اللجنـة الستينيـة… والأزمة الدستورية

اللجنـة الستينيـة… والأزمة الدستورية

بطرابلس فى شارع بالخير تحديداً، أواخر السبعينيات، كنت من وقت لآخر أجلس مع صديق أمام محله التجارى، يمُر بأستمرار شخص، يُقال أنهُ (واخِذ لَفة)، أى يهذى أحياناً، معلقاً على الوضع السياسى المتمثل فى اللجان الشعبية واللجان الثورية ومساوئهما التى حولناها اليوم الى اُمنية صعبة المنال (للأسف)، وأوصلنا الناس لتقول “يا يوم من أيامها” وخاصة الأمن والأمان، فالناس نست بل يأست من تَمَنى أى شىء، غير ساعة آمن تعيشها (إيددينى من آمنك ساعة)….. كان الرجل، كل ما مر بنا وبدل السلام عليكم، يكرر وهو مستمر فى مَيَشيَهُ دون توقف”شكشكى يا ماكينةالجرادل” (آلة)، والمقصود لا رجاء ولا خير يُنتَظَران من الوضع القائم(حينها)، أللهم قرقعة أصوات.

نعم وفعلاً، اتضح أن لجنة الـ 60 لصياغة الدستور، عبارة عن ماكينة جرادل، يَسمَع الشعب ضجيجها أكثر من سنة دون أن يرى لها طحيناً….. اذكر اننى كتبت مرة، بأننا ومن أول ما تشكل المجلس الأنتقالى، عرفنا المكتوب من عنوانه، عندما ظهرت علينا صور وجوه اعضاء المجلس الأنتقالى أو الأنتكابى (من نكبة)، بعضها كالحة، أنهكتها مهام الأنبطاح الطوعى للنظام السابق، وجوه ما أنزل ألله بها من سُلطان، والذين عدد كبير منهم كانوا فى ذلك العهد الذى أتقن فن ركوبهم، مُجرد سَقط متاع….. وبحُكم خبرة ركوبهم، نطوا كالقِرَدَة من ريموك سبتمبر الى ريموك(قاطرة)فبرايور، وأنتشروا (حافى ومَدديس) زُرافاتٌ وَوِحدانا، يركبوننا وينهبوننا ويهدمون بنيتنا ويسوموننا سؤ العذاب….. عدد كبير منهم كان بالعهد السابق من ذوى السُمعة السيئة، المُذقعة فى الفساد سيرتاً وسلوكاً وذِمَتاً، وأقله نفاقاً وتملـُقاً(يشهد بذلك عليهم تُراب وحجر الأرض وسمائهما قبل بشرها ودوابها)، وأن زينوا ياقات جاكيتاتهُم ومعاطفهم بحديدة/علم الأستقلال نفاقاً، وتقمصوا سِحنة الثعلب الذى خرج يوماً فى ثياب الواعضين، ومشى فى الأرض يهدى ويسُبُ المَاكِرينَ(تخيلوا، مُخترع المُكر، يَسُب المَاكِرينَ!!!)، ملللة مجلس، ملللة هو يا خويا(على رأى التونسى).

كان المجلس الأنتقالى، فعلاً مجلس شبكة الحوات كما يقول خالى على، حيث التاريخ يُعيد نفسه، إذ أذكُر أن خالى روى لى مثال شبكة الحوات 1970 ، تعليقاً على ما عُرف فى ذلك الوقت بتشكيلة أعضاء مجلس قيادة ثورة سبتمبر وظباطها الأحرار(صحيح، ما تحمدنى لين تجرب غيرى)بعد اللى شفناه من هوامير فبرايور (نوع سمين من الأسماك بالكويتى) فالأعضاء السبتمبريون جعلوا منهم الهوامير الفبرايريون اليوم ملائكة، وأن كان مقارنة بالحجم، فالأولين كانوا سردينة….. شبكة الحوات توجد فيها احياناً بعض السمكات الجيدة، إلا أنها تحوى أيضاً الكثير جداً من تبن البحر، وشلائك مهترئة (أحذية)، وحديدة صدئة، وقطعة حبل خامر وخشبة معفنة الى آخر شوائب البحر الغريبة العجيبة (نعنى شَبَكِة الحوات).

على عكس ذلك التشائوم والنكد كله، وبأنتخاب لجنة الدستور، انا شخصياً اصابنى خير التفاؤل، عندما رأيت عدد من الوجوه الطيبة، منهم اساطين فى القانون الدستورى، الحقيقة لا يُشق لهم غـُبار، وترأس اللجنة رجلٌ أنيقٌ بكرافتة سمحة(واد مِسَبسِب الشعر)ذى أنياب ليثية بارزة تظننه دائم الأبتسام، ينطبق عليه بيت الشعر المعروف (أذا رأيت أنياب الليث بارزةُ، فلا تضُنَنَ أن الليث يَبتَسِمُ)، لا أعرفه إلا من خلال صور الذين أتت بهم جررافات فبرايور، أو شبكة شيخ دراويش صيادي أعضاء الأنتقالى عبجليل، وكان رئيس تستورنا المعنى، من اللذين نزعوا/شالوا شارة/حديدة، علم الأستقلال من (الجاكة) بسرعة، فور تأكُدَهُ من تثبيت كُرسيَهُ على حائط فبرايور ولو كان مُتهالكاً، وبعد أن تحولت حديدة الجاكيتات الى آداة تهكُمٌ وشِعار نفاق وتملـُق، رماها جميع مُتملقي فبرايور، إذ لا غرابة البتة، فهم فى أغلبهم نفس مُتملقى سبتمبر (فالتملق سلو بلدنا) أى عادة بلدنا، على رأى المصرى.

استمر تفاؤلى بهم وبه خيراً، رُغم وسوسة البعض لى، بأنه لم ينجح حتى فى أتقان تكوين وقيادة لجان سبتمبر الشعبية فى جامعة بنغازى (قالوا لى أنه سيستمر يظهر فى بداية كل ثورة)، إلا أننى وبعد قضاء الرجل عُمرٌ طويلٌ فى ربوع رمز العمل الديمقراطى (ماما أمريكا لاند)، ومن باب قول الحق، أستبشرت به خيراً، وتوقعت أنه سينقـُل لنا تجرُبة أمريكا، التى هى هاجس كل سكان عالمنا الثالت، ومبعث مقارنات التفضيل والمُفاضلة، ولعل الباعث على أختيار زملائه لرئاسة لجنتهم، لا يخرُج عن سببين اثنين، الأول ليتصرف كخبير (ديمقراطية أمريكية)، والثانى لضمان دعم أمريكا لنا فى الوصول الى دستور يُحاكى دستورها، لتضمن توئمة توجه شعبينا السياسى، ومن ثم نضمن نحن دعمها فى المحافل الدولية، ولم نعلم على الأطلاق أننا هربنا من غول الدكتاتورية لنقع بحضن سلال القلوب، داعش المتأمرك، أن لم نقل أمريكى، فأنه حتماً مكسب ربيع فبرايورنا.

ولكن ثلاتة أمور (وليست أنياب) برز اثنان منها فى بداية عمل اللجنة، ابعدوا عنا آمل أن نرجو منها خيراً، حتى وأن أكملت عملها يوماً ما فى سنة ما، الأمر الأول هو تخصيص مكافأة ومزايا مُترفة لرئيس واعضاء اللجنة؟!!!، والثانى، مشاهدتنا الدائمة لجلوس رئيسها على كرسى كبير، ذو مَسنَد طويل خلف رأسه، لزوم التَمَيوُز على زملائه، رُغم أن أغلبهم أغزر منه علماً وخبرة بحياة الليبيين وسبر أغوارهم، تساوى على الأقل خبرته بحياة الأمريكان الذين لا يعنينا أمر حياتهم، وبدأ الرييس يتصرف كرئيس دولة بكرفتة(ماآم وهيبةً) يلتقى السُفراء ورؤساء الوفود الأجانب الذين، أصبحوا فور توليه، يسطفون أمام شقة ألدستور؟؟؟!!! (أللـلاه)، ليتفرجوا على اللجنة العتيدة، فتفرغ للأستقبالات ونسى عمل الصياغة فى أغلب الأوقات ورُغم تدفـُق أنهار دمائنا ليل نهار (يلا هى ديمة هكى، حاجة تنسيك فى حاجة، كما تقول جدتى)….. أما الأمر الثالت.. حذث مُنذ اشهر، وتمثل فى نكتة سخيفة سخافة شلاكة شبكة الحوات، عندما طلب رئيس لجنة/دولة/جمهورية موز الدستور الليبى، نقل اللجنة الى خارج ليبيـا(مالطا على الأقل)؟!!!.. وقدم ميزانية ما ظهر منها يكفى دولة أفريقية (هاذى عملة يعملها عاقل!) فتأكدت أن ليالينا وأيامنا السود ستطول، وها هى تطول جداً (هو إحنا نأأأصين يا خويا).

يا رَييس، يا عليوة، ألله إيربحك، راك تنسى يا را.. أنت وزملاؤك أعضاء لجنة صياغة (وحسب)، أى يجب أن تقفل على نفسك ومن معك صالة، وتتناقشوا وتُصيغوا زُبدة نقاشكم، ولو كان غيركم كثيرون مكانكم، لما أخذوا فلساً واحداً، عدا مصاريف التنقل والأعاشة، ولكانوا خلال 3 أشهُر على الأكثر، قد انهوا عملٌ مثل هذا، كان يجب ان يكون تطوعياً بالأساس، ولا مقابلات لكم إلا مع شرائح المجتمع الليبى، وأن طالت، بعض اللقائات مع خبراء أجانب قد لا تكونون فى حاجة لهم، ولم يكن(وعلى الأطلاق)أن يحتاج الأمر الى أكثر من 6 اشهر، ولكن ماذا نعمل، وكما يقول المثل الذى نأسف على ذكره”جبنا الفرطاس يونسنا، عرى فرطسته وخلعنا”.

وكله كوم، وأقتراحك نقل لجنة الدستور للخارج كوم (عندك حق) تخيل صغتوا الدستور بالداخل! كنا سنكون مسخرة أمام العالم، وبعدين الصياغة تلزمها وعلى رأى سماسرة العقارات المصريين (اُودة هواها بحرى، يرود الروح) نعم، أهم شىء روح الرئيس، إذ أى رئيس يجهل وضع أستراتيجية لحماية نفسه(مش رئيس ومايلزمناش) أما أرواحنا تتفجر ليل نهار مثل البراغيث فى آتون نار صراع مليشيات النفط، بس ما عرفناش، أن كان بيكرى 60 فيلا مالطية، ولا وحدة بس؟.. الحمد لله، أن اُسر أغلب رؤسائنا منذ تأسيس المؤتمر الوطنى وتعالى جاى، تركوا أسرهم بالخارج وإلا كان موقفنا سيكون صعباً لا سمح ألله ..ولما لا(لكم فى السابقون اُسوةٌ يا اُولى الألباب)، ما كان من أولها لرئيس المكتب التنفيذى نفس اودة الهوا، بل مجموع أهواء بحرية، من الدوحة حتى المضارب الباريسية، ترد بدل الروح عشرة، وهو الذى غالباً ما تكون النصيحة آتت من عنده وحليلِك يا ليبيـا(يلا، هو مش نايض، مش نايض) لنا عودة الأسبوع القادم أنشاء ألله.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً