حاكموا الدولة: توضيح – حتى لا يظن الاباضية أنهم استثناء (2/1)

حاكموا الدولة: توضيح – حتى لا يظن الاباضية أنهم استثناء (2/1)

د. أحمد معيوف

باحث أكاديمي ليبي

“اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ”

الآية 31 من سورة التوبة

الاحبار هم علماء اليهود، والرهبان هم متعبدة وزهاد وعلماء النصارى، وقد كان اليهود والنصاري لا يعبدون احبارهم ورهبانهم كما يفهم من ظاهر الاية، ولكن كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرَّموه. وفي قول عبد الله بن عباس في شرح الاية: لم يأمروهم أن يسجُدوا لهم، ولكن أمروهم بمعصية الله، فأطاعوهم، فسمَّاهم الله بذلك أربابًا.

عقلا، لا يمكن ان يقبل الانسان بمعصية الله وهو يعلم انها معصية لان حبرا او راهبا أو شيخا امره بذلك، خاصة وانه لا يحقق مصلحة من ذلك، والارجح ان الانسياق والثقة المفرطة في الحبر وفي الراهب وفي الشيخ هي من دفعت الى تصديقهم، ففي اعتقادهم ان الحبر والراهب معصوم ولا ينطق عن الهوى. تماما كما يحدث عند بعض جموع المسلمين (وللاسف عن إيمان وتقوى ومخافة الله، ولكن ينقص هذه التقوى التفكير والتدبير)، فما يقوله “علمائهم” يصبغون عليه القدسية، وينزلون علمائهم منازل لا ينزلها البشر. لهذا نبه الله سبحانه وتعالى عباده من الغلو في تقديس الرجال، او قل تقديس اقوالهم وانزالها منزلة النص الذي لا يأتيه الباطل. ويلوك الكثير منهم العبارة المشهورة “لحوم العلماء مسمومة”، وقد خالط هذه العبارة توقير العلماء لحد التنزيه ووضع علومهم في منزلة التقديس، وصدقت بذلك الاية الكريمة في حقهم.

الخلاف بين المسلمين قديم، والموروث الثقافي الاسلامي مليء بالتحريم او الحرج من صلاة اصحاب مذهب خلف مذهب اخر، او تكفير بعض معتقدات مذهب عند مذهب اخر. والافتاء بتكفير الاباضية وعدم الصلاة خلفهم قديم، ولا يختلف عن التحرج من تتبع مذهب لمعتقدات مذهب مخالف.

وينقل مثلا عن ابي حنيفة فساد صلاة من رفع يديه عند الركوع، وذهب عن بعض فقهاء الحنفية، اعتمادا على هذه الرواية، الى القول بفساد صلاة الحنفي خلف الشافعي لان الشافعي يرفع يديه عند كل ركوع. ووصل الامتناع عن الصلاة خلف امام مخالف بسبب قضايا هامشية جدا، كعدم اكتمال الوضوء إذا مسح على جوربين من “القماش” وليس من “الجلد”. او الاختلاف في موعد دخول صلاة العصر، فبعض المذاهب لا ترى جواز صلاة العصر في اول الوقت، لذلك يمتنع اصحاب هذا الرأي عن صلاة الجماعة ان اقيمت في اول الوقت. وقد فاق الامر في الاختلاف حدود العقل، لدرجة ان سئل احد العلماء في رجل كان على مذهب ولم يصلي لمدة طويلة ثم غير مذهبه، فهل عليه قضاء ما فاته من صلاة على مذهبه الاول الذي كان عليه او على مذهبه الجديد (!!!…). وتجاوز بعض العلماء في تمجيد التمسك بالمذهب والتقليد لدرجة اعتبروها من السنن، بمعنى ان كنت على المذهب المالكي مثلا، فمن السنة ان تقلد مالك فقط، رغم ان المذاهب لم تكن موجودة على زمن رسول الله.  وكان في المسجد الاموي بدمشق محاريب اربعة، كل محراب يتبع مذهب من المذاهب المسماة بالسنية، وحين يحين وقت الصلاة يتفرق الناس على هذه المحاريب.

ولعل من الصادم للمسلم البسيط ان يعلم بوجود خمس مقامات بمكة، اسست في نهاية القرن العاشر الميلادي تقريبا، كل مقام من هذه المقامات يخص طائفة من المسلمين، فهناك مقام للمالكية ومقام للشافعية ومقام للحنفية ومقام للحنابلة ومقام للزيدية، وقد ازيل مقام الزيدية في العام 1325 م. كل مقام من هذه المقامات هو مصلى لاتباع المذهب، وله مكان مخصص من الحرم. فالمقام المالكي يقع في جهة الغرب من المسجد الحرام مما يلي دبر الكعبة بين الركنين الغربي واليماني. والمقام الشافعي في جهة الشرق من المسجد الحرام، أمام الكعبة وخلف مقام إبراهيم عليه السلام وباب بني شيبة. والمقام الحنفي في جهة شمال الكعبة والمسجد الحرام، أمام حِجر إسماعيل عليه السلام وميزاب الكعبة بين الركنين الشامي والعراقي. والمقام الحنبلي يقع جنوب المسجد الحرام، مستقبلاً الحجر الأسود ومجاور لمبنى بئر زمزم.

وكان الناس في القرون الهجرية الاربعة الاولى يصلون خلف امام واحد في الحرم المكي، فلما انشئت هذه المقامات اصبحت الصلاة الواحدة تقام اربع مرات ينتصب فيها لكل اقامة صلاة إمام مذهب من هذه المذاهب الأربعة، ويصلى أتباع كل مذهب على الأغلب وراء إمام مذهبهم. فيصلي الشافعي، ثم الحنفي، ثم المالكي، ثم الحنبلي حسب وقت دخول الصلاة كل حسب مذهبه.

ولوحظ أن بعضا من الناس يكون في المسجد الحرام والصلاة قائمة فلا يصلي مع إخوانه المصلين وحجته أنه ينتظر حتى يجيء الإمام الذي هو على نفس مذهبه، وبالتالي يصلي خلفه وقد ظل عدد المتخلفين يتكاثر، وأصبح ظاهرة ملفتة ومقلقة، فأمر الملك عبد العزيز آل سعود بعقد اجتماع للعلماء للنظر في الامر، وخرجوا بقرر أن تكون الجماعة التي تقام في المسجد الحرام جماعة واحدة، وأن ينتخب أئمة من كل مذهب، يتناوبوا عن إمامة الصلوات الخمس، ولا يصلي في الوقت الواحد إلا إمام واحد، ولا يتخلف عن الصلاة خلف أي إمام من هؤلاء الأئمة. وبذلك انتهى تعدد الجماعات أثناء الصلاة في عام 1926م تماما. هذا في جواز الصلاة من عدمه خلف امام مخالف في المذهب، لكن لا يتوقف الامر هنا، فالتكفير كاد ان يكون سمة في عهود الاسلام الاولى.

تعود جذور ظاهرة التكفير إلى الخلاف الذي وقع فيه المسلمين أيام الفتنة الكبرى، حيث كفرت جماعة من المسلمين فكرة التحكيم، وادعت أن التحكيم كفر لأنه احتكام إلى الرجال، فكانت الخوارج هي رائدة الفكرة، واتسعت الظاهرة مع ظهور الفرق الإسلامية التي اوجدت مناخاً مناسبا لهذه الظاهرة، فاتخذت طرقاً أخرى متعددة تبدو واضحة من خلال كتب التراث الفقهي والكلامي، لا سيما تلك التي كتبت في عصور التعصب المذهبي العنيف، فتبادل الفقهاء نوعاً من التهم، وتبادل أصحاب العقائد مثل ذلك وتلقف البسطاء من الخلف هذه التهم وأسرفوا في الاعتداد بها حتى جعلوها معيار ما يقبل من الآراء ويرفض. وقد نال ابو حنيفة النصيب الاكبر من التكفير، لذلك ساكتفي بذكر ما قيل فيه حتى لا يتشعب الامر ويطول المقال.

يتبع…

والله من وراء القصد

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. أحمد معيوف

باحث أكاديمي ليبي

التعليقات: 1

  • rakesh

    هل تحتاج إلى قرض لأي غرض؟
    تقدم بطلب عبر البريد الإلكتروني للحصول على عرض قرض بنسبة 3.5٪.
    تقديم طلب للحصول على قرض من 6000 إلى 2000،000 ريال قطري …
    اختيار سداد القرض من 1 سنة إلى 30 عاما.
    rk0739292@gmail.com

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً