال في أيدي قادة الميليشيات وأمراء الحرب وبعض المدن المارقة في ليبيا. الجميع يعرف أن الليبيين هم السبب الرئيسي في عدم قيام الدولة بمؤسستها وقد تم هذا بمساعدة بعض دول الناتو وحلفاء آخرين وخصوصا من العالم العربي. أي حل للحرب الأهلية في ليبيا وابعاد شبح الدولة الفاشلة، هو أن يكون هناك حوار ناجح وبرعاية طرف ثالث ويتم اول شيء تطبيق أي قرار صدر من مجلس الامن بخصوص الحرب الاهلية بليبيا والاتفاق على حكومة وفاق وطنية. كذلك يجب أن يشمل الحوار جميع الأطراف ماعدا من لا يعترفون بالشرعية والدولة المدنية. أن تكون ليبيا تحت الوصية الدولية الى أن يتم استكمال الدستور وانتخاب اجسام شرعية جديدة. منع سرقة المال العام ويكون الصرف من الأموال الليبية تحت هذه الوصاية. الجميع سارع لدعم ليبيا للتخلص من القذافي ولكن ليس للتخلص من الميليشيات والإسلاميين المتشددين وأمراء الحرب الذين يدمرون ليبيا. يريدونها أن تكون دولة الفوضى مع عدم وجود مستقبل مزدهر. نقول لهم ليبيا قادمة بعون الله وبعزيمة الشرفاء والوطنيين ولن يسمح لهؤلاء الفوضويين بالاستقرار في قهر الليبيين هنا نسائل المجتمع الدولي، لماذا تناسيتم ليبيا وكنتم خير عون لها للتخلص من دكتوريه دامة 42 سنة.

ليبيا حرة وستبقي حرة بعون الله

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. ناجي بركات

وزير الصحة السابق بحكومة المجلس الوطني الانتقالي.

التعليقات: 1

  • هادي

    كلام واقعي واكثره ملموس , بس توجد بعض المغلاطات فيه, مثلا ان حكومة الكيب كانت اسوا من طكومة زيدان, زيدان كان الاسواء على مر العصور كلهاز

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً