الواقـع الأليـم… والطوق القديم

الواقـع الأليـم… والطوق القديم

اقتصادياً وعند ما يُراد الأستثمار فى بلد يكون المستثمرين مُتيقنين من توفر جدوى الأستثمار فيه، ولكن تُعمه الفوضى ويُضنيه التخلف، لا بيانات ولا أحصائيات فيه، فالحل يكمن فى ما يُعرف بالفرصة المماثلة أو البديلة، إذ يتحتم أختيار اقرب البلدان الملاصقة له وأكثرها تنظيماً أدارياً للقياس عليه كنموذج، والتى من الطبيعى ستكون جغرافياً وبيئياً فمجتمعياً ومن ثم اقتصادياً، الأكثر تشابه مع البلد المقصود.

بالنسبة لواقعنا الأليم، وحالتنا الكارثية المُزرية، التى أوصلناها الى الأستعصاء إذا جاز التعبير، فمالنا إلا الأقتداء بأحسن الجيران حالاً، وهى تونس شئنا ام آبينا، وقد بدأنا الخطوة الأولى على طريق الأقتداء بالمثال الأقتصادى(الفرصة المثيلة)، عندما قرر مجلس النواب ولو مُتأخراً، ألغاء آحد رؤس الفتنة ومعاول هدم الوطن، آلا وهو، قانون العزل السياسى، وها نحن نستبشر بأهم خطوة خييرة من البرلمان.

وطوق النجاة، يتمثل فى أختيار حكومة عتيدة تكنوقراطية بحثة، تشمل مزيج من الخبرات القديمة المتمرسة فنياً والعارفة ببواطن أمور الشعب الليبى وأحتياجاته، المتمثلة فيما عانيناه فى الماضى، وما نعانى أسوأ منه عشرات المرات فى الحاضر، وما تشرئب له آمالنا فى المستقبل.

تلك الخبرات القديمة، المتكونة بشكل خاص، من الذين عملوا فى الأدارة السابقة،  مماً لامآخذ عليهم، ولديهم الكثير مما يعطونه، فى مجال بناء الدولة ومن ثم أدارتها، وقضوا جُل عمرهم المهنى، يتمنون أن تشكل أسهاماتهم، مشاركة فى خدمة شعبهم، ولكن لم تمُنح لهم الفرصة التى ها هى بين أيديهم، حيث لم تتلطخ آياديهم بدماء ولم تمتد لفلس من المال العام.

وعملاً بما اسميته بتعشيق الأجيال، أى دمج كبار سن الخبرات الأدارية القديمة، بالكفاءات الحالية من الشباب الواعد(طالبنا بذلك كثيراً فيما مضى، ولم يُصغى الينا)، فها هى تونس تقوم بما نعرفه جيداً، ولكن لفقر دم الأقدام فى تفكيرنا على أتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، تجدنا دائما (إنتبعوا/تبباعة) (نقتفى).

فها قد جاء الوقت المناسب لذلك التعشيق، آلا وهو الأستفادة من الخبرات القديمة، التى تمثل لنا حالياً طوق النجاة الوحيد، جنب الى جنب مع الفئات الشابة، التى نأنس فيها الكفائة والقدرة، على التعلم مماً سبقهم فى معترك العمل الأدارى والقيادى، ومن ثم، التمكن من رفع قدراتهم المهنية وتأهيل أنفسهم، ليستلموا خلال السنوات القليلة القادمة دُفة القيادة، مماً قلنا عنهم طوق نجاة مركب دولتنا العتيدة.

والمراقب لما حذث بتونس، يرى كيفية الأستفادة من الباجى قائد السبسى، الذى عاصر كل الأنظمة السابقة لثورة ربيعهم، وهو غير كونه قيادى وسياسى مُحنك ومُخلل فى قيادة/أدارة الدولة، فهو بحكم طول الخبرة والسن، يمثل كبير قوم الدولة إذا جاز التعبير، ليكون الحكيم الذى يُحترم بل ويأنس لرأيه رئيس واعضاء الحكومة التنفيذية، ويطمئن له البرلمان المُشرع للسياسة التونسية وحامى دستورها.

وبجردة حساب (كما يقول التوانسة) لسبر أغوار الشارع التونسى، منذ ما بعد أنتحار البوعزيزى، وحتى تاريخه، نرى أرتفاع مؤشر أطمئنان شعب تونس، الى أفرازات الأنتخابات الرئاسية بأقدم القديم (السبسى)، وكذا الأتفاق على تشكيل حكومتهم، التى وأن عَشَقوها بالخبرات الشابة، إلا أن رأستها، جاؤ لها الأخرى برئيس من أحد خبرات العهد القديم (من فات قديمُه تاه).

وكأنى بالتوانسة، أستفادوا وحدهم من نصائح الزعيم الراحل مانديلا، ولم نستفيد نحن منها شيئاً، والتى من بين ما جاء بها، الأقتداء بما فعل رسولنا مع من عادوه عند فتح مكة، وتأكيده على أهمية عدم الأقصاء ونسيان أحقاد الماضى، مما جعل تجربة مانديلا، من أنجح وأروع التجارب الأنسانية، والتى دمجت البيض (أشد طغاة الميز العنصرى)، والسود بكل ما آلمهم من ماضى ظلم البيض لهم، فى بوتقة مجتمعية واحدة، لامجال لحياة آمنة فيها، إلا بذوبان الفوارق بالعمل مع الكل  وبالكل.

كيف بنا نحن، الذين لم نعيش ظلم وتنكيل وإبادة الميز العنصرى؟، ما بالنا الليبيين لا نتعض بأى تجربة أنسانية معاصرة، ولا حتى الأقتداء برسولنا الكريم نبراس التسامح والعفو، بل لم نمتثل حتى الى كلام ألله، الذى نسيناه فأنسانا أنفسنا… وفوقها نبوا نكونوا شهداء مُبَشَرينَ بالجنة؟!!! (شهادة مين وجنة مين يا عم.. قول جهنم لنا جميعاً).

ولمن صوتوا على عزل من عملوا بالعهد السابق بسبب الظلم، آلا ترون أن ما رآه الشعب الليبى من قتل وظلم فتنكيل وتشريد فدمار لكل بنية الوطن، فى عهد فبرايور هذا فى زمننا هذا، فاق عشرات بل مئات المرات ما حصل فى الماضى؟!، آلا يحق إذاً أصدار قانون عزل سياسى أشد ضراوةً، على كل من عمل فى عهد فبراير هذا، فى زمننا هذا؟.

لو تخيلنا (جدلاً فقط) حصول معجزة ربانية، وخرجنا مما نحن فيه الآن، وقررنا عدالة انتقالية، يبُسط فيها العدل، وتُنصب المحاكم..عندها، مساحة أقفاص الأتهام، ستكون بمئات الأمتار طولاً وعرضاً، لكل قفص متهمى عهد فبرايور، وليست ببضع أمتار فقط كما هى الآن لمتهمى سبتمبر، بل وستُنصَب محكمةٌ فى كل قرية فضلاً عن مدينة بطول ليبيا وعرضها، وليس فى طرابلس وبنغازى فقط، إذاً مــن يعزل مـــن(يا مَعزِيلين)؟؟!!!، (تى رانا حارتين اُو فرد يا هوه).

ثم (تعالو هنا)، ما هذا الضحك على بعضنا، بمن عملت فبراير؟ ابتداءاً من عبد الجليل، مروراً بجبريل وصولاً لآخر العنقود على الترهون الذى قبل أن يصير أمريكياً أصيلاً، كان أكبر مدافع على سلطة الشعب بجامعة بنغازى فى 1973، (مالو الترهونى) أهو ماشى زى الفـُل!.

أن هذه المساحة لا تسمح بذكر قائمة أعظاد القذافى وشياطينه أذا جاز التعبير،  الذين منهم شلقم مؤذن الثورة، الذى كان من ضمن من أسرروا للقائد بنظرياته التى آتت بالوبال على مجتمعنا..هذا ليس إدانة لآحد مماً ذُكروا أو كائن من كان، بل وعلى العكس تماماً، أنه تأكيد على أن العزل دمار للوطن وليس بناءٌ له.. الوطن الذى هو بحاجة لنا الجميع، من نَظَر للقذافى وخدم سبتمبر كشلقم وعبد الجليل، ومن مهد لبرنارد ليفى وخدم فبرايور كزيدان وجبريل على حد سواء، جميعنا يحتاجُنا الوطن، عدا من قتل أو سرق سابقاً أو حاضراً على حدٍ سواء، فأولائك وحدهم وفقط، هم المعزولين.

عليه (فلنوططى الفبرايريين، على بعايرنا) ونعترف أولاً، أننا أيضاً ساهمنا فى وصول الوطن الى قاع الحضيض، أكثر مماً سبقونا، وإن كان لا يعفى آحداً منا العهد السابق من جرائمه، ولكنها الحقيقة الساطعة سطوع شمس النهار، لا ينكرها إلا منافق أفاق، هو ان ما ارتكبناه من جرائم وما سرقناه فى عهد فبراير هذا، لم يرتكبه أكبر مُجرمى وسارقى العهد السابق.

فأذا كان القتل فى العهد السابق بالالآف، فأنه بعشرات الالآف حالياً، وأذا كان التشريد والأرغام على الهجرة لم يصل مائة ألف، فأنه وصل الآن أربعة ملايين (احصائية دقيقة جداً سنرجع لها)، وأذا كانت السرقة بمئات الملايين فى السابق، فأنها حالياً بالمليارات، وهذا ليس بتبريرٌ لفعل إجرامى، ولكنها النسبة والتناسب فى الأجرام، التى تجعل هذا العهد حتماً، المتفوق فيها بمئات المرات عن سابقه، فهل سنبقى نتحذث عن العزل بعدئذٍ يا تُرى؟!.

يبقى سؤال من يحاكم من، لم يعد له مكان الآن، وأن كنا بصدد محاكمة العشرات من عهد سبتمبر، فأن واقع جُرمنا فى حق شعبنا وحق الوطن فى عهد فبرايور، يثبت أننا بأيدينا نًعطى الحق، لمن عملوا بالعهد السابق أن يحاكموا الآلاف منا الآن، وليس فقط أن نخضع لصوت العقل والمنطق والحق، ونلغى قانون عزل سياسى سيىء السمعة فُـُرض بالسلاح والثوابيت!.

على الأقل نلتفت الى تجربة قائمة حية أمامنا، ما دُمنا كافرين بكل تجارب الأنسانية وخير الآنام،  فها هى التجربة التونسية التى أقتدينا بها فى فبرايور، وكان واجب أسلاميونا وأولهم حزب العدالة، الأقتداء بأسلاميوا نهضتها، حيث كان حالنا غير الحال…هل أضاع  سواد النفط، حاسة سمعنا لتعاليم الرحمن الرحيم، فأسودت قلوبنا بسواده؟!.

فالغنوشى وحزبه النهضة، وقفا بقوة ومن الأساس، ضد مُجرد أدراج قانون العزل للتصويت عليه، فضلاً عن التصويت بقوة ضده بالبرلمان، وأكد لى الشيخ عند أستقباله لى بمقر حزبه فى تونس منذ سنتين “أنا ضد أقصاء اى تونسى، عدا من يُقصيه القضاء” هنيئاً للتوانسة بنورعقولهم، الذى نتمنى أنتقال عدواه الى عقولنا المُقفلة فى وجه هداية ألله وألأقتداء بسنة رسوله وتجارب كل البشر!!!.

وبعيداً عن حذيث الأقصاء والأخذ بالثأر ومن يُحاكم من، ومن يُقصى من، فلنعلم أننا جميعاً(دون تفريق) مُستهدفين بالموت والتشريد، فلنجلس على كراسى عقولنا الفبرايريين قبل السبتمبريين إذا جاز التعبير، ونمتثل لآوامر الرحمن، مقتدين بسُنة الرسول(ص)فى التسامح والعفو عند المقدرة، ثم بنهج مانديلاً وصولاً للتجربة التونسية، فلا تأخذنا العِزة، بل تأخذنا الشفقة والرحمة بشعبنا ووطننا..أللهم أجمعنا على كلمة سواء يا رحمن يا رحيم.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً