هل تستحق ليبيا هذه الفوضى عملا بتوجيهات الدكتاتور معمر؟

هل تستحق ليبيا هذه الفوضى عملا بتوجيهات الدكتاتور معمر؟

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

“الفوضى جريمة ضد العرق البشري قاطبة” ثيودور روزفيلت، ديسمبر 1901

تستمر النقاشات والمجادلات بين بنات وأبناء ليبيا ويُستنزف الجهد والوقت لتحديد المتهم الحقيقي وراء الفوضى والدمار الذي تعيشه ليبيا وما تكابده من تمزيق لأوصالها الاجتماعية والثقافية وتخريب بقايا بنية تحتية من سبعينات القرن الماضي. بل بتنا نكيل التهم لبعضنا البعض، ثوار أزلام، مؤيد معارض، إسلامي علماني، وانتهينا بتكفير الأمازيغ الأباضية، وتركنا السبب الحقيقي وراء كارثة ليبيا بعد أن أنتهى الدكتاتور، ولغير رجعة، واقتصت العدالة منه بيد الشعب والنيتو والعالم!

السلطة والثروة والسلاح بيد الشعب!

بقراءة متأنية إلى مقولة الدكتاتور معمر ” السلطة والثروة والسلاح بيد الشعب ”  سنجد أن هذه المقولة هي الفوضى بعينها وكان يعنيها  الدكتاتور بشكل معكوس.. فقد عيش الدكتاتور الشعب الليبي في حياة معكوسة مقلوبة رأسا على عقب.. فكل ما كان يقوله دجل والعكس هو الصحيح .. ولمعرفة سبب استمرارية الفوضى في ليبيا نحتاج للوقوف عند بعض المحطات المهمة وعلى النحو التالي:

  • الشعب المسلح: حرض الدكتاتور على أن تمتلئ الكثير من المخازن العملاقة الموزعة على أركان ليبيا بالأسلحة لإرهاب الشعب الليبي  وتدميره عندما تقتضي الحاجة.. وفي نفس الوقت كان يقيم الدنيا ويقعدها على ظرف فارغ لرصاصة من مسدس التقطتها أحد مخبريه من على قارعة الطريق أو زقاق في حي مهجور مجهول! في المقابل وخلال انتفاضة 17 فبراير تعمد وبجنون السادي المريض فتح مخازن الأسلحة لتعم الفوضى فور شعوره بفقد السيطرة على تركيع الشعب الليبي ليدمره وينتهي مع تدميره. ورأينا كيف وبعد التحرير لا تنتهي الحرب والفوضى في جهة ما إلا وتشتعل من جديد في مكان أخر.. فكانت الحرب في المنطقة الشرقية والغربية ثم انتقلت إلى الجنوب الشرقي والغربي بعدها كانت الحرب بالمنطقة الوسطى بعد تمكين داعش بها..والتهديدات مستمرة بتوظيف المساكين من تبع معمر وتهييجهم لإشعال حرب جديدة وهم يستذكرون سيدهم مع انتظارهم لخروج “الدجال” عليهم وهم  على أعتاب شهر سبتمبرهم الأسود!
  • الثروة للشعب: حرص الدكتاتور معمر على خلق فوضى لا مثيل لها فعطل الطاقات الراغبة في التعلم والدراسة بتخريب المؤسسات التعليمية، وحرص على تدمير أي دوافع للعمل والعطاء والبناء بعد أن حرَم وجرم العمل الخاص وصادر المصانع، والمكاتب والمحلات التجارية، وسيارات الشحن والركاب من أصحابها  ليخلق الفوضى ويحول الشعب الليبي إلى متلقي لهبات وعطايا معمر. وبعد أن عرف نهايته وزع سبائك الذهب وحقائب الدولارات واليورو بل، وفتحت حاويات ممتلئة بالدينارات، على معاونيه أملا في صد بركان ثورة التحرير المنفجرة في 2011. واليوم نسمع وباستغراب عن الفساد المالي المستشري بحيث ظهر علينا بعض أصحاب الملايين اليوم ممن هم ظروفهم المادية متواضعة جدا أو ممن هم في العشرينات من أعمارهم وقد نالهم نصيب من ثروة الشعب!!!!  ننسى تحويل ألاف الأسر التي حرمت من وظائفها وألقيت ملفاتهم الوظيفية بمكبات البطالة مقابل تبرعات المحافظ! ومسحت على الأرض مئات بل ألاف المحلات والورش بسوق الثلاثاء الجديد بعد أن حولت عروس البحر إلى “تراب بس”  ومع هذا نستمر في لوم بعضنا! بل ونرى كيف تصرف أموال طائلة من بقايا معاونيه لاستمرارية الفوضى وتمويل الحروب والمكائد وخلق الأزمات في الكهرباء وتكديس الوقود والسيولة بمصر وتونس ونساهم بغبائنا في ترويج الاشاعات المغرضة لتخريب وتدمير ليبيا بأيدينا! لتعم الفوضى بيت بيت .. دار دار .. زنقه زنقه!!!
  • السلطة للشعب: بعد أن أختزل الدكتاتور السلطة في يده ولم يسمح لأحد تحريك ساكن في ليبيا إلا من خلال أوامره وتعليماته، نجد وبعد حرب التحرير انطلقت صفارة الفوضى فترك حبل السلطة على غارب الشعب الليبي .. فكانت السلطة لمن استطاع شد حبلها إليه بقوة السلاح والتآمر الخارجي ليتشقق ويلتهب ويتقيح ظهر الشعب الليبي من الحروب والأزمات المفتعلة الممولة من خزينة الشعب الليبي. ورأينا كيف كل من هب ودب بات يطمع في قيادة ليبيا. بل رأينا نماذج ضعيفة جدا تترأس المناصب السيادية وتتربع على سدة الحكم خلال الستة سنوات الماضية.

مركز بحثي لدراسة دكتاتور العصر معمر

حرص الدكتاتور معمر على أن نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من فوضى وتردي وأزمات متوالية ومسبقة الدفع !!ولكن اليوم يتناس البعض بارتدادات دكتاتورية القذافي على حال ليبيا اليوم.. فيتجرأ ويعلن ويصرح، ربما بدون وعي، ليلقي باللوم على انتفاضة التحرير في 2011. ومع يقين الكاتب التام بأن نهاية صلاحية معمر القذافي حركت المجتمع الدولي والنيتو للإجهاز عليه، لكن على قناعة تامة أيضا بأن الدكتاتور يُحمل المسؤولية الكاملة على جميع ما خلفته دكتاتوريته من فوضى وصراع على السلطة وانتشار للسلاح وسرقة لأموال الشعب الليبي على أكتاف ثورة التحرير في 2011. بل يأمل الكاتب أن يرى في حياته يوما ما محاكمة حقيقية وعادلة لجريمة فوضى الدكتاتور معمر القذافي والتي صدق فيها السيد ثيودور روزفيلت، الرئيس الأمريكي الذي جاء مع بداية القرن العشرين وشهد اغتيالات رئيس فرنسا، وأسيانيا، وملك ايطاليا وإمبراطورة أستراليا، ورئيس امريكا ويليام ماكنيلي،  عندما وصفها بأنها: “ضد العرق البشري قاطبة”.. فارتدادات الفوضى في ليبيا وصلت إلى جيراننا في أفريقيا وأوروبا بل والعالم .. لذلك ومن خلال تأسيس مركز بحثي يدرس عمق الفوضى والأسى والانحطاط الذي أعقبته حقبة الدكتاتور معمر القذافي وكيف مزق النسيج الاجتماعي وعمق الكراهية بين فئات المجتمع الليبي، والعمل على عدم السماح برجوع هذه الحالة المؤلمة والمدمرة بليبيا والعالم!

كي لا ننسى!

اليوم يتناسى تُبع الدكتاتور معمر بأن رفضه للتظاهر والتعبير سلميا في فبراير 2011 وغياب آليات التداول السلمي على السلطة خلف شعب مهان لا يشارك السلطة كما أراد معمر!!! فالكثير من عباد السلطة بعد موته باتوا يتصارعون حربيا على السلطة، حسب تخطيط معمر للفوضى، بحيث غاب الوعي بثروة ليبيا المسروقة وغُيب أدراك خطورة انتشار السلاح بيد الشعب كما أراد معمر.

إذن صدقت نبوءة دكتاتور ليبيا بأنه سيحين موعد تطبيق مقولته الفوضوية: السلطة والثروة والسلاح بيد الشعب”  بعد غياب دكتاتور العصر معمر !!! فهل من مُذكر ؟  تدر ليبيا تادرفت.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ.د. فتحي أبوزخار

باحث بمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية

التعليقات: 1

  • حسين مادي

    الى الدكتور فتحي صدقت بمقالك وتحليل ممتاز على ما هو بالواقع الان من السلب والنهب وتهريب أموال العام للخارج ونشر بالفوضى المنتشرة

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً