إلغاء علم النحو ضربة في خاصرة اللغة العربية ومخالف لمبادئ الدستور

إلغاء علم النحو ضربة في خاصرة اللغة العربية ومخالف لمبادئ الدستور

فلو تأملنا نص المادة الأولى من القانون الدستوري الليبي نجدها تنص على أن “اللغة الرسمية هي اللغة العربية”، وتنص المادة الثانية من مسودة الدستور التوافقي على أن “هي لغة الدولة، مع اعتبار اللغة العربية والأمازيغية والتارقية والتبوية تراثًا ثقافيًا ولغويًا ورصيدًا مشتركا لكل الليبيين، وتضمن الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها”، فكيف نحافظ على لغة الدولة ونحن نهمش العلم المعني بحفظها وضبط قواعدها وقوافيها واوزانها، فالقواعد الدستورية تتميز بسموها ولا يجوز مخالفتها بأي صورة كانت ، وعلى السلطة التنفيذية أن تضع السياسات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ لا أن تخالف أحكامه.

وفي العالم العربي ومنذ القدم كانوا شديدي الاهتمام بلغتهم وضبط قواعدها فتقام المناظرات والمسابقات كسوق عكاظ الشهير الذي كان ميدانا لتنافس الأدباء والشعراء، وبظهور الإسلام ساهم القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين في الحفاظ على اللغة العربية وضبط قواعدها، وعندما نشأت مدارس النحو، كانت تتمركز في مدن معينة يقطن فيها أساتذة ذلك العلم، وكان يلقب بـ”شيخ النحاة”، فكان هناك نحاة البصرة، ونحاة الكوفة. وأخرجت تلك المدارس العديد من علماء النحو النابغين مثل الأخفش الكبير، ويونس بن حبيب، وأبى زيد الأنصاري. أما شيخ نحاة الكوفة فكان الكسائي، بينما كان الخليل بن أحمد هو إمام نحاة البصرة، وتبعه سيبويه الذي كان تلميذًا للخليل، ثم معلمًا لتلاميذه من بعده، وكانت المنافسة بين نحاة الكوفة والبصرة شديدة.

ومن اللطائف يذكر أن سيبويه ذهب إلى بغداد لمناظرة الكسائي في بلاط الخليفة هارون الرشيد، وظلا يتباريان في النحو لعدة ساعات حتى طرح الكسائي مسألة، ظل فيها كل منهما على موقفه، فاستشاروا جماعة من الأعراب يشهدون المناظرة، فحكموا للكسائي ففاز، وإن كان علماء النحو الآن يقولون أن رأي سيبويه كان هو الصحيح.

ولقد ذكر الذهبي سير العديد من النحاة في كتابه سير أعلام النبلاء.

فالنحو علم قائم بذاته له قواعده وأصوله وهو تخصص مضبوط لا غنى عن أبناءنا من تعلمه، بل أعتقد أنه كان من المفترض زيادة الساعات المخصصة لهذا العلم، لإعطاء هذه المادة نظريا وتطبيقا، والعمل على رفع كفاءة معلميها والتطوير من طرق تدريسهم لهذه المادة الرائعة، فإلغاؤها أمر غير ذو فائدة ، بل ضرره عظيم ، فبهذا العلم نضبط كلمات هذه اللغة العظيمة التي يتغير معنى كلماتها بتغير حركة أو نطق قائلها إلى معان عديدة، ونبني على تلك المعاني قواعد ديننا في الكفارات والنذور والطلاق وغيره، ونركز عليه في تعاقداتنا والتزاماتنا.

وهذا ما يذكرني بقول الشاعر:

أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً ****       وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ

أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً      ****   فيا ليتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ

أيُطرِبُكُم من جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ    ***  يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي

ولو قمنا بنظرة سريعة لوجدنا بالغ الاهتمام من دول العالم المختلفة بلغاتها والعناية التامة بمادة قواعد اللغة ولا توجد لغة تهمش لغتها لصالح لغة أجنبية.

– فدولة فرنسا أقدمت في عام 2008م على تعديل المناهج الدراسية (تشافى داركوس وزير التعليم الفرنسى مؤلف كتاب المناهج الدراسية) حيث حرصت على إعطاء الأولوية لتعلم الرياضيات واللغة الفرنسية مع زيادة ساعات تعلم اللغة الفرنسية.

فالجدول الزمني الجديد أعاد تقسيم ساعات الدراسة إسبوعيا, فعلى سبيل المثال زيادة عدد ساعات دراسة اللغة الفرنسية, لتصبح 10 ساعات اسبوعيا في الدورة التعليمية الثانية المعروفة ب(cycle 2) ، و8 ساعات أسبوعيا للدورة التعليمية الثالثة المعروفة بـ(cycle 3)، والتي كانت تتراوح ما بين ستة وثمانية ساعات في البرامج السابقة.

– في ألمانيا يبدأ التعليم المدرسي بالمرحلة الابتدائية الأساسية والمعروفة بـ”Grundschule”، وغالبا ما تنتهي المرحلة الابتدائية في الصف الرابع، باستثناء بعض الولايات التي تنتهي فيها هذه المرحلة في الصف السادس مثل ولايتي برلين وبراندنبورغ. في الـ”Grundschule”.

ويتم التركيز في تعليم التلاميذ قواعد القراءة والكتابة للغة الألمانية وكذلك التركيز على مادة الحساب، مع الاهتمام ببعض اللغات الأخرى.

– وفي أمريكا لا يوجد منهج قومي رسمي للتعليم وتقع مسؤولية المناهج وتخطيطها وتطويرها على عاتق إدارات التعليم بالولايات مع إتاحة الفرصة للولايات المحلية والمدارس بقدر معين من المشاركة. وعادة ما يشارك في تخطيط المناهج وتطويرها المتخصصون في المادة ومديرو المدارس والمعلمون، وذلك بالإضافة إلى أساتذة الجامعات من المتخصصين في التربية.

وفي العموم يتم التركيز على اللغة الانجليزية ويتضمن المنهج التركيز على القراءة والكتابة والنطق والاملاء والقواعد.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 2

  • #رسالتي_للوزير ..
    السلام على من اتبع الهدى
    أما بعد ،،،
    حرصا مني وممن لديه اعتزاز بلغته العربية الصميمة أكتب هذه السطور لتقرأها بتمعن وتؤده .
    قرأت ماكتب عن مقابلتكم التلفزيونية الأخيرة واستوقفني بل واستفزني ما ورد في بعض نقاطها المذكورة والخاصة باللغة العربية وإلغاء النحو للمراحل الصغري من التعليم الأساسي من الأول إلى السادس !
    أقول لك يا سيادة الوزير ( وصلت في اللحم الحي ) كيف خطر لك ما خطر !
    النحو يا سيادة الوزير هو ( رياضيات اللغة )
    هل يستقيم الظل والعود أعوج ؟
    ورد في حوارك اعتماد المطالعة وإلغاء النحو ! بربك كيف يقرأ تلميذ الصف الثالث والرابع قراءة سديدة يستقيم معها المعنى دون إدراكه لمواضع الحركات الإعرابية ووظيفتها ؟ كيف يفرق طالب الصف الخامس والسادس بين الفاعل والمفعول خلال النص ؟
    ضرب زيد عمرو
    في رأيك من الضارب ومن المضروب ?!
    أتراه زيدا أم هو عمرو ؟
    لن تدرك هذا مالم تدرس أبجديات النحو العربي.
    هل هو خط ممنهج لطمس اللغة العربية ؟
    كيف للتلميذ أن يقرأ القرآن وآياته رفعا ونصبا وجرا دون أن يتعلم وظيفة كل حركة وكيفية كتابتها لينطقها صحيحة ؟ تأنَّ ؛ فأنت تصيبنا في مقتل !
    أنا مع التكثيف من حصص المطالعة بل كنت ومازلت أطالب إدارات كل المدارس التي أديت وظيفتي بها قلت أطالب بوجود مكتبة حقيقية في المدرسة يتكمن الطالب خلال زيارتها من ملء وعائه اللغوي بمفردات جمة يستثمرها في مادة التعبير والإنشاء وكتابة البحوث بل وفي حياته اليومية كما أنها تفتح مداركه لآفاق أبعد من ذلك .
    شخصيا لن أتوقف عن تعليم النحو والبلاغة والأدب لأبنائي ولمن يرغب في الاستزادة فيكفينا مانراه في مواقع التواصل الاجتماعي من وأد للغة العربية بكتابة منشورات تتراص فيها الإعاقات اللغوية والسبب في ذلك ضعف العطاء من قبل بعض المحسوبين على التعليم !
    ولن أتوقف عن قراءة النصوص الشعرية وتحفيظها للصغار لما لها من دور رئيس في فن الإلقاء لدى الطالب حيث أن الحفظ ينشط الذاكرة ويعين على الاستذكار .
    لا يسعني إلا أن أقول ما ورد على لسان الشاعر حافظ إبراهيم في لغة الضاد

    ‏‎وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً
    ‏‎وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
    ‏‎فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلة ٍ
    ‏‎وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
    ‏‎إلى لغة ٍ لمْ تتّصلِ برواة
    ‏‎سَرَتْ لُوثَة ُ الافْرَنجِ فيها كمَا سَرَى
    ‏‎لُعابُ الأفاعي في مَسيلِ فُراتِ
    ‏‎فجاءَتْ كثَوْبٍ ضَمَّ سبعين رُقْعة ً
    ‏‎مشكَّلة َ الأَلوانِ مُختلفاتِ
    ‏‎إلى مَعشَرِ الكُتّابِ والجَمعُ حافِلٌ
    ‏‎بَسَطْتُ رجائِي بَعدَ بَسْطِ شَكاتِي
    ‏‎فإمّا حَياة ٌ تبعثُ المَيْتَ في البِلى
    ‏‎وتُنبِتُ في تلك الرُّمُوسِ رُفاتي
    ‏‎وإمّا مَماتٌ لا قيامَة َ بَعدَهُ
    ‏‎مماتٌ لَعَمْرِي لمْ يُقَسْ بمماتِ
    ‏‎أنا البحر في أحشائه الدر كامن
    ‏‎فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي

    إيمان يوسف
    أستاذة اللغة العربية

  • د. أمين بشير المرغني

    للأسف اللغة العربية تراجعت كثيرا في ليبيا في “هيصة” التعليم. هنا أكلنا اللام الشمسية مثلا واعتبرنا مسألة تشكيل الكلمات ورفعها وضمها وكسرها وسكونها من الزخرف الممل. يبدو أن فكرة الغاء مادة النحو تأتي تعبيرا عن الامر الواقع منذ مدة. شكرا للكاتب وللاستاذة الكريمة على المقال والتعليق.

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً