إعادة إعمار بنغازي

إعادة إعمار بنغازي

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

يبدو ان موضوع اعادة اعمار بنغازي والذي يتسابق المتسابقون فيه لا استعراض قدراتهم ومهاراتهم وحتي افكارهم والتي اغلبها مستوردة من مجتمعات وواقع هو اقل ما يمكن ان يقال عنه انه بعيد كل البعد عن واقع مدينة بنغازي والظروف التي تعيشها ليبيا حاليا.

العديد من المهتمين يشيرون الي ضرورة اطلاق صندوق لاعادة اعمار بنغازي وتسلبق البعض الي طرح نماذج مشروعات لذلك الصندوق المقترح  وتباري البعض بتحديد الشخصيات التي يجب ان تدير ذلك الصندوق وما هي المشروعات التي يجب ان توضع علي سلم اولويات ذلك الصندوق واستخدمه البعض في اطار المزايدة السياسية والاجتماعية،  ولكن الجميع تناسي ان مثل هذا الصندوق حتي وان قدر له ان يري النور  فانه سيولد ميت وبدون اي امكانيات وسيصبح شماعة تعلق عليهاالفشل في النهوض بمدينة بنغازي من جديد.  التصور بان بنغازي سيتم اعمارها بصندوق في تقديري ليس الا كلام يسيل له اللعاب ولا يسمن ولا يغني من جوع . الصندوق سيعتمد علي ما تخصصه الدولة الليبية من اموال بالدرجة الاولي لكبر حجم الاحتياجات بسبب حجم الدمار الذي تعرض له الوسط التجاري لبنغازي ومنطقتي الصابري والليثي والوسط التجاري لبنغازي علي وجه الخصوص، ولكن مجرد ان تقلب الصفحة وتنظر الي الاوضاع المالية للدولة الليبية حاليا وما تعانيه الميزانية العامة من عجز مستمر منذو سنتين ويتوقع ان يستمر خلال السنتين القادمتين علي اقل تقدير في حال توقف الصراع المسلح وعودة انتاج النفط وتصديره هذه السنة وهذا لايبدو امرا ممكن تحقيقه بشكل سريع وبالتالي فان الصندوق المقترح الذي وان تم انشائه اليوم سيكون فارغ بالتاكيد لمدة لاتقل عن خمس سنوات من الان.

بنغازي تحتاج علي اقل تقدير من وجهة نظري  الي انفاق استثماري لا يقل عن 50 مليار دولار بين بني تحتية ومشاريع تطوير اسكانية وتجارية جديدة وصيانة للعديد من المباني بالاضافة الي بناء مشروعات تعزز الرؤية المستقبلية لتكون بنغازي عاصمة اقتصادية لليبيا كالمطار الحديث والميناء والمنطقة الحرة وغيرها ان مثل هذا المبلغ لن تستطيع اي حكومة ان تلتزم به او ان تقره في مشروع ميزانيتها القادم وحتي القول بان المخصصات يمكن ان توزع علي عدد من السنوات ليس بامر واقعي تبعا للظروف المالية للدولة الليبية هناك راي اخر يشير الي ان يتم انشاء الصندوق ويكون في شكل صندوق استثماري مثل ما فعل الحريري في بيروت عندما حول العقارات المدمرة في الوسط التجاري لمدينة بيروت الي حصص ملكية في صندوق استثماري وهو شركة سوليدير المساهمة و مول الجزء الاخر عبر مساهمات مالية من استثمارات عربية وحصل علي قروض من مؤسسات مالية للقيام باعادة البناء و ان حقق المشروع نجاحا في اعادة اعمار الوسط التجاري المهدم بسبب الحرب الاهلية اللبنانية وقدم نموذج مهم لدور القطاع الخاص في تمويل برامج اعادة الاعمار  الا انه حول ملاك العقارات التجارية الي اصحاب حصص في اسهم الشركة المدرجة في بورصة بيروت وافقدهم ان الفرصة في ادارة نشاطاتهم التجارية في عقارتهم كما ان المشروع اقتصر فقط علي الوسط التجاري للمدينة ولم يستطع حتي الان برغم مرور السنوات من ان يستكمل اعمال اعادة الاعمار بسبب نقص التمويل وعوامل سياسية اخري لايتسع المجال للخوض فيها وقد تكون المقومات التي توفرت لصندوق الحريري غير ممكن توافرها في مشروع صندوق اعمار بنغازي المنشود كالتمويل الخارجي.

لذلك وحتي نتلافي الخوض في مشروع قد يواجه العديد من العقبات التنظيمية والتمويلية والادارية التي ربما تؤدي الي  فشل المشروع وتفقد مدينة بنغازي فرصة اعمارها سريعا ناهيك عن الفساد الذي ربما سيعيق العديد من الاعمال بسب الاوضاع الغير مستقرة حاليا، فانه من المناسب البحث عن اسلوب افضل يتلافي العيوب المشاكل التي ربما تعترض عملية اعادة الاعمار

اعتقد جازما ان مشروع اعادة اعمار بنغازي وتعزيز دورها كعاصمة اقتصادية لليبيا لا ياتي عبر الاصرار علي نقل ادارات عامة لمؤسسات اقتصادية فهذا الامر لا يقدم ولا يؤخر في شي في ظل عصر التكلنوجيا والمعلومات الرقمية فالمكان ليس ذا قيمة، المهم هو اعداد  وتطوير البني التحتية وانشاء نموذج اقتصادي متطور ومساحات للعمل وفقا لاحدث الاساليب العالمية هو ما سيجذب المؤسسات والشركات الوطنية والاجنبية للعمل في بنغازي.  ان مشروع اعادة اعمار بنغازي  من وجهة نظري لابد ان يبني علي مراحل وخطوات ثابته عبر  بناء نموذج متطور لاعادة الاعمار يرتكز علي توافر الاساسيات التي تمكن برنامج اعادة الاعمار من السير قدما نحو تحقيق تطلعاتنا في تحقيق الهدف المنشود، و يمكن تلخيص خطواته الاساسية المقترحة  في الاتي:

اولا:  حصر المباني والعقارات المتضررة وتحديدها بشكل دقيق وتحديد القيمة العادلة لها وتحديد الملاك والمنتفعين بالعقارات.

ثانيا: تنظيم ملكية العقارات وتحديث السجل العقاري عبر  استخدم التقنية الحديثة ويكون قادر علي تلبية احتياجات الافراد والجهات في اثبات الملكية والرهن ونقل الملكية بالسرعة المطلوبة .

ثالثا: لابد من اعتماد مخططات حضارية  لمدينة بنغازي في ظل رؤية جديدة تتضمن مشروعات متكاملة حتي سنة 2030 وان تركز الدولة علي ربط المخططات بالبنية التحتية بالدرجة الاولي وبالمواصلات العامة.

رابعا: انشاء هيئة حكومية لمشروع اعمار بنغازي يقتصر دورها علي اعتماد المخططات والاشراف والرقابة علي عمليات التنفيذ وفقا للمواصفات الفنية المعتمدة وليس لها علاقة بالانفاق المالي او التمويل ، وتتولي اعتماد قيمة التعويضات لاصحاب العقارات المهدمة والمتظررة اثناء الحرب و اصدار سندات او صكوك اسلامية  بضمان الحكومة بقيمة العقارات المتضررة يكون عمرها عشرين سنة بمعدل  عائد مناسب في حدود % 5 وقابلة  للقيد و التداول  بسوق المال الليبي الذي بالتاكيد يحتاج الي اعادة تاهيل واطلاق من جديد ومن خلاله  يتم تنظيم  رهن  السندات  من قبل اصحاب العقارات المتضررة  لصالح  شركات التطوير العقاري الليبية والاجنبية التي تعتمد من قبل الهيئة لتنفيذ مشروع معين من مشروعات اعادة الاعمار كضمان مقابل اعمال التطوير تستخدمه تلك الشركات  كضمانات للحصول علي التمويل اللازم لاعمالها من البنوك المحلية والاجنبية او تحتفض بها خلال مدة التنفيذ كايراد وضمان لها،  علي ان يتم نقل ملكيتها عند الانتهاء من تنفيذ مشروع تطوير العقار لصالح الشركات العقارية المستثمرة او ترجع لاصحابها مقابل استغلال العقار من قبل الشركات العقارية للمدة الباقية من عمر السندات خمسة عشر سنة الباقية مثلا يحصل فيها صاحب العقار علي العائد السنوي وايضا قيمة السند والتي تمثل قيمة التعويض عند انتهاء عمر السند اي بعد عشرين سنة وهناك العديد من الاليات لتنظيم افكار مشابه.

خامسا: اطلاق برنامج واسع لتنمية المشروعات الصغري والمتوسطة تحت اشراف الهيئة الحكومية السابق ذكرها في مجال البناء والتشييد وتوفير التدريب اللازم والتنسيق مع المصارف وبيوت التمويل المالية لتقديم القروض وتمويل برامج توفير المعدات والاصول اللازمة للنهوض بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة في هذا المجال وتشجيعها عبر اسناد اعمال الترميم والصيانة بشروط ان يعمل الشباب الليبي في الاعمال المتعلقة بالبناء والتشييد.

هذا النموذج لاعادة اعمار بنغازي والذي يقوم علي اساس ان تتولي الدولة عبر مؤسسة حكومية مسالة التنظيم والاشراف والرقابة ويتولي القطاع الخاص عبر شركات التطوير العقاري وصناديق الاستثمار العقاري المغلق او المفتوح القيام  باعمال البناء والاستثمار والذي  يمكن ان يشكل حافزا حقيقيا للقطاع الخاص للمساهمة في اعادة اعمار مدينة بنغازي وبدون انتظار تمويل من ميزانية الدولة ويؤجل السداد الي المستقبل ولكن يعجل بتنفيذ الاعمار فورا  ويعمل علي خلق رواج اقتصادي حقيقي في المدينة بدلا من انتظار ان يتحقق حلم اعادة الاعمار علي يد الدولة والذي ربما سيطول انتظاره ، ويخلق فرصة حقيقية لبناء قطاع استثماري عقاري قادر علي المساهمة في البناء  ويساعد علي تنشيط وتطوير سوق المال وان يقوم بدوره كحافظ امين للسندات ومنظم لعمليات التداول ونقل الملكية ، كما ان مسالة التعويض النقدي لاصحاب العقارات قد لاتكون مجدية في ظل صعوبات توفر التمويل اللازم لكونه كبير جدا وقد يستغرق وقت طويل ، ناهيك عن وضع كل البيض في سلة صندوق لا اعادة اعمار بنغازي في ظل الفساد الحكومي المستشري  وضعف الموارد الحكومية قد يعيق بشدة عمليات اعادة البناء بالشكل المطلوب وبالسرعة اللازمة. ما اقترحه هنا يحتاج الي حوار مجتمعي في ضوء خيارات اخري تقليدية ويمكن تعمييم ذلك علي عدد من المناطق والمدن التي تحتاج اعادة اعمار في ليبيا ولكن البداية دائما تكون من بنغازي  فإعمار بنغازي هو بداية اعمار لليبيا.

 

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

التعليقات: 4

  • حسني بي

    اتفق مع كل ما ورد
    و ارفق رؤية تتماشى مع ما طرح من حل لإعادة إعمار بنغازي

    https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1679277885649164&id=1677982455778707

  • احمد العبيدي

    المقال يفتح المناقشة بشكل منظم اكثر لموضوع اعمار بنغازي ولكنه في رأيي لم يقدم أي حل واضح سوى نصبحة بتنظيم بعض مكونات الازمة الحالية وفيه بعض الحلول العامة على طريقة (ينبغي ويجب ) . هذا اولاً ثانياً ان مخططات الجيل الثاني لم تنفذ كاملة وشابها الفشل في السابق بسبب لنها لا تراعي خصوصيات مناطق ليبيا الثلاثة وتبعتها الجيل الثالث (4 أقاليم ) وهي مخططات تتجاوز الحقائق الجغرافية والقبلية ويجب ان يتم تصحيحها (اقصد هنا الجيل الثالث ) اخيراً الخمس نقاط الاخيرة تبقي غير واقعية مع دولة مركزية ضعيفة و لا ولن تحققها الا حكومة اقليمية فيدرالية في بنغازي او برقة بسبب مساحة ليبيا الجغرافية الواسعة جداً وضعف القياديين الليبين فيها وفسادهم وطمعهم لذلك افضل شئ هو حكومات محلية واسعة الصلاحية في اقليم وهذا كلام ماشي به كل العالم المتحضر من الامارات العربية الى امريكا مع التحية

  • احمد محمد

    السﻻم عليكم..
    الفكرة المعروضة جيدة ويجب دراستها وتجسينها وتاكيد مبادئها .
    واقترح ان تنتهز الفرصة لخلق مدينة اقتصادية وتجارية بكل معنى الكلمة. مدينة تقدم فيها خ الخدمة :بطريقة تنافسبة وتجارية بعيدا عن روتين الدولة والخدمة الرخيصة . وذلك بان تنشأ وتبنى معظم وحدات البنية التحتية من طرق وكباري وموانيء ومطارات ومستشفيات و خدمات اخرى من قبل شركات خاصة محلية وعالمية وتقدمها للمواطن مقابل تعريفة او قيمة معينة. ويكون للشركة المنفذة الحق في تحصيل وتحويل ارباحها..
    1-انشا هيئة اعمار فنية فقط تحدد المعالم الجديدة للمدينة من حيث المباني التي ستبنى والمراكز الاستثمارية الجديدة مثل موقع اﻻسوا ق والفنادق والموانيء والمطار والطرق والكباري والمدارس اوعيرها..
    2-تكيف هيئة مالية مستقلة تعمل على توفير التمويل الازم من المصارف والشركات اﻻستثمارية الخاصة المحلية والعالمية..
    3-اﻻتفاق على ان تكون معظم هذه المشروعات واﻻنشاءات انشطة تجارية خاصة يمولها القطاع الخاص الليبي ومشاركة شركات عالمية تقوم بانشاء هذه المشروعات مثل اﻻسواق والفنادق والطرق السريعة والكباري والموانيء والمطارات وغيرها وتديرها بطريقة تج ارية وتتحصل على دخل منها ويمكنها تحويا ارباحها كما هو معمول به دوليا.
    3- التعاقد مع الشركات اﻻستثمارية بحيث تلتزم ببنود التنمية المستدامة الخاصة بمدينة بنغازي والتي يجب ان تشمل اعادة بناء على اﻻقل عمارة سكنية واحدة او مدرسة واحدة او تاهيا حديقة او بحيرة او عيرها ضمن العقد و في المناطق التي ترعب الشركة غي انشاء مناشط استثمارية تجاري.
    كما يقترح ان تنشأ مشاريع استثمارية تجارية تنفذها جهات خاصة محلية وعالمية في مجال النقل العام والصرف الصحي..بحيث يمكن للشركات المنفذة تحصيل فيمة الخدمة من المواطنين وتحويل ارباحها كما تريد..وحسب المعمول به..
    4-شجيع هذه التشركات باعفاءها من الضرائب والجمارك وتكاليف تحويل ارباحها لمدة زمنية 5 سنوات من بداية العمل.
    5- وضع تشريع يسمح لهذه الشركات اﻻستثمارية العمل التجاري وتقديم الخدمات والمواد والمنتجات باسعار تحقق ربحية كافية
    6- تتكفل الدولة باعادة بناء منشآتها ومبانيها حسب اﻻسس الحديثة..
    بهذه الطريقة يمكن اعادة اعمار المدينة بطريقة حديثة وبمجهود متنافس وخاص وخلق مناخ تجاري استثماري ضخم..
    في النهاية اقترح ان يتم اعداد مخطط شامل على النحو المذكور سابقا وعرضه في القاءءات دولية في عدد من عوااصم العالم..ومنها اﻻتفاق مع الشركات الراغبة في تنفيذ هذه المشروعات حسب الشروط المذكورة..ا

  • أمين الاريل

    نظرا صحيحة تشكر عليها ..

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً