أزمة الإقتصاد الليبي،أم أزمة التدبير المالي الليبي!!

أزمة الإقتصاد الليبي،أم أزمة التدبير المالي الليبي!!

د. نوري عبد السلام بريون

المستشار الاقتصادي، ومدير إدارة الرقابة على المصارف الأسبق لمصرف ليبيا المركزي

 

 

بُني الإقتصاد الليبي على مصدر واحد للدخل، وهو النفط ، وللأسف كان هذا االمصدر ريعيا ، أي  هبة من الله، وكانت مساهمة الإنسان في إكتشافه وإخراجه لتطويره، لكن آلإستفادة منه تتطلب تقنية علمية حديثة ،لا يملكها الليبيون ، ألأمر الذي جعل أصحاب التقنية يتحكمون في إنتاجه وتصديره بآلأسعار التي تناسبهم.ولكي لا ننسى وجب العلم أن ليبيا قبل تصدير النفط قد واجهت العجزفي جميع المجالات الإقتصادية الرئيسة : الزراعة ينقصها الماء ،والميزان التجاري يتسم بالعجزليصل إلى 19.1 مليون دينار في عام 1958 ، وكان متوسطه السنوي نحو 13.4 مليون دينار خلال الفترة (1954-1958 ) ، كما كانت ميزانية الحكومة الليبية تتسم هي ألأخرى بالعجز الموجع، حيث بلغ متوسطه السنوي نحو 6.203 مليون دينار خلال الفترة ( 54\55 – 58\59) ليكون عجز الموازنة في العام المالي ( إبريل 1958 – مارس 1959 ) نحو 7.130 مليون دينار، والمعونات ألأجنبية تتدفق على ليبيا من نحو  6.474 مليون دينار عام  1954 إلى نحو 14.884 مليون دينارعام 1959،أي بمتوسط سنوي بلغ 10.932 مليون جنيه إسترليني خلال الفترة ( 1954 _1959)،وهنا تظهر كفاءة التدبير المالي حتى في إنفاق المعونة المكتسبة بدون شقاء، فتمت تغطية العجز، وبقي فائض بلغ متوسطه نحو 2.248 مليون دينار خلال نفس الفترة.

منذ بداية تصدير النفط الليبي الخام (نوفمبر 1961 ) وضعت شركات النفط ألإحتكارية سعر البرميل من النفط الخام في حدود 2.58دولار ،  وآستمر على هذا المنوال حتى آخر عام 1970. (أ م ف،أ ف س،الكتاب السنوي 1988ص 183).

إلا أن الواقع كان غير ذلك، إذ بلغ سعر البرميل من النفط الخام المصدر في شهر نوفمبر1961 ، نحو 0.781 دينار ليبي، المقابل لنحو 2.19 دولار،  أي بأنخفاض بلغ نحو 15.1% مقارنة بالسعر المعلن ( 2.58 دولار)،وفق إحصائية ( ص ن د ).إلا أن سعر النفط الخام الليبي قد واجه إنخفاضا في ألأسعار خلال الفترة ( 1961-1970) بلغ متوسطها نحو 32.4%، ليكون متوسط  سعر البرميل نحو 0.6234  دينار مقابل  1.7445 دولار مقارنة بالسعر المعلن المذكور أعلاه. لكن بقيام ثورة سبتمبر 1969 قد واجهت شركات النفط (كلها أجنبية) ضغوطات لزيادة أسعار النفط،وخاصة بعد تأميم الشركة البريطانية للنفط في عام 1971 ،مما حفز                                                                                                                                                                                                                                                                                    من زيادة أسعار النفط الخام  إلى 3.17 دولار في عام 1971 ،ثم إلى 3.37 دولار في عام 1972 .وهنا تجدر الملاحظة أن عائد النفط الصافي للحكومة في الغالب أقل من الدولار للبرميل الواحد وفي أحيان أخرى لا يتجاوز الدولار الواحد.

لكن سعر النفط الخام قد  إنطلق من قيوده ألإحتكارية إعتبارا من حرب تحرير سيناء عام 1973. وعند الأزمة المالية في أمريكا عام 2008’ إفتعلت أمريكا إرتفاع أسعار النفط الخام إلى متوسط 95.5 دولار للبرميل الواحد لغرض بناء إحتياطي داخلي لها، إلا أن الأسعار إنخفضت بنسة 40% عام 2009، ثم بدأت  بألإرتفاع حتى وصلت 112 دولار للبرميل في عام 2012، ثم عاودت ألإنخفاض بمتوسط 18.5% خلال السنوات (2013-2016)، ليصل متوسط سعر برميل النفط الخام إلى 48 دولارا للبرميل الواحد في عام 2016 .( وفق إحصائية صندوق النقد الدولي(ص ن د)). لكن وفق إحصائية مصرف ليبيا المركزي (النشرة ألإقتصادية-الربع الرابع 2016 ج44 )،كان المتوسط السنوي لسعر برميل النفط الخام الليبي المصدر من الموانئ الليبية قد بلغ 101.97 دولارفي عام 2011 ،و110.46 دولار في عام 2012 و107.82 دولار في عام 2013 و94.87 دولار في عام 2014 ليواصل إنخفاضه إلى 56.30دولار في عام 2015 ، 45.46 دولار في عام 2016، أي بمتوسط نسبة إنخفاض سنوية بسيطة ،بلغت نحو 14.7% خلال الفترة (2013-2016).

هذا بالإضافة إلى حرمان ليبيا من الحصول على ألإستفادة من تلك  ألأسعار العالية، بسبب بعض مواطنيها السدج (الذي أوقف تصدير النفط، نكاية في الحكومة التي يعارضها.) وجعلت تلك القلة اليوم الشعب يغرق في العجز العميق (ألأضعاف المضاعفة ) من المليارات، بينما  تسطح أجدادنا بآلأمس قي بضعة ملايين من العجز الخفيف قبل تصدير النفط، فتم سداده من المعونات ألأجنبية من جهة، ومن نتائج التدبير الحكيم من جهة أخرى، ما أجمل وأحسن ألأجداد إذا قورنوا بالأبناء !!، تدبيرا وحكمة .إذ فقد ألإقتصاد الليبي ،قياسا على مستوى التصدير في عام 2010 من جهة ، وبسبب التهور الفردي بوقف تصدير النفط من جهة أخرى ، نحو 2.5 مليار دولار من النقد ألأجنبي في عام 2012 ،ونحو 18.8 مليار دولار في عام 2013، ونحو 34.8 مليار دولار في عام 2014 .

ومن جهة أخرى كان اللاعبون في مجال السياسة المالية عد يمي التدبير المالي إذ ابهرهم ارتفاع أسعار النفط ولم يلهمهم الله بالحذر ليطوروا ميزانية الصرف وفق الايراد الفعلي المتوقع وليس وفق السعر الذي لا نتحكم فيه، مما ترك الاقتصاد الليبي يغرق في العجزالعميق بواقع 10.5 مليار دينار في عام 2013، و22.4 مليار دينارفي عام 2014 و26.4 مليار دينار في عام 2015 و20.2 مليار دينار في عام 2016، أي بمتوسط 20.0مليار دينار سنويا خلال السنوات (2013-2016).( م ل م،إ ب ح -النشرة ألإقتصادية-2016 ). علما أنه ما تم فقده من النقد ألأجنبي خلال عام 2011 (ثورة 17 فبراير) تجاوز 41 مليار دولار، يوجد ما يبرره ، وهوالمحافظة على أمنه ،وعدم تعرضه إلى التهلكة بسبب حرب التحرير، فتم وقف إنتاج النفط وتصديره إلى جين تحرير البلاد بكاملها.

أليس هذا من انعدام التدبر حتى أن بنذ المرتبات هو الذي تضاعف من نحو 11 مليار دينار عام 2010 الى نحو 26 مليار دينار عام 2016 علما ان انفاق الميزانية على الخدمات التسييرية (وأغلبها المرتبات) تضاعفت من 15.1 ملياردينار  الى 31.3 مليار دينار في نفس الفترة.

والمشكل المتولد من التهور السياسي وعدم التدبر المالي حتى أن القطاع الخاص في مجموعه أظهر أنانيته بإرتكابه الفساد وكسب الربح السريع، مما يدعو الى عدم الثقة به ، والدليل هو زيادة  التضخم بنسب موجعة وخاصة في السنوات (2015-2016_2017) ليسجل معدله 9.84% و25.9% و28.5%على التوالي. وإذا فحصنا نسبة التضخم أينها أكبر وأكثر تجدها كمتوسط سنوي نحو 14% في المواد الغذائية بعد ثورة 17 فبراير ونحو 23% في الملابس و9%ة في السكن وملحقاته، و24.4% في العناية الصحية  و5.5% في النقل والمواصلات و12% في التعليم والثقافة و16% في باقي السلع الاخرى، ( م ل م،إ ب ق ح – ن ق-ج 27،2016) مما يؤكد أن هذه الموجة التضخمية قد عمت جميع السلع والخدمات المتداولة في الاقتصاد الليبي بسبب غياب المراقبة بالكامل من جهة، وكثرة المعاملات الاقتصادية الكبيرة والمتوسطة التي تنشأ تحت الظل وخارج الدائرة القانونية،من جهة أخرى.

يلاحظ هذا في مستوى انخفاض إيرادات الدولة غير النفطية من 6 مليار دينار الى نحو 3.0 مليار دينار في كل من عامي (2012-2013) ونحو 1.6 مليار دينار في كل من عامي (2014-2015) ونحو 1.93 مليار دينار في عام 2016.( المصدر السابق-جدول 30 ).علما أن المسجل في الميزانية 2016 نحو 6.246مليار دينار تضمن ايرادات سابقة مسجلة في حسابات المصارف تم تحويلها للميزانية في هذه السنة.

أما بالنسبة لتغيرات أسعار الصرف الرسمية مع العملات الاجنبية القابلة للتحويل إذ زاد متوسط  قيمة الدولاربالدينار الليبي سنويا بنحو 2.5% خلال الفترة (2010-2016) ، لأن الدولارهو الذي إنخفضت قيمته بمتوسط سنوي بلغت نسبته نحو 2.16% مقابل وحدة ( ح س خ ) ( 0.692 – 0.795 )\0.795×6 = 0.0216 خلال الفترة المذكورة.  بينما إنخفض متوسط قيمة اليورو ألأوروبي بالدينار الليبي من 1.6641 دل في نهاية عام 2010، إلى 1.5114 دل في نهاية عام 2016 ، أي بنسبة إنخفاض بسيطة سنويا بلغت نحو 1.53%،خلال نفس الفترة  ، كما إنخفضت   قيمة الجنيه الاسترليني هي آلأخرى بالدينار الليبي من 1.9509 دل في نهاية عام 2010 ،إلى 1.7698 دل في نهاية عام 2016 ، أي بمتوسط إنخفاض يقرب من متوسط إنخفاض اليورو ليكون 1.55% سنويا خلال نفس الفترة.(المصدر السابق-ج 35 )، مما يعني ان هذه التغيرات تعتبر طفيفة ولا تحدث أثرا ملموسا في المدة القصيرة والمتوسطة ، ألأمر الذي يؤكد أن سلوك أسعار الصرف تتسم بالإستقرارالنسبي ،وخاصة ان قيمة الدينار الليبي مربوطة  بقيمة وحدة حقوق السحب الخاصة( ح س خ ) التي تساوي الدولار القديم، وحاليا يتم تقويم وحدة حقوق السحب الخاصة بخمس عملات أجنبية مرجحة بأوزان مساهماتها في التجارة الخارجية الدولية وهي ( الدولار الامريكي ، اليورو الاوروبي ، والجنيه الاسترليني ، والين الياباني ، وإيوان الصيني ) ،وان أي زيادة أو نقصان في قيمة هذه العملات الخمسة في السوق تنعكس مباشرة على قيمة وحدة حقوق السحب الخاصة و(ح س خ ).وبالتالي يكون من الافضل أن يبقى الدينار الليبي تحت هذه الالية ليتمتع بالاستقرارفي السوق الدولية لأنه لا شئ في السوق الدولية إلا اذا كان مربوطا ب و(ح س خ) وهي وحدة حسابية أنشأها صندوق النقد الدولي لصالح مجتمع دول العالم لتوفير السيولة والاستقرار النقدي في العالم ،وهذا يتلاءم مع مقولتنا الجديدة، وهي ( آلية التنفيذ ألإقتصادي ) أكثر قدرة على المحافظة على إستمرار حركية التنمية ألإقتصادية المستدامة. مما يعني لو تغير سعر صرف الدينار بالتخفيض ، كما يدعو له بعض رجال آلأعمال ، فإنه يضر بالاقتصاد الليبي، لأن تخفيض قيمة الدينار في بلد لا تنتج سلعا للإستهلاك المحلي ولا سلعا تصديرية مستدامة تغذي ألإقتصاد بالنقد ألأجنبي، فإن نسبة التخفيض  تنعكس مباشرة على زيادة ألأسعار بآلكامل، مما تضطر الدولة إلى دعم دخول أصحاب المرتبات الثابثة ، مثل المتقاعدين والطبقة الوسطى من الموظفين .والمواطن الذي يحتفظ بالثروة في شكل ودائع بالمصارف أو نقدية في الصندوق، أو سندات لدي الشركات،فإنه يخسر جزءا من ثروته يساوي نسبة التخفيض، بينما يربح رجال ألأعمال جزءا من ديونهم لدي المصارف يساوي نسبة التخفيض ،وذلك بسداده ( من خلال إنكماشه قيميا وليس عدديا )،لذلك نرى رجال ألأعمال يشجعون الدولة على تخفيض قيمة العملة، لأنه في صالحهم، وخاصة الذين غرقوا في الديون. وكذلك الدولة  سوف تربح هي آلأخرى إذا كانت مكبلة بالدين العام المحلي، فيقل العبء عليها ، وينكمش إلتزامها مقابل العملة المصدرة التي يحتفظ بها الجمهور.ولوعلم علماء الشريعة أسرار هذه العملية ألإجرامية ، لوضعوها في باب السرقة بقصد أكل المال بآلباطل ( من خلال السرقة المقنعة بالقانون)، بينما لو تمت عملية التخفيض (إن لزم ألأمر) في إطارها ألإقتصادي،ومنها معالجة ألآثار الجانبية الضارة، لكي يتم التوازن الذي يدعو له رسولنا صلى الله عليه وسلم ( لا ضرر  ولا ضرار ).

وهنا تجدر الملاحظة، إن مصرف ليبيا المركزي عندما أنهى سلسلة التخفيضات الخفيفة على الدينار الليبي منذ أول مايو 1986 بنسب  مختلفة كان آخرها في 19\6\2001 بنسبة 13.833% لتكون قيمة الدينار الليبي 1.224 و( ح س خ )، أقبل المصرف المركزي على إنجاز باقي نسبة التخفيض ،كنسبة كبيرة في أول يناير 2002 ، بلغت نحو 50.33% لتكون قيمة الدينار 0.608 و( ح س خ )، وكنسبة   أقل بلغت نحو 14.89% في 15 يونية 2003 ( مقابل الضريبة المجتباه بنسبة 15% على تحويلات النقد ألأجنبي  لصالح النهر الصناعي، بطلب من ( ص ن د )).في عهد المحافظ الدكتور أحمد منيسي عبد الحميد (أطال الله في عمره)، حيث بلغت نسبة التخفيض المتراكمة نحو 81.5% مقارنة بقيمة الدينار في مارس عام 1986 ,لتكون قيمة الدينار تساوي 0.5175 و(ح س خ ) إعتبارا من النصف الثاني لعام 2003 ، مقابل  2.8 و(ح س خ ) في مارس 1986 . ومن جهة أخرى،بلغ كل من  صافي النقد ألأجنبي ،ومجموع الدين العام في القطاع المصرفي،  نحو.21.132مليار دينار،و7622 مليون دينارعلى التوالي في نهاية عام2003 .

وإذا تم حساب نسبة التخفيض من قيمة الدينار الليبي المساوية ل(1.224 و(ح س  خ)قي نهاية 2001 )، إلى قيمته المساوية ل( 0.5175 و(ح س خ ) في منتصف يونية 2003 )،فإن هذه النسبة ستكون ( 0.5175 -1.224 )\1.224 =0.57721 – أي تكون نسبة التخفيض نحو 57.7% ،وبالتالي يكون  مقدار الفائض المحقق للدولة نحو 12.2 مليار دينار،وكان من محاسن المحافظ  آنذاك أن أقنع الدولة بضرورة سداد الدين العام البالغ نحو7866.2 مليون دينارفي نهاية مارس 2004 حيث تم سداده بالكامل في شهر إبريل من نفس السنة.فرجع إلى وزارة المالية شبابها بعد أن تخلصت من أعباء الدين العام وتحمل ألأوجاع المتزايدة سنويا من  خدماته المتكررة لمدة تزيد عن ستة وعشرين سنة ،ذلك لأن الحكومة شعرت بثقل الدين  العام المحلي منذ زيادته  بأكثر من الضعفين من 531.8 مليون دينار في عام 1977 إلى 1278.7 مليون دينار في عام 1978 ، أي بنسبة كبيرة بلغت نحو 140.45% في عام 1978 ، وبمتوسط نسبة سنوية بسيطة بلغت 20.4% سنويا لباقي الفترة ألخمسة والعشرين سنة وربع السنة ( 25.25 سنة ).

لكن كان من الواجب على الدولة الليبية آنذاك أن تعالج ألأضرار التي أحدثها التخفيض المذكور. تقع المسئولية المباشرة في هذا الشأن على المصرف المركزي ووزارة المالية،وأية جهة أخرى تدخلت ، وأثرت. بما أن تخفيض قيمة العملة هو إنقاص في نفس الوقت للقوة الشرائية من العملة،فإنه وجب تعويض المتضرر، بنسبة التخفيض لتغطية المفقود من السلع الضرورية، وبنسبة أقل لتغطية المفقود من السلع الكمالية، يقدرها أهل الخبرة على أساس دراسة علمية لهيكلية إستهلاك ألأسرة للحصول على ألأهمية النسية للسلع الضرورية وآلأكثر ضرورة، والسلع الكمالية ،وذلك عند المستوى من دخل الكفاية الذي يكون فيه الضرر أكثر وضوحا .بل نجد ما جاء في القرآن على لسان النبي شعيب من نقص المكيال والميزان وبخس أشياء الناس، ما يزيد ألأمر وضوحا وتبيانا ، إذ قال سبحانه وتعالى ( وإلى مندين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبُدوا الله ما لكم من إلاه غيره،قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في ألأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين.) ألأعراف 85 .

في هذه الحالة يمكن تعويض المتقاعد بنسبة زيادة 50% حتى الوصول ألى الدخل في مستوى الكفاية، الذي يتم تقديره على أساس الدراسة العلمية المذكورة أعلاه. أما بالنسبة للموظفين ذوي الدخول تحت مستوى الكفاية، فيعوضون بنسبة أقل وفق نتائج أهمية السلع الضرورية في ميزانية ألأسرة. ومع ذلك أنا لا أعتقد أن يكون تخفيض قيمة الدينار الليبي حلا إقتصاديا آمنا ، مما وجب إبعاده من أية خطة إصلاح إقتصادي بغرض التنمية والتقدم.ونصيحتي لنقابة المتقاعدين أن تطعن قي قرار تخفيض الديناربتاريخ 1\1\2002 ،والمطالبة بالتعويض ، بدلا من إستصدار

قرار من مجلس المؤتمر الوطني، بزيادة مبلغ مقطوع لجميع المتقاعدين، ولكن للأسف علقت وزارة المالية بأن المبلغ غير متوفر. ألا يدخل هذا الملغ في تدبيرهم ؟

ومن جهة أخرى،لا خوف من السوق الموازية، إذا كان مصدر تمويلها بالنقد ألأجنبي هو مدخرات العاملين بالخارج، وبقايا النقد ألأجنبي لدي المسافرين الليبيين وآلأجانب، لأنه  في هذه السوق لا تُكون الكمية المعروضة من النقد ألأجنبي أهمية تذكر في ألإقتصاد الليبي، لكن الطامة الكبرى عندما يتم تمويلها من مصادر المفسدين الذين يسحبون النقد ألأجنبي من تحت الظل، وخارج دائرة القانون من القطاع المصرفي، أو من خلال تزوير ألإعتمادات المستندية بزيادة أسعار السلع المستوردة، أو بنقص الكمية المستوردة، بآلإتفاق مع المصدر ألأجنبي.وإذا هذا ما يحصل في ليبيا، فوجب على المصرف المركزي وضع القانون الصارم لمحاربة الفساد، وكشف العمليات التي تتم بالمخالفة، وهو يملك هذا حتى من خلال اللوائح المعمول بها .

أما بالنسبة للاحتياطي من النقد الاجنبي (غطاء العملة) الذي يملكه المصرف المركزي أو تملكه الدولة فيجب المحافظة عليه وعدم إنفاقه على السلع الكمالية إلا إذا كان كبيرا جدا جدا وخاصة أن ليبيا تعتمد على مصدر واحد وهو النفط (ليس للإنسان دور في نشأته).

إذن  في غياب تجدد تدفق النقد الاجنبي وجب التقشف حتى في المواد الغذائية الكمالية والإبقاء على السلع الضرورية جدا جدا المكونة  للحاجات  الرئيسة  الضرورية للإنسان مثل المأكل والملبس والمسكن . والحكومة الوطنية القادرة على ممارسة التقشف أفضل في بناء الوطن من الحكومة المسرفة التي تسعى الى الاستدانة وتقييد شعبها في المستقبل وفق سياسة الدول الاجنبية الدائنة.

وللخروج من هذه الازمة الاقتصادية لايفيد أحداث أي تغير في السياسات المالية والنقذية ،ولكن من الضروري أن تساعد الدولة في إنشاء بعض الشركات ذات الاهتمام بالسلع الضرورية أن تعمل في السوق بالأسس التجارية ولكنها في سياسة الأسعار أن تكتفي بالسعر الذي يحقق لها الفرصة في بناء الاحتياطي القانوني دعما للشركة أي توفير السلعة بسعر التكلفة للمالكين لها من آلمجموعات الاستهلاكية التعاونية أوالمجموعات المهنية الصيدلية مثل :-

الشركة الوطنية الليبية لتوفير السلع التموينية،

تساهم بالشركة الجمعيات التعاونية المرخص لها من وزارة الاقتصاد وكذلك يساهم المصرف الراغب في تمويل الشركة والراغب أيضا في المساهمة في استقرار الأسعار من خلال تغليب الجانب الاجتماعي في الاسلام وهوكما قال سبحانه وتعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على ألإثم والعدوان ) المائدة-2 ، في إطار تطبيق المبادئ الاقتصادية للوصول إلى سعر السوق في غياب الاحتكار والغش والتدليس ليكون أقل سعر تكلفة ممكنة، وعند مستوى إنتاج أكبر ما يمكن الوصول إليه. والمقصود بتوفير السلع هو زيادة العرض من السلع والخدمات ، لكي تزداد مرونته من جهة ، ويزداد إنخفاض السعرمن جهة أخري. ويحق لهذه الشركة أن تنتج بعض السلع التموينية مثل القمح والشعير بالتعاون مع أصحاب الأرض القابلة للزراعة ومنعا للإحتكار لا يجوز للفرد أن يملك أكثرمن 1% أو هو وأقرباؤه أكثر من 2%.أي إستمرار المحافظة على توسيع قاعدة الملكية من جهة، وغياب آفة ألإحتكار من جهة أخرى.

  • الشركة الوطنية الليبية لإنتاج وآستيراد الادوية والمواد الطبية :-

تقوم هذه الشركة على نفس الأسس التي قامت عليها الشركة الوطنية الليبية لتوفير المواد التموينية ، إلا أن ملاكها يكونون من ذوي أصحاب المهن الصيدلية ، وبالتالي تساهم فيها الصيدليات والمستشفيات فقط ، لكي يحصلوا على ألأدوية بأقل سعر ممكن من جهة ،ولكي يضعوا مستوى ربح مناسب لحاجتهم من جهة ثانية ،ولكي لا يضعوا سعرا ثقيلا على المجتمع التعاوني من جهة ثالثة. أقصد بالمجتمع التعاوني هو آلإنسان الذي طولب بتعمير ألأرض، وأُمر بالتعاون بين أقرانه على البر والتقوى.

وفي حالة وصول الشركة إلى الحجم ألأمثل للمشروع ،يمكن إنشاء شركة أخرى منافسة للإستفادة من زيادة ألإنتاج، بدل مواجهة زيادة التكاليف ونقصان الكفاءة إذا تجاوز المشروع حجمه ألأمثل، بل هذا هو المطلوب لأنه يحفز التنمية المستدامة،فتزداد العمالة ويزداد ألإنتاج ويرتفع معدل النمو.

  • الشركة الوطنية الليبية لإنتاج وإستيراد وتصدير اللحوم :-

يساهم في هذه الشركة  من يرغب من القصابين والراغبين في الاستثمار، وبالتالي تقوم الشركة على ألأساس التجاري، ومنعا للإحتكار نأخد بالأسس الموسعة للملكية الفردية في الشركات.ولأهمية هذه السلعة وضرورتها في ألإقتصاد الليبي، وجب على الحكومة تحفيز هذه الشركة بضمانها لدي المصارف عند تمويلها مع مساعدتها فنيا حتى تقف على رجليها. وإن إحتاجت ليبيا إلى أكثر من شركة فوجب تحفيزها.

  • الشركة الوطنية الليبية لإنتاج اللحوم البيضاء يساهم من يرغب لغرض الاستثمار سواء من القصابين أو غيرهم ،وتقوم الشركة على ألأساس التجاري ،مع وضع نص توسيع قاعدة الملكية  لمنع الاحتكار.
  • الشركة الوطنية الليبية لصيد الأسماك:-

يساهم فيها العاملون في صيد الأسماك والمستثمرون بوجه عام ، وتقوم الشركة على ألأساس التجاري مع وضع نص توسيع قاعدة الملكية  لمنع الاحتكار.

علما أن كل شركة تعتبر شركة خاصة وليست مملوكة للدولة وتعامل قانونا كشركة خاصة، ولكن لأهمية السلع التي تنتجها  أو تتاجر فيها وجب على الدولة الاشراف عليها ومحاسبتها أن خالفت القانون. وبدون شك أن توسيع قاعدة الملكية يزيد من قوة الشركة ويطيل عمرها وتساهم الشركة في رفع معدل نمو التنمية المستدامة.

أما بالنسبة للمنشآت الفردية والعائلية ،فيجب ألإستمرار في إنشائها وتنظيمها، مع توجيه أصحابها إلى التخصص،وبناء الحجم ألأمثل للمشروع ،لكي تتحقق زيادة ألإنتاج وتدنية التكاليف، وعدم السماح لتعدد النشاطات للفرد الواحد، أو العائلة الواحدة ، منعا للإحتكار من جهة، وتوسعا للنشاط الجماعي التعاوني من جهة أخرى.والله الموفق

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. نوري عبد السلام بريون

المستشار الاقتصادي، ومدير إدارة الرقابة على المصارف الأسبق لمصرف ليبيا المركزي

التعليقات: 2

  • عرباوى

    مشكور جدا دكتور نوري على هذه المعلومات والاضاحة والله يرحم ولديك

  • عبدالحميد المبروك

    يا ريت المتصدرين للحكم في بلدنا المسلوب يضعون ما أسردت وما ذكرت وما إقترحت في خطة لتنفيذه و العمل به خاصة وأن جل الشركات التي اقترحتها موجودة ضمن هياكل مؤسسات الدولة .. شخصيا احيك وأحيي فيك روحك الوطنية ,دمت بصحة وهناء وخير

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً