الإنتقال من سياسة الإنتقام والقتل والتخريب إلى سياسة الإخاء

الإنتقال من سياسة الإنتقام والقتل والتخريب إلى سياسة الإخاء

د. الهادي شلوف

رئيس الجمعية الأوروبية العربية للمحامين والقانونيين في باريس

الكثيرون الذين شاهدوا فيلم «لورانس العرب» يتذكرون المشهد الأول منه عند وصول الضابط البريطاني المكلف من مكتب الترابط الانكليزي الخاص في الشرق الأوسط ومقره القاهرة والذي لقب بلورانس العرب ومعه واحد من أفراد بادية شبه الجزيرة العربية لمرافقته إلى الشيخ فيصل للوقوف معه ضد الدولة العثمانية فتوقفا للشرب من أحد آبار المياه الموزعة في الصحراء حيث أن الشيخ علي وهو من مقربي الشيخ فيصل وهو يمتطي بعيره قتل البدوي الذي أراد الشرب من مياه البئر، فسأله لورانس العرب: لماذا قتلت هذا المسكين يا شيخ علي فرد عليه الشيخ علي بأنه ليس له الحق أن يشرب من مياهي أما أنت انكليزي فاشرب هنيئا لك.

فرد عليه لورانس العرب: شيخ علي طالما انتم العرب تتقاتلون فيما بينكم سوف لن تحترمكم الأمم وسوف تبقون جهلة وتعيشون على الإنتقام.

قبل بداية ثورات الربيع العربي أي عام 2010 لقد تحاورت مع زميلي جاك فيرغاس المحامي الفرنسي المشهور الذي توفي مند عامين وهو عاصر حرب التحرير الجزائرية وكان من أحد أنصارها وله أيضا مواقف كثيرة في حروب الاستقلال في شرق آسيا وأيضا كوبا وفي مجال الدفاع عن القضايا السياسية الكبيرة وكان آخرها الدفاع عن الخمير الحمر في المحكمة الدولية التابعة الى الأمم المتحدة.

ولقد تركز حوارنا على مبدأ نجاح المصالحة الذي انتهجته كمبوديا للخروج من المأزق التاريخي الذي خلف أكثر من مليوني قتيل وهجر مئات الآلاف من كمبوديا ونظرة مقارنة بين المصالحات الأخرى في جنوب افريقيا وتشيلي ونيكارغوا وهندوراس وهل يمكن للعرب الاستفادة من هذه التجارب؟

وقال لي إن كمبوديا تتميز بثقافة دينية بوذية أساسها التسامح وتختلف عن بقية الديانات الأخرى، كما أنها تختلف عن الديانة المسيحية مثلا في أمريكا اللاتينية أو في جنوب افريقيا حيث أن فلسفة البوذية تعتقد أن الإنسان يعود من جديد بعد موته في صورة أخرى ترتبط بحياته السابقة.

لا شك أن المهمة الخاصة بالتوافق الاجتماعي والمصالحة الوطنية كانت صعبة وآثارها جسيمة على المستوى المادي والمعنوي للكمبوديين خصوصا وأن نظام بول بوت لم يكتف بالسيطرة على السلطة السياسية بل أنه وضع نظاما يقوم على التعذيب والقتل والأعمال الشاقة، كما أجبر المجتمع كله وبدون استثناء على انتهاج سياسة جديدة تسمى الهندسة الاجتماعية الزراعية والتي تجبرهم على العمل في مجتمعات زراعية شاقة بل إنها أقفلت كل مؤسسات الدولة وجميع المصارف والمدارس وحتى المستشفيات الخ وحتي بعد فقدهم للسلطة عام 1979 لقد كانوا دائما في قتال من داخل أدغال كمبوديا القريبة للحدود التايلاندية وحتي التسعينات حيث تم استسلامهم للأمر الواقع وأقروا و اعترفوا بفوز حكومة بنوم بنه آنذاك.

ولكن السؤال هنا نحن كعرب ومسلمين هل يمكننا أن نقبل بالمصالحة والإصلاح وبناء مجتمع خال من الكراهية والحقد والحسد ينتمي كله الى دولة القانون ودولة المؤسسات الديمقراطية وتداول السلطة سلميا والعيش في أمان وسلام.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. الهادي شلوف

رئيس الجمعية الأوروبية العربية للمحامين والقانونيين في باريس

اترك تعليقاً