المشهد الإقتصادي والمجلس الرئاسي

المشهد الإقتصادي والمجلس الرئاسي

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

المجلس الرئاسي الليبي يبعث من طرابلس عاصمة الليبيين جميعا برقيات عاجلة إلي الليبيين الذين ذاقت بهم الأرض بما رحٌبت وتحطمت أمالهم العريضة علي صخور الصراع والانقسام  ويعيد عبرها بارقة الأمل التي يعول عليها الليبيون الآن كثيرا للخروج من المأزق الاقتصادي وظنك العيش الذي يعانون منه بشكل يومي، فالسيولة المالية مفقودة من البنوك ومستوي الأسعار ارتفع بشكل لا يطاق وتعثر وتردي جميع الخدمات الأساسية في البلاد، وبالتأكيد فإن تعثر تصدير النفط وانقسام المؤسسات الاقتصادية الرئيسية كالمؤسسة الليبية للاستثمار والمؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي كان له اثر عميق علي تردي الأوضاع الاقتصادية علي المستوي الكلي للاقتصاد، والذي كنت قد حذرت منه مرارا وانه لن يخدم الاقتصاد والمواطن الليبي.

لاشك أن الرسالة الواضحة و الصادرة عن مجلس الأمن الدولي في بيانه حول الوضع في ليبيا يوم 1/4/2016  والداعمة لحكومة الوفاق والتحذير من التعامل مع المؤسسات الموازية والتابعة لحكومة البرلمان في الشرق، ولحكومة المؤتمر في الغرب، واعتبارهم مؤسسات غير شرعية، هذا البيان الذي يأتي بعد دخول المجلس الرئاسي إلي طرابلس يشير بوضوح إلي أن حكومة الوفاق يقع علي عاتقها وحدها ادارة الشأن الليبي وعلي رأسها الملفات الاقتصادية التي لها تأثير مباشر علي حياة المواطن.

الأسئلة الأكثر إلحاحا الآن، ماذا يمكن أن يقدم المجلس الرئاسي وحكومته لعموم الشعب الليبي؟، وهل لديه المقدرة علي التعامل مع الوضع المتردي في ظل الانقسامات السياسية والتجاذبات الجهوية الحادة؟، وهل لديه رؤية واضحة المعالم لما يجب عمله بشكل عاجل لإعادة التوازن للاقتصاد الليبي في اقرب الآجال؟، وهل سيشهد الوضع الاقتصادي والمستوي المعيشي للمواطن الليبي تحسنا سريعا كما يتمني ويخرج من النفق المظلم الذي دخله علي ايدي الحكومات السابقة والصراعات السياسية؟.

هناك حالة من التفاؤل تسود قطاع عريض من الليبيين بقدرة الحكومة الجديدة علي إيجاد مخرج من الوضع المتدهور، والتي انعكست في انخفاض أسعار الدولار في السوق السوداء بشكل كبير بمجرد دخول المجلس إلي طرابلس، كما أن التطمينات التي قدمها المجلس للتجار وعدد من المصارف التجارية قد تساعد في جذب الإيداعات النقدية إلي المصارف وبالتالي المساهمة في حلحلة أزمة السيولة.

هذه التطمينات مهمة لتحسين الوضع ولكن هل هي كافية للخروج من عنق الزجاجة؟، بالتأكيد أنها ليست كافية في ظل حالة التجاذب السياسي الحاد بسبب عدم اعتماد البرلمان لحكومة الوفاق والذي قد يجر البلاد مرة أخري إلي صراع سياسي جديد.

الرهان الآن علي حكومة الوفاق إن تحدث التغيير الاقتصادي المطلوب الذي يبحث عنه المواطن في شرق البلاد وغربها وجنوبها، وفي تقديري أن أهم التحديات التي تواجه المجلس الرئاسي هي العمل علي إرجاع عمليات تصدير النفط بالسرعة القسوى من المواني المتوقفة و العمل علي توحيد المؤسسات الاقتصادية المنقسمة وإيجاد السبل المناسبة لاستيعاب الجميع في بوتقة الوطن الواحد.

المهم الآن الابتعاد عن الوعود الرنانة وإيضاح الصورة بشكل كامل أمام الليبيين والابتعاد عن السياسات الفاشلة التي قامت بها الحكومات السابقة وجرت البلد إلي الوضع المأساوي الذي نعيشه الآن علي المستوي الاقتصادي، كرفع المرتبات وزيادة الإنفاق علي الدعم، ولعل في اعتقادي من أهم ما يمكن القيام به هو الوقوف في وجه الفساد المستشري في كل جوانب المؤسسات الحكومية الليبية وضبط الإنفاق العام ورسم سياسات جديدة وإطلاق حزمة إصلاحات رئيسية وعاجلة لتدارك الانهيار الحاصل في المرافق الإنتاجية والخدمية العامة والخاصة.

لا ينبغي الإفراط في التفاؤل كون المجلس الرئاسي مازال يتلمس خطواته الأولي السياسية والتي بالتأكيد في ظل الانقسام والتجذاب الحاد ستكون صعبة، ولكن في تقديري هناك بارقة أمل كبيرة فيما يخص الجانب الاقتصادي بعد الموقف الدولي الداعم للمجلس الرئاسي فيما يتعلق بحذر تصدير النفط علي أي جهة غير مخولة من المجلس الرئاسي، بالإضافة إلي التمكين من إدارة الأصول والاحتياطيات الدولية للمؤسسة الليبية للاستثمار والبنك المركزي من قبل الجهات التي ستخول من المجلس الرئاسي.

وأدعو جميع المؤسسات الاقتصادية الليبية إلي العمل بمعزل عن الصراعات السياسية وان لا تعيد ما حدث سابقا، بل يجب أن تعمل كل المؤسسات الاقتصادية بروح يسودها مصلحة الوطن والمواطن قبل كل شي.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. سليمان سالم الشحومي

‏مؤسس ورئيس مجلس إدارة سوق المال الليبي السابق

التعليقات: 1

  • ابو عبد الله

    كلام الدكتور سليمان واضح وهو واقع الحال المعاش الان ,ونصائح بالجمله لا غبار عليها ,ولاكن الاشكال فى التنفيد والصراع دامى من اجل المال اولا والجاه ثانيا والجهل اولا واخيرا .

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً